سورة الفتح هي السورة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذهابه لفتح مكّة، وقد ورد ذلك في حديثٍ عن رسول الله: "قَرَأَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عَامَ الفَتْحِ في مَسِيرٍ له سُورَةَ الفَتْحِ علَى رَاحِلَتِهِ، فَرَجَّعَ في قِرَاءَتِهِ. قالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيَّ النَّاسُ لَحَكَيْتُ لَكُمْ قِرَاءَتَهُ"، وجاء في فضلها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نزَلَتْ عليَّ البارِحَةَ سورةٌ هي أحَبُّ إليَّ منَ الدنيا وما فيها إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ".
فضل سورة الفتح
تعد سورة الفتح من المثاني التي أُوتيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذ قال: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئِينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلْتُ بالمفَصَّلِ»، كما أن سورة الفتح من أحب السور إلى قلب النبي؛ فقد وصف نزولها عليه بأنها أحب السور إليه ، فقد كان رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم- يسير في بعض أسفاره، وعمر بن الخطاب يسير معه ليلًا، فسأله عُمَر بن الخطابِ عن شيء فلم يجبه رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عُمَر بن الخطابِ: ثكلتك أمك يا عمر، نزرت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثلاث مرّات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحرّكت بعيري ثم تقدّمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يُصرَخ بي، قال: فقُلْت: لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، وجئت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فسلمت عليه، فقال: «لقد أُنزِلَت عليّ الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس»؛ ثم قرأ: «إنا فتحنا لك فتحًا مُبينًا»، صحيح البخارى.
كما كانت بعض آيات سورة الفتح سببًا في إدخال السرور إلى قلوب المسلمين كما أدخلت آياتها السرور إلى قلب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فحينما نزل قوله -تعالى-: «إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا» تساءل المسلمون عن نصيبهم من السورة فنزل قوله -تعالى-: «لِّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا».
سبب نزول سورة الفتح
يتمثل سبب نزول سورة الفتح بصلح الحديبية، وكان ابتداء الأمر حينما عزم النبي -عليه الصلاة والسلام- على أداء مناسك العمرة، فتوجه إلى مكة المكرمة مُحرمًا وساق الهدي معه، وحينما علمت قريش بمقدم النبي تجهزت لقتاله وبعثت رسولها إلى النبي، فبعث -عليه الصلاة والسلام- عثمان بن عفان رسولًا إليهم ليبين لهم أنه ما جاء إلا مُحرمًا معظمًا بيت الله الحرام، وأنه لا يريد قتالًا، إلا أن قريشًا حبست عثمان بن عفان ووصل الخبر إلى المسلمين بأنّه قُتل، فدعا النبي المسلمين إلى مبايعته على قتال الأعداء والصبر على ذلك.
ثم وصلت أخبار إلى النبي تؤكد سلامة عثمان من القتل، وحينما علمت قريش بأمر البيعة وأظهرت نوايا الصلح فبعثت سهيل بن عمرو للنبي - صلى الله عليه وسلم- ليعرض عليه الصلح فوافقه النبي، وعُقدت بين الفريقين معاهدةٌ عُرفت بصلح الحديبية، وقد أظهر مرونةً كبيرةً في إتمام هذا الصلح، ومن ذلك أمره لعلي ابن أبي طالب أن يكتب "باسمك اللهم" بدلًا من "بسم الله الرحمن الرحيم" حينما اعترض عليها سهيل بن عمرو، وكذلك كتابته "محمد بن عبد الله" بدلًا من "محمد رسول الله"، وبعد إتمام الصلح تحلل النبي من إحرامه، فحلق رأسه، ونحر هديه، ثم ارتحل عن الحديبية، فنزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة.