ما أنجزته مصر خلال الـ7 سنوات الماضية من ملحمة بناء ومشروعات عملاقة ..خاصة فى مجال الأمن الغذائى والتوسع الزراعى ومشروعات الطاقة العملاقة سواء فى الكهرباء والطاقة النظيفة والجديدة والمتجددة.. واكتشافات البترول والغاز وتطوير البنى التحتية بأحدث النظم التكنولوجية والعصرية.. كان بمثابة طوق النجاة من هول موجة التضخم وزيادة الأسعار العالمية.. التى تلقى بظلالها على مصر، ولكن بشكل أخف، وأقل شراسة، بفعل المشروعات العملاقة التى جاءت انطلاقاً من الرؤية الرئاسية التى استشرفت المستقبل بالحفاظ على الأمن الغذائى المصرى ..لكن المواطن مطالب بأن يعى خطورة أمور مهمة مثل التعدى على الأراضى الزراعية، والزيادة السكانية، حتى يكون مواكباً لفكر ورؤية وإرادة الدولة، لتحقيق هدف أساسى هو رفاهية المواطن.
حصاد الـ7 سنوات من العمل والبناء والمشروعات العملاقة، ورؤية استشرفت المستقبل.. كانت طوق النجاة من تداعيات خطيرة للتضخم وزيادة الأسعار على مستوى العالم
موجة عنيفة من التضخم وزيادة الأسعار تضرب العالم لأسباب عديدة أبرزها زيادة أسعار البترول والغاز، فبرميل البترول قفز من 35 دولاراً إلى 85 دولاراً.. والغاز وصل إلى 1300 دولار لكل ألف متر مكعب ..وبالتالى ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والشحن بعد زيادة أسعار الطاقة.. بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالصراعات الدولية مثل الصراع بين أمريكا وروسيا من جانب على الاستحواذ على ما يتم تصديره لألمانيا.. وانعكاس زيادة أسعار البترول والغاز تحديداً على زيادة تكاليف الإنتاج، وبالتالى الأسعار والمواد الخام، ثم الصراع الأمريكى- الصينى، أو حالة التعجل من التعافى من الحالة التى خلفتها جائحة «كورونا».. وتضرر سلاسل الإمداد جراء الزيادات الجديدة فى الأسعار، واتساع الفجوة بين العرض والطلب.. وتوقف عملية التشغيل والإنتاج على مدار عامين تقريباً، وهناك إجراءات فرضتها على سبيل المثال بعض الدول مثل روسيا من خلال فرض رسوم كبيرة على مصدرى القمح، وهو الأمر الذى تبعته زيادة فى أسعاره.. وهناك أيضاً العديد من الأسباب الأخرى التى أدت إلى حالة التضخم وزيادة الأسعار العالمية والمرشحة للتأثير على الاقتصاد العالمى، ومستوى معيشة المواطن فى بعض الدول حتى الكبرى منها.. ولا سبيل أمام العالم إلا إعادة حساباته.. وأيضاً على الشعوب أن تقوم بالترشيد.
الحقيقة أن موجة زيادة الأسعار والتضخم التى تضرب العالم، ولها أسبابها المعروفة، التى عددها المتخصصون فى المجال الاقتصادى وبطبيعة الحال فإن كل دول العالم سوف تتأثر.. لكن دولاً كمصر ستلقى هذه الموجة من التضخم بظلالها عليها.. لكن ليس بالصورة العنيفة.. فمصر من أقل الدول فى معدل التضخم.
لكن لدىّ تساؤلات مهمة للمواطن: لماذا مصر الأقل تضرراً من الموجة العنيفة التى تضرب العالم بسبب التضخم، وزيادة الأسعار؟.. وماذا لو لم تنفذ مصر هذه المشروعات العملاقة فى مجال الأمن الغذائى والطاقة والاكتشافات البترولية التى خففت حدة الاستيراد والاعتماد على الخارج؟.. وماذا لو لم تكتشف مصر وتجتهد وتنقب وتحصل على حقوقها وثرواتها المشروعة فى مياه شرق المتوسط طبقاً لقواعد ومبادئ القانون الدولى، وترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان وتطوير وتحديث البنية البترولية وامتلاك مقومات أن تكون مصر مركزاً إقليمياً للطاقة.. وخط الإمداد لدول المنطقة.. وفى القريب أوروبا وبعض دول العالم، وتسييل الغاز فى إدكو ودمياط؟!
الحقيقة نحن أمام رؤية ثاقبة واستباقية نفذتها القيادة السياسية منذ سنوات من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتى تدريجياً أو تقليل الاعتماد على الخارج، وضمان الأمن الغذائى للمصريين فى المحاصيل الزراعية والخضر والفواكه والألبان، التى حظيت باهتمام غير مسبوق ومشروعات عملاقة بالمعنى الحرفى والحقيقى للكلمة.
أتذكر أننى قرأت حواراً صحفياً للرئيس السيسى منذ سنوات مع رؤساء تحرير الصحف القومية. وتساءل الرئيس عبدالفتاح السيسى فيه: كيف لمصر كدولة كبيرة وعظيمة أن تستورد 65٪ من احتياجات شعبها؟.. والحقيقة أن الرئيس أدرك هذا التحدى مبكراً وكأنه يقرأ المستقبل.. وترجم هذا الإدراك إلى عمل خلاق على أرض الواقع، نجنى وسنجنى ثماره كثيراً.. وهو ما جعل مصر الأقل ضرراً.. والأخف وطأة من موجة التضخم العالمية.. وزيادة الأسعار، فالبنك الدولى على حد علمى يؤكد أن التضخم فى مصر لن يزيد على (من6 : 10٪) وقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن معدل التضخم فى سبتمبر الماضى بلغ 8٪ مقارنة بـ3.3٪ فى العام الماضى.. وهذه الأرقام مقارنة بدول تجاوز فيها معدل التضخم أكثر من 20٪ ودول كبرى.. يعنى أن مصر هى الأخف والأقل تضرراً.
الحقيقة أيضاً أننى سأتناول مجموعة من الإجراءات والمشروعات التى نفذتها الدولة.. وملامح الرؤية القادمة لحماية مصر من هذه الصدمات الاقتصادية مثل زيادة الأسعار وارتفاع معدل التضخم العالمى.. فقد أدركت مصر منذ بداية عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى قيمة الاهتمام بالأمن الغذائى وتوفير احتياجات المصريين من المواد الأساسية والسلع الاستراتيجية.. وعملت على تطوير المؤسسات والمصانع فى هذا المجال التى كانت موجودة بالفعل، وزيادة إنتاجيتها وتطوير معداتها وأساليب عملها.
الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى توسعت وبقوة فى زيادة الرقعة الزراعية من خلال استصلاح وزراعة ملايين الأفدنة، وتوفير موارد الرى وبالأساليب التكنولوجية الحديثة، سواء من خلال نظم الرى الحديث أو محطات المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الزراعى، للحفاظ على كل قطرة مياه مصرية، وإعادة تدويرها واستخدامها بشكل آمن، وآخرها محطة معالجة بحر البقر، بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يومياً لرى وزراعة ما يقرب من 500 ألف فدان فى سيناء، وهى تعادل نفس المساحة التى فقدتها مصر بسبب التعديات على الأراضى الزراعية فى العقود الأخيرة.
مشروع المليون ونصف المليون فدان باختيار مناطق وأراضٍ فى ربوع البلاد، تصلح للزراعة وتتوفر لها مياه الرى، وتوفير فرص عمل، وأيضاً المساعدة فى تحقيق الاكتفاء الذاتى وتوفير احتياجات المصريين.. كذلك إقامة المشروع العملاق «الدلتا الجديدة» وظهر منه مشروع «مستقبل مصر» الذى يوفر زراعة 500 ألف فدان بمراحله الثلاث.. بالإضافة إلى أن الدلتا الجديدة ستوفر ما يقرب من 2 مليون فدان، وجار تنفيذ أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعى فى العالم فى مدينة الحمام بطاقة 6.3 مليون متر مكعب يومياً، للمساهمة فى رى مساحات كبيرة من أراضى الدلتا الجديدة.. لذلك فالدولة تولى اهتماماً كبيراً وغير مسبوق بملف الأمن الغذائى، وهو قضية استراتيجية قطعت فيه الدولة خطوات مهمة سواء بزيادة الرقعة الزراعية والمساحة المنزرعة والتى وصلت الآن ودون المشروعات الجديدة التى تدخل الخدمة قريباً إلى 9.7 مليون فدان.
نقطة مهمة للغاية.. لندرك أهمية ما ينجزه الرئيس السيسى أو أهمية ما يقوله عن خطورة التعدى على الأراضى الزراعية التى تشكل ثروة كونها من أجود الأراضى خصوبة، وفى كونها أيضاً تساهم فى توفير احتياجات المصريين ومتطلبات الأمن الغذائى، ناهيك عن توفيرها لفرص العمل.
الحقيقة أننى زرت سوهاج على مدار 48 ساعة.. وخلال رحلتى من المحافظة إلى قريتى.. أصابنى الحزن وأدركت خطورة ما يقوله الرئيس.. وما نفعله فى أنفسنا.. فالمساحة البالغة 6 كيلومترات التى كانت تقطعها السيارة إلى المدرسة الثانوية، كانت على الجانبين أراض زراعية.. وعندما رأيتها تحولت إلى كتل سكنية وخرسانية، اكتست باللون الأحمر، وتحولت إلى مجتمعات ومناطق غير مخططة.. وهذا الأمر ينطبق على كل الطريق الذى قطعته من المحافظة إلى القرية.. منازل ومقاهٍ وأشياء تؤكد أننا نغتال أحلامنا بأيدينا.. ونضر أنفسنا دون أن نعى، ونتسبب فى النقص والعوز والاحتياج والمعاناة دون إدراك حقيقى لكارثة التعدى على الأراضى الزراعية.
> الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضاً عمل على الاهتمام بغذاء المصريين من خلال إقامة أكبر المزارع السمكية فى الشرق الأوسط، سواء فى بركة غليون أو منطقة قناة السويس، أو غيرهما من المناطق التى تدفع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى، والتقليل من الاعتماد على الخارج من خلال أيضاً صناعات متكاملة داخل المزارع السمكية.
> الرئيس السيسى أيضاً لم يترك الاهتمام بأهمية تقليل الاعتماد على الخارج فى مجال توفير اللحوم الحمراء.. فأقام مزارع عملاقة فى مجال الثروة الحيوانية.. وكذلك إقامة الصوب الزراعية العملاقة، التى تبلغ إنتاجية الفدان فيها ما يعادل 10 أفدنة.. وإذا تحدثنا عن إقامة 100 ألف صوبة زراعية، فإننا لدينا مليون فدان من الزراعات على الأراضى الطينية أو الزراعة العادية.
> الرئيس أيضاً اهتم بصناعة الألبان ومضاعفة إنتاجيتها وأكثر، والارتقاء بمراكز تجميع الألبان لتصبح قلاعاً حديثة ومتطورة ونظيفة وآمنة لتوفير احتياجات المصريين وتقليل، أو الاستغناء عن الخارج.
هل تعلمون قيمة الـ500 ألف فدان التى ضاعت على مصر وشعبها بسبب التعديات على الأراضى الزراعية، وهى من أجود الأراضى فى العالم، وتتوفر لها كافة المرافق، وإنتاجيتها عالية جداً.. وهل تعلمون أن مصر تستورد احتياجاتها من زيت الطعام بنسبة تصل من 95٪ إلى 97٪.. وهو ما يتطلب زراعة المحاصيل مثل عباد الشمس وفول الصويا من أجل تقليل الاعتماد على الخارج فى مجال زيوت الطعام.. وأن الدولة تدعم المصانع الموجودة حالياً من أجل توفير وزيادة الإنتاج.. وتضطر أحياناً إلى إحداث زيادة طفيفة فى ظل التضخم العالمى، وزيادة أسعار المواد الخام.
ما أريد أن أقوله إن الـ500 ألف فدان التى فقدناها كان يمكن أن نستفيد بها فى زراعة احتياجاتنا.. وحتى نوفى الدولة حقها، فإنها تسابق الزمن وتسهر على توفير احتياجات المصريين وتخفيف الاعتماد على الاستيراد من الخارج، لأن ذلك ينعكس على سعر السلع والاحتياجات الأساسية، والدولة تبذل جُل جهودها فى التوسع الزراعى من أجل تحقيق هذه الأهداف، لكنَّ هناك أمرين مهمين يجب على المواطن أن يدركهما جيداً.. الأول: خطورة التعدى على الأراضى الزراعية.. والثانى: خطورة استمرار النمو السكانى بهذه المعدلات المنفلتة والعشوائية.. والحقيقة التى يجب أن يعيها المواطن الذى يكيل الاتهامات للحكومة.. وبعد هذه الحقائق أقول: «اللى إيده فى الميه.. مش زى اللى إيده فى النار».. وهذه تحدياتنا التى يجب أن نتشارك فيها دولة وشعباً، وليست الدولة أو الحكومة وحدها.. فالوعى هو بالفعل أساس التنمية والتقدم والحياة الكريمة.
هناك مشروعات أخرى لا يعى المواطنون أهميتها فى تخفيف المعاناة وزيادة الأسعار.. فشبكة الطرق الحديثة واكتشافات الغاز والبترول والتحول الرقمى والتوسع الزراعى والمنشآت الجديدة والتطبيقات التكنولوجية التى أنفقت الدولة عليها ميزانيات هائلة، وأيضاً مشروع تنمية وتطوير الريف «حياة كريمة».. كل ذلك يؤدى فى النهاية إلى توفير تكلفة السلع والاحتياجات، ويوفر الهدر والإنفاق والطاقة، حتى تصل فى النهاية الخدمة أو السلعة إلى المواطن بأقل تكلفة، وبالتالى بسعر مناسب.
الدولة تبذل جهوداً غير مسبوقة وفق رؤية ثاقبة وشاملة ومستشرفة للمستقبل.. وتسعى بكل ما تملك لتخفيف المعاناة عن المواطن وتوفير احتياجاته بأسعار مناسبة وجودة عالية، وتحارب الجشع والاحتكار.. وتراقب السوق وتزيد العرض على الطلب.. ولديها مخزون استراتيجى للسلع الاستراتيجية يكفى لأكثر من خمسة شهور.. وتعمل بشكل وبروح الفريق الواحد، ولا تترك الأمور للصدفة.. وتدفع بمنافذها حتى تحدث التوازن فى السوق بأسعار مناسبة وجودة عالية، وحتى يجد المواطن ما يحتاجه.. لكن من المهم أيضاً أن يعى المواطن أنه شريك أساسى، ودون هذا التشارك، لن تنجح كل هذه الجهود، وأيضاً على المواطن أن يعى خطورة الإسراف والإهدار الذى بلغ 25٪ مما نشتريه.. وأن نحصل على ما نحتاجه فقط.. ولا نميل إلى تخزين السلع دون منطق أو مبرر.. وأن نعدل سياستنا وثقافتنا داخل منازلنا فى التعامل مع احتياجاتنا من غذاء وطعام ومياه، فنحن نلقى كميات كبيرة دون أن نستفيد منها.. لماذا لا نشترى نصف كيلو بدلاً من كيلو فى أى سلعة من احتياجنا الفعلى؟!
نحتاج إعادة نظر ومواجهة لأسلوب حياتنا وطريقنا فى التعامل مع طباعنا، وما نحتاجه فى بيوتنا.. ونحتاج أيضاً الوعى بخطورة سلوكياتنا، وضرورة الحفاظ على ثرواتنا وما بين أيدينا من نعم ومقدرات، حتى لا نضر بأنفسنا، ونزيد أوجاعنا ومشاكلنا وأزماتنا ومعاناتنا.. وحتى تعرف طريقها للحل.
الكرة الآن فى ملعب المواطن.
تحيا مصر