لقد كنت أنطوى على احترام كبير وشديد للمشير طنطاوى جدا وأتذكر أننى مرة كنت عند رئيس الجمهورية محمد حسنى مبارك وكان من المفترض أن أجرى معه حديثا...وفى نظرة خاطفة رأيت المشير طنطاوى والرئيس الفلسطينى ياسر عرفات قادمين لمقابلة الرئيس وأنا لفت نظرى سمرة المشير طنطاوى سمرة أهل النوبة, السمرة الجميلة التى تشى بقلب أبيض.
فى يوم من الأيام حدث بينى وبين اللواء سمير فرج مناقشة حول كيف يمكن الوصول إلى المشير طنطاوى حوارا؟ فما كان منه إلا أنه قال لى نعرض الفكرة.ومرت أيام ومرت أسابيع ومرت أشهر طويلة وأنا فى انتظار هذا اللقاء.وفى اللحظة التى قال لى سيادة اللواء سمير فرج: لقد تحدد ميعادك يوم الاثنين الحادية عشرة صباحا فى مكتب وزير الدفاع بدأت أجمع معلومات عن المشير طنطاوى، جمع معلومات عنه من المؤكد أنها موضوع ليس بالسهل وجمع معلومات عن أى عسكرى ليس بالسهل على الإطلاق لأنه الشخص المدنى اسأل جوجل وهو منبع المعرفة فى هذا الزمان سابقا كنت عندما أود إجراء حوارا مع شخصية ما كنت أذهب إلى دار الكتب وأبحث وأقرأ وفى تلك المرة سألت اللواء سمير فرج حوالى 50 سؤالا وهو يحاول أن لا يخبرنى وأسأله هو يميل إلى العسكرية الألمانية أو الفرنسية أو الإنجليزية فقال لى سـألته ذات مرة فقال لى: يا سمير العسكرية الألمانية تتسم بالحزم الشديد، ثم تقابلت مع اللواء سمير فرج أكثر من مرة فأفصح لى عن شىء لم أكن أتخيله وهو أن المشير طنطاوى معجب وبشدة بأعظم الشعراء العرب القدامى وهو أبو الطيب المتنبى فاندهشت جدا..
وأنا مدرستى تقوم على جمع المعلومات عن الشخصية التى أجرى معها الحوار وأرص المعلومات أمامى فهى المفاتيح الهامة للحوار فأخذت المعلومة وذهبت إلى المجمع اللغوى وقابلت شباب سألتهم ما فضل المتنبي على الشعر ما قيمة المتنبي كشاعر؟ سألتهم بما يتميز المتنبي سألتهم "يعنى إيه المتنبي؟.
سالتهم ما وزنه بين الشعراء سألتهم أيهما أكثر شعرا المتنبي أم أبى علاء المعرى سألتهم الذين يعجبون بالمتنبي ماذا تكون شخصياتهم وصفاتهم؟ سألتهم أكثر من مائة سؤال على مدار ثلاثة أيام.
ثم ذهبت إلى إحدى المكتبات بوسط البلد واشتريت مجموع كتب للمتنبي وطلبت منه تغليفها جيدا وبطريقة محترمة تليق بالمشير طنطاوى ثم ذهبت إلى الموعد وبالطبع عسكريا وأمنيا سئلت ما هذه؟ فطلبوا منى تركها فى سيارتى ولكنى قلت هذه الكتب أريدها لسيادة المشير.
ووضعتها بجانبي وأجريت الحوار مع المشير طنطاوى وكان سلسا وجميلا وراقيا وسالته كل الأسئلة التى أرنو فيها إلى المعرفة.
ثم سألته حقيقة الأمر ما الذى يأخذه أو ينتشله من العسكرية الصارمة واعترف لى بأنه يحب الشاعر المتنبي.
سألته مالذى تحبه فى المتنبي قال لى الحصافة، الحكمة، الرقى فى التعبير، سألته يعنى إيه يا فندم المتنبي؟ قال : بمعنى أنه فى ربوة أو شىء عال.
سألته هل ترى فى المتنبي متنفسا جيدا؟
قال: نعم أراه شاعرا يملك الحكمة والدراية بالحياة.
هل ترى الشاعر المتنبي حياته واحدة؟
قال: لا هى مجموعة من الحيوات حياته كشاعر، حياته كإنسان، وإلى آخره.
لماذا كان بعض الشعراء يحب الشاعر المتنبي مثل أبى العلاء المعرى؟
قال: لأن المتنبي هو الأكثر حكمة من هؤلاء.
ما الذى أوقعك فى حب المتنبي؟
قال: لست أدرى ولكنى متأكد من أن أول أبيات قرأتها لهذا الشاعر بحثت بعدها عن دواويينه.
قلت له يا فندم... أنت الرجل العسكرى.
قال : لا يمنع أن العسكرى يكون له مذاق شخصى، فى الأدب على سبيل المثال أنا أحب فلان الكاتب، فلان القصاص.
قلت له أخبرنى من فلان وفلان يا فندم؟
قال: لا، لأنه قد يغضب الآخرين لو ذكرت شخصا واحدا ولكن من المؤكد أنى أحب الروائى فلان وأحب المحلل الاستراتيجى العسكرى فلان، أحب الكاتب فلان، فكل هؤلاء يمثلون عندى مذاقا شخصيا خارج العسكرية.
قلت له بعد إذن حضرتك وأملت بجسمى أحضرت "الشيلة" ووضعتها على الهواء أمام الناس وقلت له أنا أحضرت لسيادتك دواوين للمتنبى فلمعت عينه وقال بخجل "ليه كده ليه بس" فقلت هذا أبسط شىء أقدمه لوزير دفاع مصر المتذوق للأدب.
لم يمض سوى يومين وطلبت لمكتب وزير الدفاع وقالوا لى المخابرات الحربية معترضة على اللقطة التى بها كلام عن المتنبي والهدية نفسها.
فأنا قلت للسيد مدير المخابرات وكان متواجدا آنذاك أنا يا فندم أخاطب الكتيبة العسكرية أنا كمفيد فوزى وأخاطب المثقف المصرى وأخاطب أيضا الإنسان العادى أما بالنسبة للكتيبة العسكرية فإنه من دواعى فخرها أن وزير دفاع مصر الرجل العسكرى لديه إعجاب كامل وشامل بالشاعر المتنبي والمتنبي شاعر حصيف، شاعر الحكمة، ثانيا أخاطب المثقفين أقول للمثقف المصرى أن وزير دفاعه لديه حس أدبي شديد بدليل حبه للشاعر المتنبي ويقدره ويقرؤه وينتشله من أى إحساس بالملل وفى الوقت نفسه يقرأ الدواوين بشكل شغوف وهو مذاق شخصى شديد الاحترام.
أما القارئ العادى أو الإنسان العادى فهو فى واقع الأمر يعيش مع المشير طنطاوى وزير الدفاع أيضا يعجب بأنه قارئ للشعر هاضما للأدب العربي.
فهنا وجه المشير طنطاوى حديثه لمدير المخابرات قائلا: ما رأيك؟ فقال مدير المخابرات:
يذاع البرنامج دون حذف وأذيع البرنامج بعد مرافعتى المتواضعة دون حذف.
وأود هنا أن أقول أنه ظلت علاقتى عميقة جدا بالمشير طنطاوى لأنى لامست جانبا خاص جدا معه.
فلم يجر المشير طنطاوى حوارا مع أحد من الناس سواى لذلك يظل هذا الحوار بمثابة الوثيقة.
وأنا مع مضى الأيام عرفت الأيام الصعبة القاسية التى عاشها المشير طنطاوى أثناء الانتقال بعد مرحلة الإخوان وكنت مطمئنا جدا لأنه رأس المجلس العسكرى الذى خرج منه الرئيس عبدالفتاح السيسي، كنت أعلم أن بين المشير والضابط صاحب القرار "عبدالفتاح السيسي"علاقة محترمة عميقة أساسها تبادل الاحترام، وأتذكر أنى حضرت مرة إحدى الندوات التثقيفية العسكرية وقابلت المشير طنطاوى وهو فكرنى وقال لى أنت الذى اكتشفت حدوتة المتنبي وكيف اكتشفتها ومن أخبرك؟
فقلت له دى شطارة الصحفى يا فندم.