مصر المحروسة برجالها, المحمية بأبطالها, مصر القوية بجيشها, الصلبة بإرادة أولادها, ولادة يا مصر, ومن خيرة ولادها المشير محمد حسين طنطاوى, بطل تحمل الصعاب, مقاتل شهد بجسارته الأعداء, والحق ما شهد به الأعداء, راجعوا إن أردتم ما قاله شارون عن بسالة وقوة المقاتل حسين طنطاوى فى موقعة المعركة الصينية عندما طلب أن يقابله خلال زيارة له لشرم الشيخ بعد انتهاء حرب أكتوبر بأكثر من 30 عاما واعتذر المشير.
ربما لا نعرف كثيرا عن حكايات المشير طنطاوى وبطولاته وكيف كان دائما فدائيا مخلصا فى سبيل بلده، والسر فى ذلك أنه كعادة الأبطال لا يتحدثون كثيرا، يؤدون واجبهم فى صمت دون مزايدة أو متاجرة، كثيرون ألحوا فى الطلب على المشير طنطاوى ليتحدث أو يكتب مذكراته، لكنه كان يرفض لأنه مؤمن بأن التاريخ وحده هو من ينصف ويحكى وأن المقاتل ليست مهمته الكتابة وإنما الدفاع عن الوطن.
ورغم ذلك، فإن كل من عاصر وعايش أحداث ما بعد 25 يناير يدرك بسهولة قيمة هذا الرجل، وكيف أن القدر ادخره لمصر كى يقود دفتها فى تلك اللحظة العصيبة ليعبر بها من أخطر التحديات وينقذها من أشد المحن، قالها الرئيس السيسى فى جملة مختصرة لكنها كاشفة لما بذله المشير من جهد فى سبيل بلده “ تحمل ما لا تتحمله الجبال” وأى جبل كان سيتحمل ما تعرضت له مصر من مؤامرات وفتن ومخططات فى تلك الفترة، وأى جبل كان سيصمد أمام ضربات لا تتوقف بهدف إسقاط مصر وتدمير جيشها، وإدخالها فى دوامة الفوضى القاتلة مثلما حدث مع دول أخرى، لكن جبل المقاتل حمّال، والمشير طنطاوى مقاتل صُلب، تعلم فى الميدان وقاتل فى أشرس المعارك وواجه أشد الأعداء دون أن يهاب الموت أو يخشى الخطر، وبجرأة المقاتل وخبرة السنين استطاع أن يجنب مصر ما كان مخططا لها من خراب.
كان يعرف جيدا مصدر الخطر ونقطة الفتنة التى يريدون أن يصلوا إليها، وهى الوقيعة بين الشعب والجيش، كان يعلم أن طلقة واحدة يمكن أن تحقق لأعداء الوطن ما يريدون وتزج بمصر فى الفوضى التى يسعون إليها، فكان حصيفا عندما تحدث عن حدود السلاح، وأن سلاح الجيش المصرى لن يوجه أبدا إلى مواطن مصرى مهما كان الثمن، كان يعرف حجم التحدى، والمخططات التى تحاك لإسقاط مصر والمؤامرات التى تنفذ بأيادٍ متعددة وفى مقدمتها جماعة لا تعرف الوطن ولا تقدر قيمة ترابه، ولا يعنيها الاستقرار أو سلامة البلاد والشعب، كانت كل المخططات طريقها واحد وهو أن تذهب مصر إلى حيث ذهبت سوريا والعراق وليبيا لكن حكمة ورؤية المشير طنطاوي ومعه قادة المجلس العسكرى وعقيدة الجيش المصرى وثبات رجاله كانت كلمة السر فى إنقاذ مصر من هذا المصير، لم يستجيبوا لكل محاولات الاستفزاز الحقيرة التى مارستها تلك الجماعة ومن معها ضدهم، ولم يستسلموا لكل المخططات المدروسة التى كان كل هدفها توريط القوات المسلحة فى مواجهة مع الشعب، كانت كلمة المشير الواضحة وقتها، أن الجيش بجانب الشعب وليس ضده، الجيش ولاؤه الوحيد لشعب وأرض مصر، كانت كلماته التى تترجم سياسته فى إدارة شئون البلاد فى تلك المرحلة معبرة عن قناعة تامة بأن البلاد تحتاج لمثابرة وحنكة وحكمة وقراءة جيدة لكل تحرك وميزان من ذهب لكل كلمة أو قرار أو تصرف.. صبر المشير على ما لا يحتمل صبرا لأنه كان يستهدف إنقاذ وطن من كارثة تنتظره.
دفع المشير ثمن هذا الصبر كثيرا، تحمل وصبر وهو يمسك بجمرة الوطن، لكنه كان يرفض أن يلقيها أو يفرط فيها لأنها ستحرق الأرض وتدمر البلاد، اتهامات باطلة طاردوه بها الأفاقون دون ضمير وبأساليب رخيصة، حاولوا بطرق شيطانية أن يورطوا اسمه فى دماء المصريين أو يزجوا به فى خلافات ومناورات سياسية، لكنه كان يقظا كالصقر، يقطع الطريق سريعا على المتربصين، ويفسد مخططات المتآمرين بحرفية ومهارة مقاتل يجيد مناورات القتال، قالها مرة، نعرف السياسة جيدا ونفهم ألاعيبها لكننا لا نمارسها لأننا لا نستهدف مكاسب شخصية ولا نبحث سوى عن الوطن، هكذا كان مبدأه الذى علمه لتلاميذه وأبنائه فى القوات المسلحة الذين حفظوا الأمانة وصانوا العهد وأصروا على إتمام الرسالة وحماية الوطن من السقوط مهما كان الثمن ومهما بلغت التضحيات.
إلى اليوم لا أزال أذكر كلمة المشير طنطاوى خلال حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثانى الميدانى وهو يخاطب أبناء القوات المسلحة مذكرا إياهم بأنهم تحملوا مسئولية صعبة لكنهم قادرون على تحمل عشر أمثالها، وأن عقيدة القوات المسلحة مبنية على الدفاع عن مصر ضد العدائيات الخارجية لكن كتب عليها فى فبراير 2011 تولى مهام الوطن.
يومها قال المشير ( كان أمامنا عدة اختيارات .. لكننا فضلنا ألا نريق دماء المصريين لأننى وكل زملائى نفخر بأننا مؤمنون بالله إيمانا كاملا بأن دماء المصريين لا تراق لأى سبب خاصة فى ظل محاولات الكثيرين من المدفوعين من الخارج الذين يحاولون دائما الوقيعة بين الشعب والقوات المسلحة، ولن نسمح لهؤلاء بأن يقودونا إلى ذلك).
وأضاف المشير وقتها مستكملا مخاطبته لأبناء القوات المسلحة “ تحملتم الكثير بدرجات تفوق كل ما مضى فخلال الحروب كان العدو أمامنا دائما إما أن نهدمه أو نهزمه، ونصر أكتوبر كان أسهل بكثير مما نحن فيه الآن، فهناك أجهزة تحاول أن تثنينا عن عزمنا ولن نسمح بذلك أبدا ومصر سوف تعبر، أرجو ألا تدخل الفرقة بينكم وألا تختلفوا أبدا وأن تنتبهوا إلى السُم الذى يسعى البعض إلى دفعه إلى الأذهان”.
هكذا كانت كلماته وفى كل كلمة كان ينطقها المشير طنطاوى فى تلك الفترة العصيبة تعبيرًا عن واقع يتغافل عنه البعض عمدا ، لكنه كان يراه واضحا جليا، وكان يتعمد أن يوجه من خلاله رسائله للمتربصين بالوطن، ليقول لهم إنهم مفضوحون ومخططاتهم مكشوفة ولن يحققوا ما يسعون إليه لأن لمصر جيشًا يحميها، وكان يقول .. “مصر مستهدفة لكنها لن تسقط ولن تركع”.
كانت قناعة طنطاوي أن مصر كما كان يقول دائما هي” قلب الخرشوفة” و”الجائزة الكبرى” التى يبحثون عنها، لكن لأنه قائد فطن فقد كان يعلم كيف يحمى بلده، ويغلق كل الطرق التى يمكن أن يصل منها الأعداء إلى مبتغاهم الخبيث، كان سباقا فى التأكيد على أن الشباب يحتاج منا رعاية وتوعية للخطر لأنهم النار التى يخطط أعداء مصر أن يحرقوا بها الوطن.
يقينا لن ننصف المشير طنطاوى مهما كتبنا عن دوره ومهما استرسلنا فى الحديث عن ما قدمه لمصر، سواء كمقاتل شارك فى صناعة انتصار الكرامة أكتوبر ٧٣ أو كقائد عام نجح فى أن يعيد بناء القوات المسلحة وفق معايير عصره، أو مسئولا عن إدارة شئون البلاد فى أصعب فترة وشهد له الجميع بأنه حافظ عليها من السقوط، لكن التاريخ سوف ينصفه لا محالة، فالرجل لم يتردد يوما فى إجابة النداء ولم يتخلَ عن مسئوليته وظل محافظًا على الوطن، مخلصًا لترابه حتى آخر لحظة فى حياته.
ولكل هذا ولأنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أصحاب الفضل فقد جاء التكريم الرئاسى للمشير طنطاوى تأكيدًا على دوره واعترافا بفضله وتخليدا لاسمه كقدوة لكل مصرى، فأصدر الرئيس السيسى قرارا بإطلاق اسمه على قاعدة الهايكستب، لتكون شاهدة عبر العصور على وطنية وفدائية وصلابة هذا المقاتل الشريف.