الثلاثاء 18 يونيو 2024

ذكريات رحلة إلى بيروت (١)

9-6-2017 | 12:41

«بيروت.. دلوقتي؟!»..

هكذا كان ردي على الأستاذ مكرم عندما استوقفني فجأة في طرقة مجلة «المصور» قائلًا: تسافر بيروت.. ما تخافش.. أنا واثق أنك هتعمل شغل صحفي كويس قوى.. مش معقول الحرب الأهلية في لبنان دايرة على أشدها وإحنا ناخد أخبار لبنان وبيروت من المجلات ووكالات الأنباء الأجنبية.. فكر وقل لي هاتسافر إمتى..؟

مشي الأستاذ مكرم عائدًا إلى مكتبه.. ولقيته بيقولي : سليمان.. خد معاك فاروق عبدالحميد!

عرض.. وقرأ- في نصف دقيقة.. طبعًا الأستاذ مكرم كان عارف كويس قوي إنني لن أرفض بالتأكيد تلك الفرصة الصحفية النادرة.. وكان عارف إنني حتمًا سأوافق..

جرى هذا المشهد صيف عام ١٩٨٩.. تحديدًا في يونيه.. وقتها كانت الحرب اللبنانية مستعرة بين القوات اللبنانية المؤيدة للعماد ميشال عون المعتصم أو بالأحرى المحاصر، في قصر بعبدا والقوات الموالية لرئيس الوزراء اللبناني سليم الحص.. العماد عون في بيروت الشرقية وسليم الحص المقيم في بيروت الغربية.

أسبوع مر ووجدت نفسي داخل طائرة الخطوط الجوية الرومانية في طريقي إلى مطار دمشق.. دمشق لماذا؟!.. كل المطارات اللبنانية مغلقة خاصة مطار بيروت الدولي.

الخميس كان موعدي مع هذه الرحلة إلى بيروت المشتعلة.. مهمة صحفية في قلب العاصمة، التي اشتهرت بأنها لا تنام إلا عند الفجر والآن- ١٩٨٩ كانت مثل طفلة شقية تنام بعد غروب الشمس!..

في مطار دمشق كانت أعين رجال الأمن تراقبني.. تراقبني وزميلي المرحوم فاروق عبدالحميد.. عيون راصدة تتساءل صحفي جاي دمشق ليه؟.. مسافر بيروت ليه؟!.. لكن ربك والحق لم أشعر إلا بحنين السوريين الجارف إلى صحفي جاء من بلد كان زعيمه هو معشوقهم جمال عبدالناصر!

في فندق الشام بدمشق جلست وزميلي.. دش وعلى طول على الشارع.. أهل سوريا رأسهم وألف سيف العصير ده عليا يا مصري، رفضوا أن ندفع الثمن، تكرر هذا مساء الجمعة كذلك.

بعد صلاة الجمعة، قررت أن أذهب إلى مقر محافظة دمشق، كان المحافظ غائبًا.. لكن في المساء جاءنا في الفندق شاب سوري غاية في الأدب قائلًا: السيد أمين أبو الشامات ينتظركم الساعة ٨ مساء في مكتبه.. سأحضر إليكم في السابعة والنصف بالسيارة لنذهب معًا إلى مكتب المحافظ..

كنت أحمل رسالة من الأستاذ يوسف القعيد إلى صديقه المحافظ.. من القعيد عرفت أن المحافظ أبو الشامات أديب وروائي، عندما قرأ رسالة التوصية قال من كل قلبه هاشا باشا: أهلا بك أستاذ سليمان في دمشق قلب العروبة النابض واسمح لي أنت ضيفي وضيف المحافظة طوال الفترة التي ستمكثها في دمشق، ولكنني عاتب عليكم.. لماذا لم تأت إلي مباشرة من المطار؟!

نحن الآن مساء الجمعة.. إلى سور الحميدية، أشهر المزارات السورية القديمة، ذهبنا، الكاميرا في كتف فاروق، خايف يحصل فيها حاجة في الفندق تبوظ علينا رحلة بيروت.

أكلنا بطبيعة الحال في مطعم المصري بتاع الفول الشهير، الذى يقصده كل زائر للعاصمة دمشق.. أحلى فول وأحلى طعمية.. ياه.. وحشني الأكل السوري!

بكرة الصبح - السبت - سنأخذ طريق الشام.. إلى بيروت.. إلى جهنم الحمراء، لا أنسى ما قاله لي السيد أبو الشامات وأنت راجع مصر.. أرجوك عدي علي.. عندي شوية كتب سأرسلها إلى الأخ يوسف القعيد.

السيارة الأجرة وسائقها السوري تنقلني الآن على طريق الشام إلى بيروت.. أمام فندق بشارع الحمراء أشهر شوارع بيروت السهرانة حتى مطلع الفجر وقفت السيارة وأجرنا غرفة «بالعافية»، وقبل أن نصعد إلى الغرفة وجدنا أمامنا شاب ميليشياوي لبناني وفى يده بندقية كلاشنكوف يسألنا في حدة: عندكم تصريح؟ قلت: ليه ومنين؟! من حزب وليد بك.. يقصد وليد جنبلاط، وعندما أجبناه لا.. قال: دي مشكلة، ولكن صاحب الفندق اللبناني الذي عاش فترة طويلة في الإسكندرية أنقذنا بأن طلب منا ١٠ دولارات واعدا بحل هذه المشكلة.. وبالفعل انسحب الشاب اللبناني من أمام الفندق بعد أن أخذ الدولارات العشرة.. وبعد أن صعدنا للغرفة قلت لزميلي فاروق: يظهر أن رحلتنا الشاقة بدأت مع الميليشيات.. يا خوفي من اللي ها يحصل بعد كده؟!