الثلاثاء 21 مايو 2024

عزيزى المتشائم لا تغلق جميع الأنوار

مقالات8-11-2021 | 17:18

أهلا بك عزيزى الشخص المتشائم الذى لا ترى أملاً فى هذه الحياة، وتجدها سوداء كئيبة لا يوجد بها سوى الحزن، بداية أود أن أخبرك اننى كنت مثلك تمامًا فى فترة ما من حياتى لا أرى سوى الظلام مهما كانت الأنوار قوية من حولى.

لكن رويدًا ومع الخبرات والمواقف المتعددة التى تعرضت لها، وجدت أننا نتمادى فى بعض الأحيان فى إغلاق أعيننا من الحزن، وربما ونحن نغلق أعيننا قد تمر لحظات كثيرة من السعادة أمامنا ولا نراها.

وجدت أننا بهذه النظرة التشاؤمية وكأننا نلقى بمواد تساعد على اشتعالها أكثر فأكثر، ماذا لو حاولنا وقررنا أن نقاوم قليلاً.. هل لا نستطيع أن نغير ولو جزءًا بسيطًا من هذا الظلام الذى يحيط بنا؟

نعم لا أحد ينكر أن الحياة فى بعض الأحيان صعبة ومريرة، ومهما كانت قوة أى شخص سيضعف أمامها، ستفاجئه ستهاجمه وتفتك به أرضًا، نحن بشر يا عزيزى هذه طبيعة الحياة.

لكن شتان بين الاستسلام التام والتيقن بأن الحياة لها جانب واحد فقط، وبين المعافرة والمحاولة فى أن نتعافى فى أسرع وقت، ونحاول حتى لو لم يتغير الحال بأن نرضا، ولا نحصر أنفسنا داخل هذه الدائرة السوداء ونغلق عليها بإحكام شديد.

من رحمة الله على عباده أنه كما خلق لنا الابتلاء، خلق لنا أيضًا القدرة لكى نتحمل أو نتعايش مع هذا الابتلاء، وإذا تأملت حولك وسرت فى طريق مظلم ستجد النور ولو كان بسيطًا سيجعلك ترى طريقك جيدًا.

تعالى أروى لك قصة حقيقية عشتها مع أقرب أصدقائى الذى تعرض لأقوى الابتلاءات التى قد تتخيلها، لكنه كان صامدًا يحمد الله وراضيًا بقضاء الله، وهو ما جعلنا نتعجب ونستغرب ونتساءل هل نحن من نعطيه الأمل أم هو الذى يعطينا الدروس فى الصبر والرضا حتى فى أصعب مواقفه.

حياة صديقى عمر ممدوح بسيطة وهادئة، وطوال صداقة استمرت لأكثر من 14 عامًا رأيته أصيلاً لم يتغير ولو تغير، لم ينكسر رغم الابتلاءات التى شهدتها معه طوال هذه السنوات.

لكن فى شهر أكتوبر وهو شهر العظماء وكأن الله اختار أن يبتليه فى هذا الشهر، ليخبرنا بقصة بطل من أبطال أكتوبر المجيدة، أصيب والديه بفيروس كورونا.

لك أن تتخيل كم الأحداث السريعة التى حدثت، كانت أعراض خفيفة فى البداية كان يتعايشون جميعًا مع هذا الأمر فى العزل المنزلي، وفجأة تتسارع الأحداث وتتطور تتعب والدته ثم يتعب والده، يخبرهما الطبيب أن يحضرا للمستشفى.

يذهبا إلى المستشفى، يخبرهما الطبيب أنه لابد من دخولهما للعناية المركزة، الامر يزداد سوءًا فأسوأ وعمر يدعو وكله أمل وثقة بأن يشفيهم الله، ثم تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وتسقط أهم ورقة فى حياة عمر وترحل والدته.
 

ومع حزنه الشديد حاول أن يتماسك ورغم أن والده مازال فى العناية يتلقى العلاج، لكنه كان صامدًا يستقبل العزاء بمفرده بجانب شقيقته - لأن اخيه كان مريضًا وفى العزل أيضًا -

نعم الكل معه بلا شك اصدقائه اقاربه، لكن أقرب الأشخاص اليه لم يكونوا حوله، لدرجة اننا تخيلنا انهم حقًا معه لأنه كان يقوم بجميع الأدوار فى نفس الوقت كان الابن والاخ والأب..

سلم أمره لله، تمسك بأمل أن يشفى الله والده ويعود سالمًا لمنزله، لم يمر 10 أيام، ويتلقى الصدمة الثانية وتذهب روح والده لخالقها، نفس المشهد يتكرر بنفس الاماكن، حتى لو كان اخيه بالقرب منه بعد شفاءه وخروجه من العزل.

لكن فكرة ان تفقد والديك فى فترة قصيرة، أن تتيتم فى لحظات وأيام معدودة تشعر أنك حقًا وحيدًا حتى لو كان الجميع حولك، لكن عمر رغم حزنه وارتباطه بعائلته الشديد كان صابرًا وراضيًا ومتيقنًا بقضاء الله.

وفى اليوم التالى ذهب لعمله، انا وغيرى من الأصدقاء تفاجئنا وكنا لا نعلم هل نتعاطف معه ونواسيه، أم نتعلم منه درسًا قويًا فى الابتلاء والصبر والإقبال على الحياة.

 

نعم الحزن فى القلب كبير وجم وصعب ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك لكن فكرة التعايش والاستمرار والرضا بطبيعة الحياة هى الأهم.

أشعر بك يا عمر كثيرًا وأعلم أن لو البيت صار فارغًا عليك لكنه مليء بقيم جميلة ورائعة تربيت عليها من والديك مليء بالصبر والقوة والبركة.
 

عزيزى المتشائم تامل حولك جيدًا وانظر للحياة بموضوعية، وأرجوك مهما رأيت لا تغلق جميع الأنوار..