الأربعاء 29 مايو 2024

الإنجليزى .. وبائعة الفجل

7-6-2017 | 13:48

بقلم –  عادل سعد

 

فى مسرحية «ملك الشحاتين” يصف نجيب سرور عدو الشعب بـ “الإنجليزى»، بعض المصريين مثل المحتل يتعاونون معه ويمتصون دماء الناس، لذلك من حقنا أن نصفهم بـ “الإنجليزى» حتى وإن كانت دماؤهم مصرية مائة فى المائة.

وقديما قال بيرم التونسى: «عطشان يا صبايا عطشان يا مصريين .. عطشان والنيل فى بلادكو .. متعكر مليان طين”.

 

تذكرت تلك الأشعار الخالدة، عندما استوقفتنى بائعة الفجل أمام البيت على الرصيف لتقول فى عشم: “وبعدين فى الغلا يا أستاذ..؟ أرخص زجاجة لزيت القلى بـ ٢٥جنيها..وأنا لا أكسب فى اليوم ثمن زجاجة.. نعيش إزاى ؟”.

الحقيقة أن بعض المسئولين لا يعرفون كيف يعيش المصريون، ولا يدرسون أحوالهم؛ بل إن الأعجب أن ذلك البلد المحارب العظيم ما زال يعيش، على الرغم أن بعض حكامه ربما يعيشون فى وادٍ آخر.

الأغرب أن مصر لا تتحمل مشاكلها وحدها، وفى مصر الآن ٤ ملايين سودانى على الأقل، ومليون عراقي، ونصف مليون فلسطيني، و٢ مليون ليبي، ومليون ونصف المليون سوري، بخلاف مليون عربى خليجى ويمنى وجنسيات أخرى.

١٣ مليون عربى على أراضيها ولا يوجد بلد فى الدنيا لا تنظم تحركات الأجانب على أراضيها غير مصر، وتوسعت الحكاية وزادت، عندما سن الفاسد مبارك وولداه قوانين تسمح بتملك العرب والأجانب للأراضى والعقارات.

قد يقول البعض إن بعض العرب فى بلادنا يقيمون بأموالهم، والحقيقة أنهم يضاربون بأموالهم لشراء بيوتنا وأرضنا، وصار معظمهم تجار عقارات وأراضٍ، وتضاعفت ثرواتهم.

وإمعانا فى المذلة لجأ كبار رجال أعمالنا، ومعظمهم نهبوا أراضى وشركات لمشاركة شركات أجنبية، لضمان سرعة تهريب أموالهم للخارج بصورة شرعية، ولمقاضاة مصر وجرجرتها أمام المحاكم الدولية إذا لزم الأمر.

أحمد بهجت المقيم على بحيرة جنيف فى سويسرا، اختصم مصر أمام القضاء الدولى، وهو الذى حصل على خمسة آلاف فدان بقيمة خمسين جنيها للفدان، ليكتشف الناس بعدها بأسبوع أن الطريق الدائرى سيمر بجوار تلك الصحراء، ليباع المتر بآلاف من الجنيهات، ولا أحد يجرؤ حتى الآن على فتح ذلك الملف والسؤال عن الذى أخبر بهجت بسر الأرض؟ بل ولا السؤال عمن خصص له تلك الأرض بهذه السرعة، لأن قرارا بتلك القوة، لا يصدر إلا عن مبارك وولديه.

مع ذلك راح بهجت – ومعه شركاؤه من الباطن بالطبع – إلى آخر الشوط وقرر مقاضاة مصر والاختصام معها أمام التحكيم الدولى، للتهرب من سداد المستحقات المقررة عليه لبنك مصر والبنك الأهلى، وانتهت المسألة بتأييد الحكم الصادر ضد بهجت ومصادرة أمواله وشركاته، ليصاب الرجل بضرر عظيم ويقضى بقية أيام حياته معذبا على بحيرة جنيف، حيث أغنى أغنياء العالم.

وبفضل الملياردير حسين سالم شريك حسنى مبارك ومربى ولديه وصاحب أكبر الممتلكات فى شرم الشيخ، كانت إسرائيل تشترى المتر المكعب من الغاز من مصر بسعر دولار ونصف الدولار، ولا تستهلكه وتنطلق الحاويات العملاقة لأمريكا لتبيعه هناك بثلاثة دولارات ونصف الدولار، لتربح إسرائيل ضعف ما تنتجه الدولة المنتجة - مصر – بدون أى مخاطر، وهكذا جرى بمباركة حسين سالم ومبارك وولديه نزح كمية من الغاز قيل وقتها أنها تكفى مصر ٥٠ عاما قادمة حتى نفدت عن آخرها.

حسين سالم، المسكين يردد أعوانه أنه يعيش فى شقة إيجار فى أسبانيا ولا يعرف كيف يسدد قيمة الإيجار.

لم يجرؤ أحد بالطبع أن يطلب من هؤلاء بيع إحد قصوره فى شرم الشيخ أو التنازل عن قطعة أرض ليكفى إيرادها للحياة بقية العمر كأصحاب الملايين.

الشراكة الأجنبية والسماح بتملك الأجانب للأراضى والشركات وصمة، حاصرتنا من خلالها الديون والأحكام الدولية، وهؤلاء الخونة لا يختلفون كثيرا عن نوبار باشا الذى كان يتولى رئاسة الوزراء ويدين بالولاء لفرنسا وانجلترا أكثر من مصر وعبود باشا صنيعة الإنجليز، فضلا عن سلسال شجرة المعلم بطرس التى امتد جذرها من جد العائلة فى زمن تعاونه مع الحملة الفرنسية مرورا بشنق شهداء دنشواى وطلب مد الحماية على مصر وضياع السودان على يد أحفاده وصولا إلى حفيده الأصغر الهارب حاليا لإسرائيل وإنجلترا والذى كان آخر وزراء مالية مبارك.

الأجانب لا يعملون فى بلادنا من أجل سواد عيوننا، وهناك فرق كبير بين محمد على الذى استعان بسليمان باشا الفرنساوى ليعمل تحت قيادته ويؤسس الجيش المصرى وكلوت بك لبناء قصر العينى ومدرسة الطب فى مصر، وبين ديليسبس وشركة قناة السويس، فالأول والثانى كانا يعملان تحت عين ساهرة، أما الأخير فقد سعى بكل الوسائل والسبل لجرجرة مصر أمام المحاكم وزيادة التدخل فى شئونها حتى جرى احتلالها.

فى مصر الآن أكثر من مائة ديليسبس ماكر، يتحين الفرصة للانقضاض.

نظرة واحدة للجامعات الخاصة الأجنبية تكشف الصورة بكل وضوح.

الجامعة الأمريكية تمددت فى القاهرة الجديدة، حتى أصبحت قلعة عملاقة، بعد أن باعت قطعة أرض واحدة فى ميدان التحرير، لم يدخل مصر الفقيرة دولار واحد للمساعدة فى إنشاءات الجامعة الجديدة، بل غرمت مصر أرضا ٣٠٠ فدان قدمتها بقيمة شبه مجانية للجامعة الأمريكية.

وماذا حصلت مصر فى المقابل؟ لا شيء.

إنهم فى الجامعة يستعينون بأساتذة مصريين يعملون بنظام القطعة، للتخلص من أعباء السكن والمواصلات والتأمينات والمعاشات والصحة، وهؤلاء يتقاضون رواتبهم بالجنيه المصرى المنكسر أمام الدولار، بعكس الأساتذة القادمين من بلاد العم سام الذين يتقاضون رواتبهم أضعاف المصريين وبالدولار.

وهكذا تكون النتيجة نزح أموال مصر الفقيرة، لتعزيز اقتصاد أمريكا.

هل يصدق أحد أن تكلفة دراسة الطالب بالجامعة الأمريكية – الدراسة فقط – تصل إلى ١٥٠ ألف جنيه سنويا، بينما نفس الدراسة للطالب المصرى فى جامعات ألمانيا لا تزيد على ٤ آلاف يورو سنويا – تساوى ٨٠ ألف جنيه – مع أنها شاملة الإقامة الداخلية والتغذية؟

أين يذهب الفارق الباهظ بين تكلفة الجامعتين، والذى لا يقل عن ٩٠ ألف جنيه من كل طالب؟

إنه يسافر للخارج؛ لأننا بلد حر، ومفتوح للأجانب من كل جانب.

أفيقوا يرحمكم الله، أوقفوا هيمنة الأجانب، أوقفوا نزيف العملات الصعبة الخارجة من مصر، عبر الجامعات وشركات الشراكة الأجنبية وسماسرة الأراضى والعقارات من العرب والأجانب.

أفيقوا .. وافضحوا كل إنجليزى .. وإلا فإننا سنغرق لا محالة فى وحل مستنقع الديون.