الخميس 30 مايو 2024

أستاذ النقد بكلية الفارابي بجدة: الحركة النقدية تعاني قصورًا بمواكبة حركة الإبداع في مصر

10-6-2017 | 14:18

دعا الناقد الأدبي الدكتور أحمد فرحات، أستاذ النقد الأدبي بكلية "الفارابي بجدة" إلى أن تكون جوائز الدولة في منأى عن المحاباة والشللية، وأن يكون الفائز هو العمل الحقيقي وليس صاحبه، مهما كانت أيديولوجيته، وتوجهه السياسي.

ونبه فرحات في حواره مع "الهلال اليوم" أن الحركة النقدية في الوقت الحالي تعاني قصورًا شديدًا في مواكبة حركة الإبداع الغزيرة، وما زال النقاد في مصر يهتمون بالمشاهير من الشعراء..

وفيما يلي نص الحوار

 

في البداية حدثني عن التجربة الأدبية الخاصة بك والمراحل المختلفة التي مررت بها؟

تكون البدايات دائمًا حيث النشأة والتكوين، وهي مرحلة تأسيسية في مسيرة حياتي، حيث نشأت في كنف خالي محفظ قرآن، فحفظت من القرآن في صغري 14 جزءًا، وهي كانت المقوم اللساني للتجربة برمتها، المرحلة الثانية منذ التحقت بدار العلوم بالقاهرة، يعرفني من عاش معي بالمدينة الجامعية، ومن زاملني في الجامعة، لم أكن متفرغًا للدراسة بشكل كافٍ، بل كنت أعمل في الصباح بالشركة العامة للبترول، وفي المساء طالب جامعي، حتى عينت في الجامعة سنة 1991م. وأعمل الآن أستاذًا للأدب العربي بكلية الفارابي بجدة.

ما هي المشكلات التي تواجه الشعراء في مصر؟

الشعراء في مصر طبقات، طبقة تواجه الصعاب من شظف العيش، وبؤس المعيشة، وضيق الحال، ومع ذلك فهم متفائلون في شعرهم، مقبلون على الحياة، يغشاهم الحب والرضا في جميع أشعارهم، وهذه الطبقة هي الأكبر والأكثر اتساعًا، وطبقة لها نصيب من حظ الدنيا، فجمعت بين الغني المادي والمنصب الاجتماعي، وهي طبقة تعرفها من منجزها الشعري بسهولة؛ لأن قضاياها التي تشغلها غير التي تشغل الطبقة الأخرى. وهناك طبقة الشواعر بعالمها الفسيح، والخطير في آنٍ معًا، شعر المرأة يواجه مأزقًا حقيقيًا، فيميل إلى الغموض، والقسوة، وفرط المحبة والشعور، وكل هذا يحتاج إلى ضابط نفسي أولاً، ثم ضابط فني يؤطر تجاربها اللافتة. قرأت شعر المرأة المصرية فأفزعني ما فيه من مشاكل حقيقية، لا يتسع المجال هنا لاستقصائها.

يعاني الشعراء في مصر من احتكار الشعراء الكبار للمناصب والمؤسسات التي تملكها الدولة، ويعاني الشاعر بحق من تسول حقيقي لإقامة ندوة له، أو فرض موهبته، كما يعاني من تجاهل النقاد الكبار لمنجزهم، وأنوه هنا إلى مشكلة حقيقية في النقد، فالنقد الجامعي مهموم بالمناصب والكراسي، ومشاهير الشعراء والكتاب، ففي مصر شعراء لم يلتفت إليهم نقاد الجامعة لانشغالهم بأمور خارج الإبداع الفعلي، ولذا تجدهم منقسمين على أنفسهم.

ما هي أحدث أعمالك الأدبية في الفترة الحالية؟

الانتهاء الآن من كتاب شعراء مصر المعاصرون دراسة ومختارات، وهناك تحت الطبع كتاب صفحات من كتاب الموت؛ دراسة في الظاهرة الأدبية، وهناك كتاب جديد تصدره الهيئة المصرية العامة للكتاب قريبا إن شاء الله بعنوان: المنصفات في الشعر العربي، من الجاهلية إلى نهاية العصر الأموي، وهو طبعة جديدة مزيدة ومنقحة للكتاب الذي صدر في 2010م، أضفت إليه فصولا، ورؤية جديدة.

كيف ترى مبادرة القوافل الثقافية التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية؟

ألا تكون مجرد شعار يحتفي بالمسؤولين الكبار، على حساب أصحاب الفكر الحقيقي، كما أرجو أن أفتح الموقع الخاص بوزارة الثقافة لأجد إجراءات حقيقية قابلة للتنفيذ للمشروع الثقافي، كما أحب أن أنوه إلى أن هذه الفكرة مطبقة بالفعل في دول الخليج العربي، وتستطيع أن تلج مواقعهم الثقافية لتدرك أنها فكرة حقيقية منذ سنوات، ولها إطار معلوم وفاعل. وهي فكرة تهدف إلى تقديم الدعم الثقافي والمجتمعي للمناطق البعيدة عن مركز الثقافة بالعاصمة، كما توجه الرعاية والتوعية للشباب في مواقعهم كافة، وتعزز لديهم فكرة المواطنة والفكر السليم، بعيدا عن هيمنة مركزية العاصمة.

هل ترى أن جوائز الدولة في المجال الأدبي تحتاج إلي مراجعة؟

نعم، الجوائز يجب أن تكون في منأى عن المحاباة والشللية، وأن يكون الفائز هو العمل الحقيقي وليس صاحبه، مهما كانت أيدلوجيته، وتوجهه السياسي.

 

كيف نعيد الجمهور للألتفاف حول الأنشطة الأدبية مرة أخرى؟

إعادة الجمهور للالتفاف حول الأنشطة الأدبية هي أم القضايا وأهمها على الإطلاق إن لم تكن هي الفكرة الأم للأدب عامة، وهنا يجب أن نتذكر الدور الاجتماعي للسيدة أم كلثوم عندما تناولت القضايا الفلسفية، والوطنية، والعاطفية، والاجتماعية وهي تغني القصيدة لكبار الشعراء في الوطن العربي، وكيف كانت الأمة كلها تجتمع لسماعها، والترنم معها ببعض الأبيات التي لا يفهمون لها معنى، سوى أنها تروق لهم أداء موسيقيًا وغنائيًا، ومع الوقت أصبحت القضايا الكبرى في القصائد المغناة يتداولها الجيل اللاحق بشغف وحب. وهناك أيضا لغة منفرة لدي الشعراء والنقاد على السواء، لغة طاردة للجمهور تحت ادعاء أن الأدب إنما هو للصفوة والنخبة، وليس لعوام الناس، وهي فكرة مغلوطة ساعدت علي نفور الجمهور من الأدب والشعر، وفي الوقت الذي يتخلي فيه المبدع والناقد عن تلك اللغة المنفرة سيقبل الجمهور من غير دعوة.

من وجهة نظرك كيف ترى الاهتمام من قبل وزارة الثقافة بالمواهب الإبداعية في الإقاليم؟ كيف تلعب الثقافة دورا في المرحلة الحالية لمواجهة الإرهاب؟

أشد ظلما من غيرها ممن يقطنون المدن الكبرى، يعانون التهميش والإقصاء، ودور وزارة الثقافة وحده غير مجد في إعادة التوازن بين المدن الكبرى والأقاليم، فلابد من مراعاة البعد التعليمي والرياضي والفني، وتآزر الجميع من أجل خلق جيل من الأقاليم يحظون بالاهتمام والرعاية نفسها، فمثلا المدرسة والنادي الرياضي والمؤسسة الثقافية والمجلس الأعلى للثقافة وقطاع الفنون التشكيلية وكلها مؤسسات تملكها الدولة، في حال تفاعل تلك المؤسسات جميعا، وتقديم خدمة حقيقية للطالب ومعه المعلم وأستاذ الجامعة والمسؤول الرياضي والعناصر ذات الصلة كلها بأن تقام المسابقات الثقافية والرياضية والفنية والتشكيلية جميعا وفي وقت واحد، هنا سيكون الطالب، والمعلم وكل العناصر ذات الصلة في حلقة لا مركزية يديرها العمل الفني والنشاط الأدبي والثقافي والرياضي بشكل فاعل ومثمر. والكل يجب أن يعمل تحت شعار واحد فقط هو "تحيا مصر".

 

ما هو الحل في إعادة مصر لريادة المجال الأدبي العربي مرة أخرى؟ ما هو تقييمك للمنتج الأدبي في المرحلة الراهنة؟

سؤال ذو شقين، أرى أن مصر مازالت في صدارة الحركة الثقافية العربية، وما تراجع دورها إلا فكرة يشيعها فئة تحارب النجاح دائما، فعدد سكان مصر يتجاوز سكان المنطقة العربية بأسرها، وحضارة المصريين يشهد لها العالم كله، فما أعظم المصري صاحب الحضارة والتاريخ!

يجب أن نعترف أن هناك فرقا بين مرحلة يضعف فيها الشق السياسي فيتطاول علينا من لا حضارة له، وبين مرحلة الازدهار الثقافي والفكري والفني، فالتاريخ يحدثنا دائما أن في مرحلة الوهن السياسي يصاحبها ازدهار ثقافي متنوع من قبل الأفراد، فمصر مازالت بخير. كما يجب أن نعترف أن الحدود التي صنعها الساسة للبلاد إنما هي حدود وهمية فالمصري متفاعل مع أشقائه انطلاقا من وحدة اللغة والدين والعادات والبيئة، تأمل مثلا أي قطر عربي شقيق تجد أن المعلم المصري والطبيب المصري والمثقف المصري والمهندس المصري يؤدون دورا كبيرا في كل الأقطار العربية بلا استثناء. وما ينقصنا سوى اهتمام دولتنا بنا، من حيث الرعاية المادية فقط، عندها ستجد المواطن المصري يلقى مكانة أفضل مما هو عليه الآن.

كيف ترى الحركة النقدية في مصر وتأثيرها؟

النقدية في الوقت الحالي تعاني قصورا شديدا في مواكبة حركة الإبداع الغزيرة، وما زال النقاد في مصر يهتمون بالمشاهير من الشعراء، غير عابئين بشاعر في الخمسين أو الستين من عمره وله إنتاج ضخم، وهنا اسمح لي أن أشير إلى كتاب المنصفات في الشعر العربي، فقد تناولت فيه شعراء الجاهلية من غير المشاهير، وألقيت الضوء على أكثر من مائة شاعر جاهلي لم نسمع عنهم، وأنصفتهم بتناول شعرهم، واستكناه قضاياهم غير المحدودة. الشيء نفسه صنعته مع شعراء مصر المحدثين، تناولت ما يزيد عن مائة ديوان شعري لشعراء غير معروفين، وعالجت قضاياهم الفنية والموضوعية والأسلوبية، منصفا لهم من زمانهم وجيلهم، متحدثا عنهم بإنصاف تام؛ تاركا المشاهير وأصحاب السلطة والهيمنة لنقادهم. ومن ثم فحركة النقد المصري يشوبها الكثير، وينقصها حركة موازية من حركات الترجمة إلى العربية، فبعضهم مشغول بالمنهج الغربي غير المتفق عليه أصلا، متغافلين أن العميد طه حسين هو الوحيد الذي جاء بمنهج غربي وطبقه فعليا علي الأدب العربي، ونجح نجاحا عظيما في ذلك، ومنذ ساعتئذ والنقاد المصريون يلهثون وراء منهج حداثي يطبقونه علي أدبنا العربي، ولكن دون نجاح كنجاح العميد، أو يدانيه.

ما هو الفارق بين المنتج الأدبي المصري والعربي؟

تستطيع أن تقرأ أدبًا لأي عربي فتعرفه من موضوعاته الفنية والموضوعية والأسلوبية، فلا تشغله قضايا حياتية كالأديب المصري الذي طحنه الفقر، وأرهقته السلطة، وتجاهله النقاد، وما دون ذلك فاللغة الواحدة والدين والعادات عناصر مشتركة لا تكاد تميز فيما بينهما. وفي سبيل ذلك كتبت الخطاب الشعري في المدينة المنورة، في جزأين كبيرين، وكتبت عن شعراء من الخليج العربي. ولذا أستشعر الحرج أمام الشعراء المصريين الذين قصرت في حقهم، ولعل كتاب شعراء مصر المعاصرون يكون اعتذارا لهم!

ما هي أبرز الحركات الثقافية بالمملكة؟ هل هناك خطوط مشتركة بين الإبداع المصري والسعودي؟

لا شك أن الحركة الثقافية في المملكة تتطور بشكل مستمر، وتنتهج أفق الحداثة من أوسع أبوابها، وتتنازعها تيارات فكرية نفسية ومعنوية، وليست مادية أو توجهية مثلما هو قائم في الأدب المصري، والروحانيات تجدها بكثرة في شكل تيار كبير في الأدب السعودي، وبشكل فردي في الأدب المصري، من غير توجه عام.