الإثنين 29 ابريل 2024

حديث النفس.. إني مهاجر لربي

مقالات26-10-2021 | 13:11

قد تظن نفسك عادية.. ولكن الله لم يخلق شيئا عاديا فكل ما خلقه إعجازاً.. قد تظن أنه بالسهل إضاعتها أو تعويضها وتنسى أنه ليس لها بدل فاقد.. تغفل فاتورة حسابك وأن ما يضيع منها لا يعود.. نتعب أنفسنا فى البحث خارجها عن راحتنا.. بعدما تعذرت زياراتنا لها على الرغم أنها ترحب بنا دائما لنتصالح معها.. ليكون جلوسك مع نفسك هو أنت الحقيقي.. فلتجلس إليها بلا ملل أو كلل وحاذر أن تتشتت فى أهوائها.. ابحث عن كل جميل فى واحتها.. حطم أسوارا حالت بينك وبينها.. فتصالحك معها بداية سعادتك التى تبدأ بشعورك بالراحة.

لماذا نسجن أنفسنا داخل قوقعة ونتسلح بأدوات المقاومة إذا ما حاولت الخروج من هذا السجن.. قد تكون أسباب السجن الذى أحطناه بأسوار وقيود المقاومة من الخوف والقلق.. نقاوم التغيير.. أو الخوف من اتخاذ قرار يترتب عليه اختيار.. أو الخوف من عواقب الفشل التى تجعلنا نميل للاحتفاظ بوضع راهن أو وضع قديم فى سجن لا يسمح بمروره إلينا حتى لا تتحرك الآلام والأحزان.. ليصبح السجن مزدحما بالأفكار والتوقعات والرغبات والصدمات إذا ما خالفته الحوادث.. ونصبح حيارى أمام تصرفاتنا التى نشعر بها أو لا نشعر بها قد تصل معنا للهروب الذى تؤديه عقولنا وعواطفنا!!.

ونتساءل هل يحركنا العقل الباطن لمثل هذه التصرفات التى تفقدنا تمتعنا بما هو فى واقعنا فنفشل فى تحطيم كل خوف لنخوض معارك وتجارب أم أنه العقل الباطن الذى يسكن نفوسنا هو الأقوى والأذكى الذى يتسلح بضمائرنا التى تطاردنا وتنغص علينا حياتنا ويطاردنا متى التقينا بأنفسنا أو حتى فى أحلامنا.. فيتحكم فينا ويرسم طريقنا فى الحياة ويجعلنا نتقدم ونتأخر.. نعرف ونجهل.. حاضر فى كل قراراتنا وأزماتنا النفسية يستولى على عقولنا وقلوبنا فلا يرحمنا.. فتصبح أنفسنا سجينة.. متعبين حائرين نتحجج بالاختيار والإجبار!!

لنقترب ونبعد ونغيب ونعود.. حتى فى كامل حضورها يكون هو الصوت الأقوى ينسج لنا حياتنا فلا نتقبل أيامنا وأحوالنا وأقدارنا!!

أم هو الخوف من كل ما يحقق الألم والوجع أم هكذا تخيلنا وننسى أن الحياة فرح وألم ولا تصلح بدون بكاء وإلا كنا موتى لايشعرون.. حتى المولود إذا لم يصرخ باكيا عند مجيئه للدنيا نظنه ميتا!!

وهل الحياة كلها بكاء وعويل.. إنها الحياة بحلوها ومرها أقدارنا فيها مكتوبة.. اختياراتنا محدودة.. لكن لابد وأن نختار وإلا على ماذا نحاسب !!.. هى الحياة التى لا تظلم أحدا فهى ليست كلها آلام وإنما خوفك من تحمل مسؤولية الاختيار يجعلك تتألم وتسجن نفسك داخلها فتظنه أحلى مكانا لك تحتمى بقيوده وأسراره.. وقد تظن أن داخله كله أحلامك ولكنها أوهام تحلم بها لا تستطيع تحقيقها.. فأصبحت داخله تكره الحرية وتعشق التقييد!!

إننا نكره حرية الاختيار لأننا نخاف العواقب.. نرحب بالمصائب لأنها قدرية لأننا نعشق دور الضحية.. كلنا عاشقون لدور الضحية والشكوى لا تنتهي.. كلنا نرفض الاعتراف بالخطأ وتحمله.. فالضحية مسكينة نتعاطف معها.. فأصبحنا ضحايا لبعضنا البعض.. ضحايا الأيام وتقلب أحوال الزمان وتغير الموازين. فأصبح دور الضحية هو الأسهل والأربح لنا كلنا.. نكره الأقوياء على الرغم أنهم أصحاب فضل فى كوننا ضحايا ولولاهم ما حظينا بمكاسب التعاطف!! فأصبحنا نعشق الضعف ونخشى القوة ونهابها ونبعد عن الشر ونغنى له.. حتى فى أحلامنا ورواياتنا نعشق البطل الضعيف ونصفه بالملاك المعذب فيرتبط الشر بالقوة!!

ومتى تكن أنت؟! ونتوقف أن نكون حلولا لمشكلات بعضنا البعض.. هل خلقنا الله ليصبح كل واحد منا مصباحا سحريا لتحقيق أحلام غيره!!

أتصور أن هذه الحياة جعلنا فيها ليعتمد كل واحد منا على الآخر.. لا ليلتهم كل منا الآخر.. فنحن بشر خلقنا الله لنتعايش مع بعضنا البعض وما نفعله حينما نبعد عن غايتنا السامية فى هذه الحياة أننا نبحث عن تحقيق الأنا لأنفسنا حتى ولو على حساب غيرنا أو نتوه عن أنفسنا أو نقدمها وجبة شهية لغيرنا رغم أن كل منا سيحاسب على أفعاله فلا يدفع أحد فاتورة حساب لآخر حتى ولو انتحر من أجله.. فنريد الحب فنحب أنفسنا.. نريد العدل فنظلم غيرنا لتعدل أنفسنا.. نريد الحق فنزور الحقائق.. نريد القوة فنستضعف غيرنا.. نريد المجد فنطمس غيرنا.. فهل وجدنا فى هذه الحياة لنعيش وحدنا دون غيرنا.. فلا حياة بدون مشاهد جماعية فى الفرح والحزن.. ميت ومشيعون.. عرس ومدعوون.. لكنها الأنا التى تحركنا حتى فى أسمى الغرائز الإنسانية.. فى الأمومة والأبوة تجدنا نفضل أبناءنا دون أبناء غيرنا.. فشلنا فى التعايش مع أنفسنا فتعثرنا وتوهنا فى دروبنا والآن نشكو.

وتتحول معنا نفوسنا فى صراعات وربما لمعارك نسير فيها عكس التيار فى اختيار مطلق أو أن يكون الصراع فى أن تعيش فى حياة أنت ترفضها عكس ما كنت ترغب وتريد.. حديث لا ينتهي عن الرضا بالقسمة والمقسوم.. والتأقلم والتكيف الذي يستوجب عليك أن تستخلص نفسك فتبحث عن معان أكثر صدقا تدرك معانى الخير والجمال من حولك لتحقق الراحة التى تحقق السعادة لقلبك وعقلك.. وأن تفعل الخير وتبعد عن الشر مما يستوجب عليك التأقلم مع بيئة محيطة بدعائم روحانية تهدئ من نفسك وتشرح لها أنه ليس كل ما حولها لابد وأن يتصف بالمثالية.. وأن تجعلها تفعل ما عليها غير مسؤولة عن أفعال الآخرين.. تخلص نفسك من صراعات يخلقها داخلك ذلك الضمير الذي إن كان حيا فيساعدك دائما على النجاة من رحلة تعذيب نفسك وأنت تذهب لها فى زيارات دورية وتخلصها مما يشوبها من آلام وأوجاع ومن أحوال قد يخيب فيها ظننا ببذلنا جهدا وتضحيات تؤلمنا، ولكننا إذا ما علمنا أنه من الوارد أن تأتى ردود الأفعال بعكس إثابتنا على فعلنا لأن النفوس البشرية يكمن فيها الخير والشر.. فقد تفعل الخير وتنال الشر، ولكن ضميرك مستريح.. فأنت فعلته فى مرضاة الله وليس لأجل شخص.

وإذا انقطعت عن زيارة نفسك فأنك حتما تصاب بالحيرة والقلق.. وقد تتوقف هذه الزيارات لتوقف النفس عن التصحيح والتصويب إما للهروب أو الكسل أو الخوف من مواجهتها.

مسكينة أيتها النفس كم أصبحت وحيدة معزولة!! حتى صاحبك لا يذهب إليك.. ولكن هل تزالين هكذا؟!

فى الحقيقة مهما هربت منها فإنها من القوة والمقدرة ما يجعلها تزورك فى يقظتك وأحلامك فهى قوة العقل الباطن المسيطر علينا فهل تقبل أن تعيش حياتك فى كوابيس مفزعة!!

فلا نستطيع أن نغادر أنفسنا.. فإلى أين الرحيل؟! فلا ملجأ من لقاء تتحمل معه عتابها وربما تعنيفها.. وقد تكون أمارة بالسوء بضمير ميت.. فماذا عساك أن تفعل؟! لا تتردد فكل واحد منا يعرف نفسه جيدا ويعرف كيف يقومها ولكنها الحجج التى نسوقها فى معاركنا وصراعنا مع أنفسنا فتصبح بين طريقين إما التمرد أو التصالح!!

ولكن يكفى حينما تزور نفسك أنك ستشعر بقيمة نفسك لأنك ستواجه أكثر الناس تجبرا وتسلطا عليك.. قد تقابل سجانك.. جلادك أو حتى ضحيتك التى تئن ليل نهار وقد تقابلها لقاء المحب أو العدو.. سواء رحبت بها أم كرهتها لكن لقاءك يشعرك بقيمتك.. قد يكون لقاء بعد غياب وتقصير وقد يكون لقاء حميما كله شوق واعتزاز وفخر وتذكر لبدايات جميلة وأيام كنا فيها متفاهمين.. وقد تكون هجرتك لأنك لم تكن على العهد وافيا.. تلاعبت بك فأردت إخمادها.

آه يا نفسي.. أعلم أنى سأعود إليك.. فلم يشفع الهروب منك طوال الوقت فلا تعذبيني.. أيقنت أن حبك هو قيمتي وأن فخرى هو احترامك، ولكن شروطك قاسية.. فأنا لا أستطيع أن أتوقف عن الكذب ولو حتى للمجاملة.. ولا النفاق ولو حتى مجرد كلمات.. ولا بالسكوت عن أخطاء لو بحت بها قد أفقد أسباب عيشي.. ولو.. ولو.... 

أيا كان فإنه إيمانى الضعيف الذى لا يستطيع أن يرفض سلوكيات تغضبك ولأنك نفس الأم التى تريدنى مثاليا.. ولكنك حبيسة لا تواجهي.. تحكمين بالشعارات والمبادئ.. أما أنا فلا أقدر على مواجهة نفوس غيرى بها.. أتريدين أن أخوض المعارك.. أنشر رسالتك أم تكتفين بالقسم أمامك أنى أحترمك ويكفى احترامى لك.. أهى معركة الحياة التى تغوينى أن أخوضها..

كم أنت عظيمة وأنا ضعيف.. فى النهاية لا مفر إذا ما فرضت شروط للتصالح معى فإنى سأكون معك لأنك مع الله الذى يقوينى ويجعلنى أنتصر فى صراعى ولو أخطأت حتمًا سأعود إليك لأنى أحبك وأحب أن أكون نفسى وليس شيئا غيرها.. ويكفى أن أكون عند حسن ظنى وليس ظن الآخرين.. إنى مهاجر لربى سيهدين.

فلو بحثنا داخل أنفسنا ووجدنا الغاية من معرفة النفس والنجاح الذى نحققه ونسعى إليه سنجد أنه بنيل رضا الله سبحانه وتعالي.. فلا تنشغل بالدنيا فتهلك وتتوه عن نفسك وسبب وجودك.. فلتكن هجرتك لله سبحانه وتعالى ومرضاته سببا لسعادتك فى الحياة.. فسر الوجود هو الله القوى الذى يمنحك القوة فى كل شيء لتصبح من أصحاب النفوس المطمئنة حتى ترجع إلى ربك راضية مرضية وتدخل الجنة التى وعد بها.. لتتوحد نفسك مع الغاية الإلهية من خلقك وتكون أنت الحقيقى الذى يرضى عنه ربه فى رحلة حتما مقضية تسأل فيها عن النجاح والتوفيق وتنسى أنه فيما يرضى الله وحده.. «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون».

Dr.Randa
Dr.Radwa