لم تتخل مصر يوما عن مواقفها التى تستند إلى أسس تاريخية ولم تخضع لابتزاز اختلالات القوى مهما بلغ من قوة أو تعقيد ولم تعرف مصر يوما لغة الاستجابة لضغوط أو ممارسة تلون هربا من مواجهة بل تصدح دوما بموقفها وتعلن رضاها الكامل واستعدادها الأتم لدفع ثمنه مهما بلغت فداحته.
ولأن الذكرى تنفع فإن نفحات انتصار عظيم تحيطنا هذه الأيام حيث يذكرنا التاريخ بعظمة المصريين الذين أسقطوا العدوان الثلاثى أو ما تعرف بحرب السويس التى شنها كل من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بعد أن آلمهم تقلص نفوذهم الذى بدأ بجلاء الإنجليز ثم مساندة الزعيم الراحل عبد الناصر لثورة الجزائر ثم تضييق الخناق على سفن إسرائيل فى قناة السويس وخليج العقبة ما أدى إلى التفكير سريعا فى تركيع مصر فى محاولة يائسة لإبقاء العصر الاستعماري.
العملية قادش أو حرب السويس تكتسب أهمية تاريخية حيث تعد ثانى الحروب الإسرائيلية بعد حرب 1948 وتأتى أهميتها بعد تحرك أزعج الاستعماريون القدامى حيث قرروا أن يمارسوا نوعا من الابتزاز بسحب تمويل السد العالى الذى كان ورقة عبد الناصر لإحداث طفرة صناعية وزراعية لم تكن تروق للمستعمرين وزاد آلالمهم وطأة أن عبد الناصر بعد أن ماطلت بريطانيا وغيرها فى إمداده بالسلاح اتجه إلى الاتحاد السوفيتى الذى كان أكثر تجاوبا مع الطلب المصرى بالإضافة إلى رفض مصر سياسة الأحلاف أو الصلح مع إسرائيل فاشتعلت النفس غيظا فأطلق العدوان فى مهده خطة عرفت آنذاك بـ"أوميجا" التى ظن الأعداء أنها قادرة على إخضاع مصر وتهدئة طموحها بالاستقلال الوطنى الكامل سياسيا واقتصاديا ليأتى الرد مدويا بإعلان مصر تأميم قناة السويس. لكن لم تنضب دماء الغدر فى شرايين المستعمرين فقرروا تفعيل ما سمى آنذاك بـ "بروتوكول سيفز" ليبدأ بهبوط قوات إسرائيلية فى عمق سيناء بحجة أن الملاحة مهددة فى القناة وتوالت الغطرسة الاستعمارية بإطلاق بريطانيا وفرنسا إنذار يطالب بوقف القتال وقبول احتلال مدن القناة بقوات بريطانية فرنسية وهو ما رفضته مصر لتبدأ غارات العدوان على الكرامة والسيادة المصرية التى تلقها المصريون بإشعال مقاومة شعبية غير مسبوقة أكلت نارها غرور المحتلين ليلهم المصريون بصمودهم شعوب العالم إلى قبح صنيع المحتل وفحشه الإنسانى فما كان إلا أن تحرك العالم لوضع حد لهذا العدوان الغاشم فى مساندة نادرة لإرادة المصريين الذين أذاقوا المحتل سوء العذاب ليتوقف القتال فى السابع من نوفمبر الذى بات عنوانا لا يصح تجاوزه بقدرة المصريين على صد العدوان مهما كان عتيا لتسترد مصر قناة السويس وبورسعيد تحت السيادة الكاملة ونالت موجات النصر معسكر الأعداء فاستقال رئيس الوزراء البريطانى على خلفية الأزمة ليضع المصريون نهاية لبريطانيا الاستعمارية وإحدى القوى العظمى آنذاك.
إن تذكرينا شباب اليوم بمثل هذه الملاحم هو واجب وطنى فمن الماضى يستمد الضياء على طريق المستقبل ومن دروس الماضى نضع الأحرف الأولى فى صفحات المستقبل فعلينا جميعا أن ندرك جيدا أن مصر لا تعرف الضغوط لا فى الماضى ولا فى الحاضر ولا فى المستقبل ليعرف الجميع أنه لاسبيل للتعامل مع مصر إلا من منطلق الندية كما يجب علينا أن ندرك أيضا أن امتلاك أسباب القوة بتنوع مصادرها ليس رفاهية أو نوعا من الاستعراض بل هو واجب لحماية مقدراتنا وصون حاضرنا ومستقبلنا.. وأقول لكل هؤلاء الحالمين بنجاح ضغوط ما على تمرير أمر ما سيخيب مساعكم حتى لو رسمتم فى عقولكم نجاحه وإن كنتم فى شك من ذلك فأذكركم ونفسى بيوم السابع من نوفمبر من العام 1956 ففى العبرة.