الإثنين 20 مايو 2024

نحن نساعد الإرهاب!

7-6-2017 | 12:59

ليس فقط من يقومون بالتمويل والتسليح والتدريب ويوفرون الملاذ الآمن والغطاء السياسى هم من يساعدون الإرهابيين.. نحن أيضاً نساعدهم سواء عن غفلة أو للأسف عن وعى أحياناً!.. بل لعل مساعدتنا للإرهابيين أحياناً تكون أخطر من تلك المساعدات الكبيرة والضخمة التى يحصلون عليها من داعميهم فى الخارج سواء كان هؤلاء الداعمون حكومات أو أجهزة مخابرات أو تنظيمات مجتمع مدنى أيضاً !

ولا تندهشوا لذلك، فإذا كنا لا نمول أو نسلح أو ندرب أو نوفر الملاذ الآمن للإرهابيين فإننا نقدم لهم ما هو أخطر وأهم وأكبر من المساعدة عندما نساعدهم على ترويع المواطنين وتعزيز قدراتهم البشرية وتجديد دماء تنظيماتهم الإرهابية وإضعاف تماسكنا وتهديد جبهتنا الداخلية، والأخطر إشاعة الشك فى إمكانية هزيمة الإرهاب والقضاء عليه والتخلص من شروره وتصفية تنظيماته.

فنحن نساعد الإرهابيين بما يفعله البعض منا فى الإعلام بنشر صور جثث الضحايا صحفيا وبثها تلفزيونيا عقب كل عمل إرهابى بشع وخسيس، أو استضافة بعض من نجوا فى هذه الأعمال الإرهابية، خاصة من الأطفال للحديث عما تعرضوا له من فزع وترويع، رغم أن القواعد والأسس المهنية والأخلاقية إعلامياً وصحفيا تحظر ذلك وتستنكره.. فنحن بذلك نساعد الإرهابيين فى تحقيق أحد أهم أهدافهم وهو ترويع المواطنين وإثارة خوفهم وفزعهم بدلاً من أن نحثهم على الصمود والتماسك فى مواجهة إرهاب هو الأكثر وحشية من أى ارهاب سبق أن واجهناه، بل والأكثر التباهى بهذه الوحشية!، وأيضاً الأكثر قدرة تنظيمية وبشرية، وكذلك الأكثر استخداماً للتكنولوجيا .. إرهاب معولم يلقى الدعم والمساندة من قوى ودول إقليمية وعالمية.. والغريب أنه لا أحد يتحرك لمنع ذلك أو وقفه ومحاسبة من يرتكبون هذه الأخطاء الإعلامية والصحفية، التى لا تزيد فقط من آلام أسر الضحايا وإنما هذا هو الأكثر خطورة - تساهم فى ترويع جموع المواطنين وهذا ما يستهدفه الإرهابيون من كل جريمة إرهابية وحشية يرتكبونها، رغم أن الرئيس السيسى سبق أن نبه لذلك وحذر منه.

ونحن نساعد الإرهابيين أيضا بما يقوم به البعض منا بالتشكيك فى جدوى وفائدة أى جهد أمنى وعسكرى للتصدى لتلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى ظل استمرار وقوع أعمال إرهابية.. فهم لا يستوعبون أن الحرب ضد الإرهاب ليست نزهة وإنما هى حرب ضارية وشرسة وطويلة ولها ضحاياها، خاصة أن تنظيمات الإرهاب تنخرط فى شبكة سرطانية، وتتعاون مع بعضها بعضا، بل وتتعاون أيضا مع أجهزة مخابرات مختلفة .. وبذلك نحن نشيع ما يسعى الإرهابيون لترويجه حول قوتهم وشدة بأسهم وبالتالى صعوبة هزيمتهم والنيل منهم وتصفية تنظيماتهم المختلفة، وهذا من شأنه النيل من الروح المعنوية لأبنائنا الذين يخوضون تلك المواجهة الأمنية والعسكرية للإرهابيين.

وها نحن بعد الضربة الجوية التى قامت بها قواتنا المسلحة لمعسكرات تدريب إرهابيين فى ليبيا يخرج علينا من يحاولون التقليل من أهمية بل وجدوى هذه الضربة بدعوى أن من قاموا بالعمل الإرهابى فى إلمنيا هم من الداخل ولم يأتوا من الخارج، متجاهلين تلك الرابطة التى تجمع كل التنظيمات الإرهابية بعضها بعضا وبأن داعش التى تبنت هذا العمل الإرهابى قررت أخيرا أن تتخذ من الأراضى الليبية، وتحديدا سرت قاعدة بديلة لما تسميه دولتها الإسلامية أو ولايتها بدلا من الأراضى العراقية التى يتم الآن طردها من آخر مكان فيها وهو الموصل، والأراضى السورية التى سيتم قريبا جدا طردها من الرقة.. وهذا ما سجله تنظيم داعش فى منشور جديد له يدعو كوادره وأنصاره للهجرة إلى ليبيا، ويقول نص المنشور: (أيها المجاهدون بدولة الخلافة الإسلامية، تناوبت علينا النوائب وتكالبت علينا قوى الشر والطغيان، وأحاطت بنا جيوش العدوان، فقدنا ما كان عزيزاً علينا وخسرنا ولاة كانوا مخلصين وأصبحت أرض العراق والشام جدباء لجيادكم ولا تستحق تضحياتكم.. فعزمنا أمرنا بالتوكل على الله والهجرة إلى إفريقيا حيث أعد لنا إخوانكم فى ليبيا مقرا لولاية دولتكم الإسلامية الباقية وستكون فى ولاية سرت، فأعدوا العدة للهجرة قانعين موقنين أن نصر الله قد كتب لنا هناك ومنها ننطلق لبناء دولتنا الإسلامية التى ستصل إلى كل بقعة من أرض الله).

كما أننا نساعد الإرهابيين أيضا بمحاولة البعض منا استثمار كل عمل إرهابى سياسياً للنيل من الحكم القائم والادعاء بأنه غير قادر على توفير الأمن والحماية للشعب، وبذلك افتقد أحد أهم أسباب وجوده، وذلك من أجل كسب الصراع السياسى الدائر فى البلاد منذ نحو ستة أعوام مضت ومازال مستمرا.. وبذلك يكرر هؤلاء ذات الخطأ الذى سبق أن ارتكبوه من قبل، حينما مكنوا الإخوان من الوصول إلى الحكم، أملاً فى أنهم سوف يشركونهم معهم فى هذا الحكم، رغم أن هؤلاء ذاقوا مرارة فاشية واستبداد حكم الإخوان، ولولا الانتفاضة الشعبية الهائلة ودعم القوات المسلحة لها فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣ لكان مصيرهم مثل كثير من المصريين شديد السوء !

إن ما يفعله هؤلاء الذين يستثمرون سياسياً كل عمل إرهابى خسيس لإضعاف الحكم القائم هو بمثابة مساعدة كبيرة للإرهابيين الذين هم المستفيد الأول من هذا الضعف فهو يصب فى مصلحتهم لأنه يهيئ لهم المناخ لنشر الفوضى والاضطراب فى المجتمع، بينما نحن نحتاج لأقصى قدر من التماسك الوطنى فى مواجهة الحرب الضارية التى نخوضها والتى ندافع فيها عن كيان دولتنا الوطنية وهويتنا الوطنية، بل وندافع فيها أيضا عن حياتنا .. بل إن ذلك يساعد تلك الجماعة التى ذقنا مرارة وفاشية واستبداد حكمها لأن تتعافى وتشكل خطراً داهماً علينا مثلما حدث مرة فى الأربعينيات من القرن الماضي، ومرة أخرى فى الخمسينيات، ومرة ثالثة فى الستينيات ومرة رابعة فى السبعينيات من القرن الماضى، وعلى مدى أربعة عقود متتالية من التغلغل فى مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع والإعداد والاستعداد صارت جاهزة للإمساك بالحكم فى عام ٢٠١٢ بعد أن سيطرت على البرلمان بمساعدة السلفيين فى عام ٢٠١١ ، فى ظل ترحيب غريب ومثير من عناصر ليبرالية بل ويسارية أيضا غشى أبصارها الكثير من الغيوم أو طغت مصالحها الضيقة على المصالح الوطنية.

كذلك.. نحن نساعد الإرهابيين أيضا بذلك التصور الخاطئ الذى يسيطر على البعض منا والذى يرى أن الحرب التى نخوضها ضد الإرهاب هى حرب الأمن أو حرب القوات المسلحة فقط، وأنه لا دور للشعب فيها، رغم أن ضربات الإرهابيين لا تقتصر على رجال الأمن والقوات المسلحة فقط.. بل لعل الإرهابيين الآن يرون أن ربوع الوطن كلها الآن هى ساحة قتال أو هى الجبهة، وكل من ليس عضوا فى تنظيماتهم هو عدو يستهدفون قتله.. وهذا لا يقومون به فى مصر وحدها وإنما يفعلونه فى كل بلد يوجهون إليه ضرباتهم، وآخر أسلحتهم هو سلاح الدهس فى الشوارع والتفجير فى المنشآت العامة، وهذا سلاح لا يميز بين ضحية وأخرى وإنما يرمى الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا مهما اختلفت أديانهم أو ألوانهم أو انتماءاتهم الاجتماعية أو أعمارهم أو جنسياتهم أيضا!

وإذا كنا جميعاً على هذا النحو فى مصر، مسلمين ومسيحيين، كباراً وصغاراً.. رجالاً ونساء.. أغنياء وفقراء.. مستهدفين من قبل التنظيمات الإرهابية على هذا النحو فإننا جميعاً يجب أن نعيش حالة الحرب التى فرض علينا خوضها حماية لحياتنا وكيان دولتنا الوطنية وهويتنا الوطنية.. أى نعيش حالة تعبئة مستمرة لا استرخاء فيها، وتتسم باليقظة الدائمة ضد كل مايحيط بنا ويثير الريبة.. بالتالى التوقف عن مساعدة الإرهابيين من خلال بعض ما نقول أو بعض تصرفاتنا .. وهنا المسئولية الأكبر فى تحقيق ذلك هى مسئولية من يديرون شئون البلاد فى كل المجالات.. التعبئة الشعبية تدعو لها وتنظمها وتحافظ عليها القيادات وليست الجماهير.. وذلك لا يتحقق بمجرد دعوة أو نداء وإنما بتذكير الناس دوماً بأننا نعيش حالة حرب ثم التصرف بما تقتضيه حالة الحرب وما تحتاجه حالة التعبئة الشعبية.

وأخيراً نحن نساعد الإرهابيين بذلك البطء الذى تتسم به مواجهتنا ضد التطرف الدينى الذى يخلق لنا تلك الوحوش الآدمية التى تنطلق لتخرب وتدمر وتفجر وتقتل بيننا .. وسكوتنا على بعض مظاهر التمييز الدينى الذى يضعف تماسك المجتمع، خاصة تلك المظاهر التى تبدت فى أعقاب الأعمال الإرهابية الأخيرة التى استهدف فيها الإرهابيون الإخوة المسيحيين، ألا يكفيهم الدماء التى سالت والضحايا الذين فقدوهم لنزيد من آلامهم بمظاهر تمييز إضافية؟ .. فضلا عن تأخرنا فى تطهير مؤسساتنا المختلفة من هؤلاء المتطرفين وقبولنا باستمرار بعض الأحزاب الدينية فى مجتمعنا، والتى يحظرها الدستور، رغم أن هذه الأحزاب ليست فقط أداة لنشر قيم التطرف الدينى ، وإنما أحدها يرأسه الآن هارب مطلوب القبض عليه لاتهامه بالتورط فى ممارسة العنف، لكن لجنة شئون الأحزاب (أذن من طين وأخرى من عجين) كما يقال !

لذلك كله .. نحن نحتاج للتوقف عن مساعدة الإرهابيين حتى نهزمهم ونتخلص من شرورهم ونقلل من خسائرنا وضحايانا.