الخميس 25 ابريل 2024

دار الإفتاء تحارب الظلامية.. وتعليق يرسم خارطة طريق

مقالات27-10-2021 | 19:01

بدأت دار الإفتاء حملة عبر وسائط السوشيال ميديا تحت عنوان "اعرف الصح"، من خلال هذه الحملة تقدم دار الإفتاء الرأى الصحيح والموثق فى مسائل دينية شائعة كثر السؤال حولها وفتحت أبواب من الخلاف أكثر من الاتفاق .

من خلال متابعة حملة دار الإفتاء نجد أنها تهدف إلى التيسير وإتاحة الرأى الشرعى السليم المتوافر بين أكثر من رأى فقهى، وهذا بالتأكيد عمل محمود طال انتظاره من الدار العريقة خاصة أنها تستخدم فى حملتها الوسيط الأكثر انتشارا الآن وهو وسائل السوشيال ميديا، فهى ذهبت بعلمها إلى المواطن من خلال الوسيلة الأكثر استخداما فى حياته الشخصية .

تشير الحملة إلى جانب آخر ومهم، فالفتوى المقدمة ورائها علماء أجلاء مما يعنى أنها تحمل الثقة الكاملة فى محتواها، وتبتعد عن مدعى الفتوى ومن يفتون بغير علم ويضعون الحرام قبل الحلال، مخالفين كل منهج عقلى بعد أن كثر هذا النوع من المدعين خلال العقود الماضية بدعم من الفاشية الإخوانية والمتسلفة .

لم تكن دار الإفتاء بعيدة عن خطر هؤلاء المدعين ومن يدعمهم، ففى   فتوى بتاريخ 17 ديسمبر 2003 وتحمل رقم 16300 وتتصدر الموقع الإلكترونى للدار، أجاب  فضيلة الدكتور على جمعة وقت أن كان مفتيا للديار المصرية عن سؤال هو محور هذه الفتوى الهامة: "ساهم بعض المتصدرين للفتوى وهم غير مؤهلين لها في تشويه صورة الإسلام، فأفتوا بغير فهم ولا إدراك، وليس لديهم أيُّ فكرٍ أو علمٍ يتعلق بفقه الموازنات الشرعية، بين المصالح والمفاسد، وكذلك بفقه المآلات، فكيف نعيد الثقة مع الناس بعدما أضعفها هؤلاء؟" وهذا بعض مما أوضحه دكتور على جمعة فى أجابته " الإفتاء في الإسلام من الأمور الخطيرة؛ لأن المفتي هو الذي يُبلغ الشرع للناس، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم. والدليل على ذلك أمور أحدها النقل الشرعي ففي الحديث الشريف: «العُلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يورِّثُوا دِينَارًا ولا دِرْهَمًا، وإِنَّمَا وَرَّثُوا العِلمَ» والثاني أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا فليُبلِّغ الشَّاهدُ منكم الغَائبَ».

ولقد حذر الإسلام من الإفتاء بغير علم، وبيَّن لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من علامات فساد الزمان أن يكثر عدد الذين يفتون بغير علم ( ...)وأخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من أُفتِيَ بغيرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَن أَفْتَاهُ». أي: من أفتاه شخصٌ بغير علمٍ فعمل بالفتوى كما سمع وكان فيها ذنبٌ فهو على مَن أفتاه. ويمكن إعادة جسور الثقة والتغلب على هذه المشكلة عن طريق بيان الأحكام الشرعية وأصول الإسلام الصحيح للمسلمين وغيرهم بالصورة الصحيحة، بعيدًا عن التشدُّد والتعصُّب والغلوِّ في الدين، عن طريق العلماء المتخصصين في المراكز الإسلامية المتخصصة؛ كالأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية (...)"

بالتأكيد فأن حملة دار الإفتاء على السوشيال ميديا تهدف كما جاء فى فتوى الدكتور على جمعة قبل 18 عاما إعادة جسور الثقة وبيان الأحكام الشرعية وأصول الإسلام الصحيح بعيدا عن الغلو فى الدين والتشدد والتعصب، لكن مع ظهور فتاوى الدار على وسائل السوشيال ميديا يمكن أن نرى بوضوح أننا أمام حالة تسمم عقلى أصابت المتلقى والعقل المصرى، نتيجة عقود من التسلط الاجتماعى للفاشية الإخوانية وأذنابها من المتسلفة، ويمكن ملاحظة هذا ببساطة من حجم التعليقات وطبيعتها فأغلبها لا يبحث عن التيسير الذى هو الأصل والفائدة التى هى الغاية، بل يبحث عن التحريم والغلو والتشدد رافضا التيسير، ولم يكتف هذا العقل الرافض للمنطق بموقفه بل تحول كل معلق من الآلاف الذين علقوا إلى مفتٍ سوشيالى معترض على المنهج العلمى والشرعى الذى تقدمه دار الإفتاء، ولم يلاحظ هذا "المفتى السوشيالى" كم الأخطاء اللغوية والإملائية التى كتبها فى تعليقه والتى تدل على حجم العلم "الغزير" الذى يتمتع به صاحب التعليق والذى لا يعرف من التدين سوى الشكل دون العقل .

هناك الكثير من الفتاوى التى تناولتها حملة "اعرف الصح" لدار الإفتاء ولكن هناك عدد من الفتاوى انتبه لها المعلق أو "المفتى السوشيالى" أكثر من غيرها رغم أنها فتاوى ترتبط بأمور ومعاملات حياتية يبحث فيها العاقل عن التيسير وليس التضييق أو التحريم، لكن ماذا نتوقع من عقل أصابته الفاشية الإخوانية والمتسلفة بالتسمم وأصبح غير قادر على استخدام آليات التفكير والتدبر ولا يملك سوى التطاول على المنهج العلمى.

ذكرت دار الإفتاء أن حلق اللحية من الأمور المختلف فيها بين الفقهاء ولا مانع شرعا من حلقها، قدمت هنا دار الإفتاء رؤيتها الميسرة لهذا الأمر الحياتى فهى وضحت أنه لا يوجد إلزام بإطلاق اللحية وأيضا لا يوجد أى مانع فى حلقها، ويمكن لأى عاقل هنا اختيار ما يناسبه لكن أغلبية التعليقات خرجت من عقول طبعت عليها الفاشية الإخوانية والمتسلفة التشدد والغلو والإحساس المشوه بوجود مؤامرة كبرى على الإسلام، وطالب أغلب المعلقين أو مفتى السوشيال بأنه يجب على دار الإفتاء تحريم حلق اللحى، ولم تكتف هذه التعليقات بهذه المظاهرة من الغلو والتشدد بل تطاولت على الرأى العلمى السليم فى مسألة حياتية بسيطة لا تؤثر بشكل جذرى فى حياتنا اليومية .

الفتوى الثانية التى خرجت تطاردها العقول المطبوعة على الغلو والتشدد تعلقت باستثمار الأموال فى البنوك حيث أوضحت دار الإفتاء فى فتواها: "لا يوجد أى شبهة ربا فى إيداع الأموال فى البنوك فالمعاملات البنكية استثمار للأموال"، تأتى هنا فتوى دار الإفتاء واضحة لا لبس فيها لتيسر وتنهى عقودًا من الشك زرعتها الفاشية الإخوانية وأذنابها من المتسلفة فى المؤسسات الاقتصادية الوطنية المصرية، من أجل أن تنتقل أموال البسطاء إلى جيوب إخوان الشر وشيوخ التسلف، فالأمر لم يكن يتعلق بدين أو فقه بل كانت هذه الحملة من التشكيك غرضها الأول والأخير نهب أموال المصريين لصالح الفاشية الإخوانية والسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصرى .

أظهرت التعليقات على فتوى استثمار الأموال فى البنوك أن آثار حملة التشكيك التى تولتها الدعاية السوداء للفاشية الإخوانية مازالت باقية فى العقول التى انخدعت وسارت وراء هذه الدعاية المسمومة، فأغلب التعليقات ترى التحريم وليس الإباحة بشكل فج وساذج فى طرح الرأى، وكأن من يعلقون لا يمتلكون أى عقل أو بمعنى أدق غاب هذا العقل وراء ظلام الدعاية الفاشية .

فى نفس الوقت ستجد هؤلاء المعلقون المغيبون يبكون دمًا عندما تضيع أموالهم بعد أن يسلموها ببلاهة إلى "المستريحين" ومن ورائهم من شيوخ التسلف الذين يتولون تقديم المبرر الزائف باسم الدين -والدين منهم براء-  لهؤلاء النصابين والمنصوب عليهم لاستثمار أموالهم بطريقة "شرعية"، وكأن هؤلاء المعلقون المغيبون فى ظلام الدعاية الفاشية الإخوانية لم يتعلموا الدرس القاسى من أكبر عملية نصب تمت تحت الشعارات الدينية باسم توظيف الأموال والتى أدارتها الفاشية الإخوانية وأذنابها من المتسلفة ، لكن كيف لعقل مغيب أن يتعلم درسا أو يكتسب خبرة؟

مع كل فتوى تنشرها دار الإفتاء فى حملتها "اعرف الصح " تجد هذه التعليقات المغيبة ولكن وسط هذا التغييب لا تتراجع الشخصية المصرية عن حكمتها وذكائها وتعطى الأمل والحل ببساطة ففى أحد التعليقات كتب صاحب التعليق: "للمرة الألف الناس معذورة ليهم سنين ما بيسمعوش غير من المتنطعين مدعى العلم، لكن قريبا إن شاء الله سيعودون إلى صحيح الفقه"، وكأن الجمع المغيب انتبه فحاز التعليق على الكثير من التأييد.

رغم بساطة كلمات هذا التعليق إلا أنه يعطى إشارات هامة، بل يرسم خارطة طريق لكيفية استعادة العقل المصرى من ظلام التغييب وبراثن الدعاية السوداء وإعادته إلى مكانه الصحيح على طريق نور الوعى.

 إشارة الأمل التى يعطيها هذا التعليق أن مخزون الحكمة المصرية لا يتأثر بأى تغييب مهما كان حجمه، وتظل هذه الحكمة بوصلة الشخصية المصرية تعيدها دائما إلى موقع الوعى والتصدى للتغييب .

أما الحل أو خارطة الطريق التى يطرحها هذا التعليق ببساطة فتقول لنا إن المعركة مع الفاشية الإخوانية وأذنابها لم تنته، والحل هو الإصرار على إنهاء هذا التغييب بمزيد من إظهار الحقيقة وبيان صحيح هذا الدين العظيم، ومواجهة الهجمة الظلامية التى ضربت العقل المصرى قبل عقود .

لا يجب أن يقتصر المشاركون فى هذه المعركة المصيرية التى محورها العقل المصرى ومستقبل هذه الأمة على دار الإفتاء فقط، بل يجب أن تشارك فيها كافة مؤسسات المجتمع لتكن نتائجها النهائية النصر على الظلامية والتغييب فيحدث ارتقاء مجتمعى حقيقى، ويصبح العقل الواعى هو الأساس فى حركة هذا المجتمع والقائد لمستقبل هذه الأمة .

إيهاب فتحى

Dr.Randa
Dr.Radwa