الخميس 25 ابريل 2024

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (2)

مقالات14-11-2021 | 19:46

السؤال المركزى الذى سوف نحاول الإجابة عليه فى هذه السلسلة "من هم أصحاب الأخدود؟" فحسب تفسير الطبرى لهذه الآية، قد اختلف أهل العلم فى أصحاب الأخدود؛ من هم؟ وتعددت روايات الطبرى وتناقضت حول ماهية أصحاب الأخدود دون الوصول لنتيجة مقنعة للقارئ، ومن هنا يتبادر إلى الذهن عدد من الأسئلة التى ربما تساعدنا الإجابة عنه على معرفة أصحاب الأخدود، ليس هذا فقط بل معرفة أيضا كيف كان يتم إنتاج الروايات فى العصور المتعاقبة على عصر نزول الرسالة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبداية تلك الأسئلة ألم يكن يعلم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أصحاب الأخدود، أو لم يقل لهم الرسول "ص" شيئا عنهم، ولماذا لم يتفق الرواة على رواية واحدة تكون أقرب للحقيقة، وماذا يعنى اختلاف الروايات حول أصحاب الاخدود، وأخيرا ما هى حقيقة أصحاب الإخدود، من هم وأين كانوا، ذلك السؤال الذى نحاول الإجابة عنه من خلال استعراض روايات الطبرى ومناقشتها بهدف الوصول إلى الحقيقة.

 

ناقشنا فى الرواية الأولى المنسوبة للإمام على رضى الله عنه أن أصحاب الأخدود حسب الرواية كانوا من أهل فارس وقدمنا أدلة على عدم صدق الرواية، وعدم صدق الراوي، وتذكرهذه الرواية التى سوف نعرضها اليوم والمنسوبة أيضا للإمام على أن أصحاب الأخدود هم من أهل اليمن وتكاد تكون هذه الرواية الأكثر شهرة بين الروايات جميعا.

الرواية الثانية من تفسير الطبرى (24/338): حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: حُدِّثنا أنّ على بن أبى طالب رضى الله عنه كان يقول: هم ناس بمذارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفارها، فظهر مؤمنوها على كفارها، ثم اقتتلوا الثانية، فظهر مؤمنوها على كفارها ثم أخذ بعضهم على بعض عهدًا ومواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذًا، ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خير، توقدون نارًا ثم تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذى تشتهون، ومن لا اقتحم النار، فاسترحتم منه، قال: فأجَّجوا نارًا وعُرِضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم، ثم بقيت منهم عجوز كأنها نكصت، فقال لها طفل فى حجرها: يا أماه امضى ولا تنافقي. قصّ الله عليكم نبأهم وحديثهم. 

ورغم أن، هذه الرواية تعد مختصرة لحد كبير، إلا أنها فى الوقت نفسه تناقض الرواية الأولى والتى سبق أن أشرنا أن مصدرها الإمام على نفسه صاحب هذه الرواية وهنا نتساءل إن صحت إحدى الروايتين فمن يكون الكاذب الإمام على أم الذين نقلوا الرواية عنه "إبن حميد وقتادة" ونحن نعلم أن الاثنين من رواة الأحاديث والسير؟..

 

فقتادة بن دعامة (61 هـ- 118 هـ). حسب كتب السير والجرح والتعديل، تابعى وعالم فى العربية واللغة وأيام العرب والنسب، محدث، مفسر، حافظ، علامة. كان ضريرًا أكمه. وكان يقول: «"ماقلت لمحدث قط أعد عليَّ، وما سمعت أذناى قط شيئًا إلا وعاه قلبي"». قال أحمد بن حنبل: «"كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيءًا إلا حفظه؛ قرئت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها"».

روى الحديث عن عبد الله بن سرجس، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وسعيد بن المسيب، وأبى العالية الرياحي، وصفوان بن محرز، وأبى عثمان النهدي، وزرارة بن أوفى، والنضر بن أنس بن مالك، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبى المليح ابن أسامة، والحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني، وأبى حسان الأعرج، وهلال بن يزيد، وعطاء بن أبى رباح، ومعاذة العدوية، وبشر بن عائذ المنقري، وبشر بن المحتفز، وبشير بن كعب، وأبى الشعثاء جابر بن زيد، وجرى بن كليب السدوسي، وحبيب بن سالم، وحسان بن بلال، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وخالد بن عرفطة، وخلاس الهجري، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسالم بن أبى الجعد، وشهر بن حوشب، وعبد الله بن شقيق، وعقبة بن صهبان، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، ومحمد بن سيرين، ونصر بن عاصم الليثي، وأبى مجلز، وأبى أيوب المراغي، وأبى الجوزاء الربعي، وعن عمران بن حصين، وسفينة مولى رسول الله، وأبى هريرة مُرسلاً، وعن مسلم بن يسار، وقزعة بن يحيى، وعامر الشعبي، وغيرهم.

وروى عنه أيوب السختياني، وابن أبى عروبة، ومعمر بن راشد، والأوزاعي، ومسعر بن كدام، وعمرو بن الحارث المصري، وشعبة بن الحجاج، وجرير بن حازم، وشيبان النحوي، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وأبان العطار، وسعيد بن بشير، وسلام بن أبى مطيع، وشهاب بن خراش، وحسام بن مصك، وخليد بن دعلج، وسعيد بن زربي، والصعق بن حزن، وعفير بن معدان، وموسى بن خلف العمي، ويزيد بن إبراهيم التستري، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وغيرهم كثير.

قال الذهبي: «وهو حجة بالإجماع إذا بين السماع...ومع هذا فما توقف أحد فى صدقه، وعدالته وحفظه »، وقال محمد بن سيرين: «قتادة أحفظ الناس.»، وقال سعيد بن المسيب: «ما أتانى عراقى أحفظ من قتادة »، وقال سفيان بن عيينة: «قالوا: كان معمر يقول: لم أر فى هؤلاء أفقه من الزهرى وقتادة وحماد..»، وقيل عنه: «إن لم تجد إلا مثل عبادة ثابت، وحفظ قتادة، وورع ابن سيرين، وعلم الحسن، وزهد مالك بن دينار لا تطلب العلم.»، وقال مطر الوراق: «كان قتادة عبد العلم.»، وقال سلام بن أبى مطيع: «كان قتادة يختم القرآن فى سبع، وإذا جاء رمضان ختم فى كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.»

وقال أحمد بن حنبل: «كان قتادة عالما بالتفسير، وباختلاف العلماء..» ثم وصفه بالفقه والحفظ ومدحه، ثم قال: «قلما تجد من يتقدمه »، وقال سفيان الثوري: «وهل كان فى الدنيا مثل قتادة..»، وقال ابن حجر العسقلاني: «ثقة ثبت »، وقال محمد بن سعد البغدادي: «وكان ثقة مأمونًا حجة فى الحديث.»، وقال العجلي: «يكنى أبا الخطاب، بصري، تابعي، ثقة »

فهل نكذب هذا الرجل بعد أقوال العلماء عنه أم نكذب ابن حميد والذى هو من هو بين العلماء، وحسب كتب السير والجرح والتعديل وما يطلقون عليه كتب الرجال، هو أبو عبد الله محمد بن حميد بن حيان الرازى أحد رواة الحديث النبوي، ولد فى حدود سنة 160 هـ. حدث عن: يعقوب القمى وهو أكبر شيخ له، وابن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، والفضل بن موسى، وحكام بن سلم، وزافر بن سليمان، ونعيم بن ميسرة، وسلمة بن الفضل الأبرش، وخلق كثير من طبقتهم. وهو مع إمامته منكر الحديث، صاحب عجائب. حدث عنه: أبو داود، والترمذي، والقزوينى فى كتبهم، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبى الدنيا، وصالح بن محمد جزرة، والحسن بن على المعمري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن جرير الطبري، وأبو القاسم البغوي، وأبو بكر محمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن هارون الروياني.

 

قال أبو زرعة: «من فاته محمد بن حميد، يحتاج أن ينزل فى عشرة آلاف حديث». قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: «سمعت أبى يقول لا يزال بالرى علم ما دام محمد بن حميد حيا». قال أبو قريش الحافظ: «قلت لمحمد بن يحيى ما تقول فى محمد بن حميد فقال ألا ترانى أحدث عنه». أما البخارى فقال: «فى حديثه نظر». وقال صالح بن محمد: «كنا نتهم ابن حميد». قال أبو على النيسابوري: «قلت لابن خزيمة لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه. قال إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه، لما أثنى عليه أصلا». قال أبو أحمد العسال: «سمعت فضلك، يقول دخلت على ابن حميد، وهو يركب الأسانيد على المتون». قال يعقوب بن إسحاق الفقيه: «سمعت صالح بن محمد الأسدي، يقول ما رأيت أحذق بالكذب من سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد الرازي، وكان حديث محمد بن حميد كل يوم يزيد». قال أبو إسحاق الجوزجاني: «هو غير ثقة»

 

وبعد ان قدمنا لأصحاب الرواياتين المتناقضتين ومصدرهما واحد هو الإمام على رضى الله عنه وأرضاه فمن نصدق منهما؟

أم أن هناك عوامل تدخلت فى نقل خبر أصحاب الأخدود مثل التشويق والعوامل النفسية التى عليها المتلقى والراوي، وكذلك العوامل السياسية التى تعرض الرواية للتحريف المتعمد أو العفوي.

ونترك الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها للمقال المقبل.

أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم

 

هوامش على تفسير الطبري: من هم أصحاب الأخدود؟ (1)

 

Dr.Randa
Dr.Radwa