الإثنين 20 مايو 2024

ذكريات حرب رمضان «1»

8-6-2017 | 10:22

بقلم : اقبال بركة

كلما هل شهر رمضان عادت بى ذاكرتى الى  حرب أكتوبر المجيدة . كنت أعيش فى القاهرة بعد أن تركت مدينة الاسكندرية ، التى تخرجت فى جامعتها و تزوجت و أنجبت ابنى و ابنتى  بإحدى مستشفياتها . خمسة أعوام مرت بعد أن خلعت نفسى من أرض الذكريات و أيام الشباب بكل ما  تمتعت فيها من مرح و بهجة لألقى بنفسى و ولدَى فى أتون القاهرة بعد أن تم نقل زوجى الضابط بالقوات المسلحة من مدينة العريش الى القاهرة  . و رغم أن قاهرة السبعينات لم تكن فى توحش و شراسة قاهرة اليوم ، إلا أن البون كان شاسعا بينها و بين معشوقتى الاسكندرية . و بعد أن احتفلنا باتمام ابنتى عاممها السادس فى يونيو ثم ابنى البكرى عامه الثامن فى أغسطس  ، و قبل أن تحل بداية العام الدراسى عاد زوجى من عمله متجهما و طلب منى أن أصحب الطفلين الى الاسكندرية حيث يعيش والداى و بقية الأسرة . وانهلت عليه بالأسئلة و لكنه لم يجب عليها إلا بعبارة واحدة  "تم نقلى خارج القاهرة ولن آمن لوجودك وحدك مع الطفلين ، فالأفضل أن تأخذيهما و تسافرى الى بيت والدك ". طيب متى سترجع ؟ لا أعرف . الى أين نُقلت ؟ لا أعرف . كان يجيب و هو مشغول بتحضير حقيبة السفر ، و رفضت رفضا باتا أن أترك بيتى و عملى بالقاهرة و مدارس الأولاد  التى ستبدأ بعد أسابيع قليلة مهما كانت الظروف .

مرت أسابيع و كنت عائدة من عملى بسيارتى "الفولكس العتيقة" و معى بعض زملاء العمل ، و أدارت الزميلة الجالسة الى جوارى مفتاح راديو السيارة لنفاجأ بما زلزل كياننا جميعا . قال مذيع بصوت جهورى "  هنا القاهرة.. جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي: الحاقا للبيان رقم اتنين.. نفذت قواتنا الجوية مهامها بنجاح ، وأصابت مواقع العدو بإصابات مباشرة وعادت جميع طائرتنا إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحدة.. هنا القاهرة».

هتفنا  فرحين " أخيرا ! الحمد لله "  و الحق أن بعض الشكوك ساورتنى  بعد أن تذكرت ما حدث فى حرب 67 و البيانات الكاذبة التى خدعتنا ، و رحت أحرك مؤشر الراديو  بحثا عن مزيد من الأخبار  ، وما أن عدت للبيت حتى انكببت على الراديو أبحث عن اذاعة "البى بى سى"  التى كنا نثق فى مصداقيتها حينذاك ، و اكتشفت لفرحتى الكبرى أن أخبارها تتطابق مع بيانات الجيش المصرى  ..

ثم جاء البيان الرابع ليوضح الأمر «هنا القاهرة.. جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي: البيان رقم أربعة.. حاولت قوات معادية الاستيلاء على جزء من أراضينا غرب القناة وقد تصدت لها قواتنا البرية وقامت بهجوم ناجح ضدها بعد قصفات مركزة من مدفعيتنا على النقاط القوية المعادية، ثم قامت بعض من قواتنا باقتحام قناة السويس مطاردة العدو إلى الضفة الشرقية في بعض مناطقها ولازال الاشتباك مستمر على الضفة الشرقية لقناة السويس.. هنا القاهرة» . كنا نعرف  أن العدو الإسرائيلي أنشأ سدا ترابيا على الضفة الشرقية لقناة السويس وعلى طول هذا السد الترابي بني خطا دفاعيا قويا أطلقوا عليه إسم "خط بارليف" ، و كنا نقرأ أن ارتفاع ذلك السد الترابى يصل في الأماكن المهمة إلى 20 مترا و قد صمم بطريقة تجعل عبور أي مركبة برمائية من القناة إلى الضفة الشرقية مستحيلا .  نسارعت ضربات قلبى و قد أدركت أن زوجى يشارك فى تلك الحرب .

نواصل الحديث فى العدد المقبل