الخميس 25 ابريل 2024

من روائع الآثار المصرية في المتاحف العالمية (39)

مقالات31-10-2021 | 19:32

اعتاد المصريون القدماء، رجالاً ونساء، على التجديد والتطوير في طرز ملابسهم، كما اعتادوا على التجديد والتطوير في مناحي حياتهم المختلفة بشكل عام. ومن أوجه التطور، الملفتة للنظر، في صناعة الملابس والأزياء في مصر القديمة، صناعة الفساتين من الخرز في صورة رداء منسوج من حبات الخرز الملونة اللامعة التي تحاكي ألوان الأحجار الكريمة كنوع من التعبير عن الجمال والثراء في آن واحد، وصاحب هذا التطور، أو هذه التقنية في صناعة الملابس في مصر القديمة، تطور آخر في التصميم المصاحب لها والذي أضفى عليها جمالاً ورقة جعلها مثالاً يمتد الأخذ به حتى القرن العشرين الميلادي كنوع من الموضة في مجال الملابس والأزياء.

 

  تظهر بعض صور النساء في الفن المصري القديم، وهن يرتدين ملابس مزينة أو مزخرفة بنمط معين من التصميم الشبكي يمثل زخرفة خرزية، كانت تُخيط على ثوب من الكتان أو تصمم في صورة شبكة من الخرز منفصلة تُلبس فوق الكتان، كما تمَّ العثور على فساتين مزيَّنة بالخرز على تماثيل مصرية قديمة، أحد الأمثلة على ذلك هو تمثال لمعبودة السماء "نوت" من الألفية الثالثة قبل الميلاد. يصور هذا التمثال المعبودة وهي ترتدي قطعة من الملابس تشبه إلى حد كبير ثوبًا مطرزاً من شبكة الخرز. كما تم العثور علي هذه الفساتين على مومياوات داخل المقابر المصرية القديمة.

 

إضافة إلى ذلك، فقد ورد ذكر الفساتين المزينة بالخرز في قصة قديمة من الأدب المصري القديم، مذكورة في "بردية ويستكار"، التي يعود تاريخها إلى حوالي عام 1800 قبل الميلاد، وتحتوي على خمس قصص رواها أبناء الملك "خوفو" (من الأسرة الرابعة) فى إحدى الجلسات ببلاطه الملكى، تذكر إحدي هذه القصص قصة ذهاب الملك سنفرو في رحلة إبحار في بحيرة القصر، بعدما شعر بالملل فأراد أن يبحث عن الترفيه في قصره فلم يجده، فنصحه رئيس الكتبة بالذهاب إلى البحيرة، فأمر الملك عشرين كما تنص البردية: "فليأتوا لي بعشرين امرأة ذات أجساد وصدور وضفائر رشيقة لم يلدن بعد، وليكن لي هناك 20 شبكة من الخرز أعطيهن لهؤلاء النسوة بدلاً من ملابسهن!"

وإن كان سلوك الملك يبدو مشيناً، وغير عادي، ولكن ما يمكن أن نستوحيه من القصة أن هناك أثواباً كانت للنساء على صورة شبكة من الخرز كانت شائعة، وربما كانت تلبس على الاجساد العارية فتصبغها بالإثارة.

من هذا المنطلق اعتبر البعض من علماء الآثار أن مثل هذه النوعية من الفساتين المصنوعة على شكل شبكة من الخرز كان تستخدم كلباس رقص للنساء أو الفتيات. وقد يكون هذا صحيحاً، ولكن هناك بعض الافتراضات الأخرى التي ترى أنه لباس جنائزي أو لباس عادي في الحياة، وانها كانت طرازاً من الملابس منتشراً بين النساء المصريات، فعلى سبيل المثال، كانت الكاهنات يرتدين أغطية للرأس بالخرز وقلائد مطرزة من الخرز، وارتدت نساء الطبقة العليا أيضًا شِباكًا من خرز القيشاني في الثلث الأوسط من ستراتهن في المناسبات الاحتفالية. وبالنسبة للنساء الأفقر، كان عليهن أن يكتفين بسلسلة من الخرز حول خصرهن. وعلى عكس قلائد الخرز وخيوط الخرز، فإن فساتين الخرز ليست إكسسوارات بقدر ما هي قطع من الملابس في حد ذاتها.

وعلى الرغم من الاعتقاد بأن النساء كن يرتدين مثل هذه الفساتين في الحياة اليومية، فربما تمَّ ارتداؤها فوق الملابس الداخلية، فقد تمَّ العثور على معظم الأمثلة في المقابر وعلى المومياوات المحنطة والملفوفة باللفائف الكتانية.

هذه النوعية من الملابس لا شك انها كانت ثمينة ونادرة للغاية. ولا يُعرف في الوقت الحاضر منها سوى عشرين قطعة فقط، منتشرة في العديد من المتاحف في العالم.

ومن أهم الأمثلة على هذه النوعية من الملابس النادرة والثمينة في مصر القديمة، والتي بقيت حتى يومنا هذا:

 

ثوب، أو فستان شبكي، من الخرز، الدولة القديمة، متحف بتري للآثار المصرية، لندن

 

فستان من الخرز الشبكي في متحف بيتري للآثار المصرية في لندن، عثر عليه في مقبرة  من الأسرة الخامسة أو السادسة (حوالي 2400ق.م) في قرية "قاو" التابعة لمحافظة اسيوط. اكتشف هذا الفستان الشبكي الأثاري البريطاني جاي برونتن Guy Brunton  عام 1923/1924م، وكان في حالة سيئة من الحفظ. وفي عامي 1994 و 1995 قام اثنان من المرممين، وهما: ألكسندرا سيث سميث، وأليسون ليستر، بإعادة تصميم الفستان. واقترح البعض في البداية أن الفستان ربما ارتدته راقصة، وأنه مخصص لأداء رقصات مثيرة. وتوجد حول أطراف هذا الفستان دلايات من كريات تنتهي بأحجار صغيرة، عددها 127 دلاية، تحدث صوتاً صاخباً عندما يتحرك من ترتديه. عندما تم حفظه ، كان يُعتقد أنه يناسب فتاة تبلغ من العمر حوالي 12 عامًا وأن تلبس عارية.

وعندما تم صنع نسخة طبق الأصل من الفستان، وجد مستشارو الملابس المتخصصون أن الثوب المصنوع من شبكة الخرز ثقيل جدًا بالنسبة للراقصة أن تتحرك فيه، ناهيك عن الرقص فيه، ولا يمكن ارتداؤه عند وضعه مباشرة على الجسد العاري. نظرًا لأنه تم العثور على الثوب في مقبرة ، فقد تم التكهن بأن مثل هذه الفساتين كانت في الأساس جنائزية، وليست للرقص أو الإرتداء اليومي، وأنه نظرًا لهيكلها "الشبكي" يمكن أن تناسب النساء من جميع الأشكال والأعمار. ,أن وظيفته كملابس جنائزية تتطلب تغطية الجزء الأمامي من الجسد فقط.

 

وهناك نموذج آخر في متحف الفنون الجميلة في بوسطن على نموذجين فريدين من  الفساتين الشبكية المصنوعة من الخرز أعيد بناؤهما.

يعدُّ أقدم مثال على هذا الثوب، وقد أعيد تجميعه بعد جهد بالغ، من ما يقرب من سبعة آلاف خرزة عثر عليها في مقبرة في الجيزة عام 1927م، ويعود تاريخه إلى الأسرة الرابعة، وتحديداً إلى عهد الملك "خوفو" (حوالي 2551 - 2528 ق.م). وعلى الرغم من تفكك الخيوط اللاضمة للخرز، إلا أن بعض الخرزات كانت لا تزال موجودة في نمطها الأصلي على المومياء وحولها، مما سمح بإعادة بناء الرداء والقلادة المصاحية له بدقة. ومع أن للون الخرزات قد تلاشى، لكن بقائا من هذا اللون ق تثبت أن الخرزات كانت في الأصل خضراء وزرقاء اللون محاكاة وتقليداً للحجرين الكريمين اللازورد والفيروز. و الأبعاد الكلية للفستان=  44سم عرضاً × 113 سم طولاً.

صُنعت هذه النوعية من الفساتين الشبكية المصنوعة من الخرز،  من عدة آلاف من خرزات القيشاني الاسطواني بألوان مختلفة مرتبة في مجموعة متنوعة من الأنماط الهندسية، وخاصة على شكل معينات، ويعتقد أنها ربما صنعت بإحدى طريقتين.

الأولي تتضمن حياكة الخرزات مباشرة على فستان مصنوع بالفعل من الكتان كجزء من قطعة الملابس هذه.

الطريقة الثانية: تتضمن ربط الخرزات ببعضها البعض على شبكة ثم ارتداؤها فوق ثوب من الكتان.

صُنعت بعض هذه الفساتين، مثل تلك الموجودة في متحف الفنون الجميلة في بوسطن، باستخدام خرز من القيشاني الأزرق والأخضر والأزرق، والتي كان من المفترض أن تكون تقليدًا من اللازورد والفيروز على التوالي.

 رداء شبكي من الخرز، عهد الملك خوفو، الأسرة الرابعة، من مقتنيات متحف الفنون الجميلة، بوسطن، ولاية ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأمريكية.

Dr.Randa
Dr.Radwa