نحن أمام دولة تولى اهتماماً غير مسبوق بترسيخ الرُّقي.. والارتقاء بالذوق العام.. وتبذل قُصارى الجهد لاستعادة قوانا الناعمة.. نحن أيضاً أمام معركة حامية الوطيس.. بين الجمال والقبح.. بين الخير والشر.. بين الرُّقى والتدني .. بين الإبداع والابتذال.. معركة بين الشرفاء وأصحاب القيم والأخلاق.. وبين تجار اللحوم «الرخيصة» وغاسلى الأموال.. ورجال البيزنس والمال.. الذين يريدون فرض وصايتهم حتى على الذوق العام. وهم الاستقواء بالمال «خطيئة كبري» آخرها السقوط المؤكد والذريع.. فلا يمكن أن تتعالى على الناس، وتفرض عليهم نمطاً ونوعاً سوقياً، ومبتذلاً.. من الفن والغناء الهابط.. أو تنغص عليهم حياتهم بعدم احترام القانون أو خصوصية سكان المنطقة، وحقهم فى الهدوء بعيداً عن الصخب والضجيج والصراخ الذى يخرج من آتون حفلات الإسفاف والتعري.
ما بين جهود استعادة قوانا الناعمة والجمال والرُّقىّ.. ومحاولات التدنى والابتذال والإسفاف.
الدولة المصرية تولى قضية استعادة مصر لقواها الناعمة أهمية كبيرة.. وتدعم كل أشكال الفنون، وتوفر للقائمين عليها كافة الإمكانيات.. ولعل حرص الدولة على إقامة مدينة عالمية للفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، يُجَسِّد هذا الاهتمام غير المسبوق، خاصة ونحن على مشارف عصر «الجمهورية الجديدة».
عندما ترى اهتمام الدولة بإقامة وإنشاء المؤسسات الفنية، وتطوير ورفع كفاءة المؤسسات العريقة والقديمة.. فإننا أمام دولة تؤمن بأهمية رسالة الفن بمختلف أنواعه وأشكاله فى بناء الوعى والارتقاء بالذوق العام.. ولتكن عنواناً رئيساً للمحبة والتسامح، والقيم الإنسانية النبيلة، والتعبير عن مشاعر ومطالب الناس.. وتجسيد لصورة المجتمع الحقيقية، والمساهمة فى علاج بعض الظواهر السلبية من خلال رسائل وقيم ومبادئ عظيمة.
والحقيقة التى لا جدال فيها أن مصر دولة عظيمة.. لديها رصيد حضارى ساهم فى قيادة الإنسانية إلى المعانى النبيلة والعلوم والفنون والثقافة.. وهو ما نراه على جُدران المعابد الفرعونية، وفى آثارنا التى تعكس عظمة هذا الوطن، كمعلم وملهم.. ثم إن الثقافة والفنون المصرية والقوى الناعمة ترسَّخت فى وجدان وعقول الشعوب العربية، وصاغت الثقافة والفنون والصحافة والإعلام المصرى المشهد العربي.. وعلَّمت القائمين عليها أصول وفنون ومدارس الإعلام والصحافة والفن والغناء.. ولعل وجود مصر على سُدَّة وقيادة الفن الراقى فى المنطقة.. يشهد بأن القوى الناعمة المصرية عرفت طريقها لقلب القارة الأفريقية والمنطقة العربية، وشكلت وجدان هذه الشعوب.. فمن ينسى أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وشادية وفاتن حمامة وعمر الشريف ويوسف وهبى وزكى طليمات وأمينة رزق، وأسمهان وماجدة الصباحى ونجوم ونجمات التمثيل والغناء العربي.. وحدِّث ولا حرج عن الشعراء والأدباء والمؤلفين والموسيقيين والملحنين الكبار الذين أثروا الساحة الفنية، وجعلوا القوى الناعمة المصرية فى قلب المنطقة العربية والقارة الأفريقية.
خلال هذا الأسبوع توقفت أمام مجموعة من المشاهد المهمة.. منها ما يعكس اهتمام الدول وحرصها على الارتقاء بالفن والذوق العام وتبنى أكبر عملية للتطوير والتحديث وإنشاء الكيانات الفنية والموسيقية العملاقة، وأيضاً مساندة ودعم الفن والغناء الراقي، والسعى الدءوب إلى استعادة الأمجاد المصرية فى مجال القوى الناعمة.
رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، يشهد افتتاح قاعة الموسيقى بمدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية، وهى المدينة العملاقة والأكبر فى الشرق الأوسط.. وحرصت الدولة على أن تكون فى منتهى الفخامة، وتزويدها بأحدث الإمكانات والتكنولوجيا المعاصرة فى هذا المجال.. والحقيقة فإن مدينة الثقافة والفنون تتواكب مع عظمة وفخامة العاصمة الإدارية الجديدة، كواحدة من أهم وأعظم المدن العصرية الذكية فى العالم، لتشكل فى النهاية مكونات الجمهورية الجديدة فى كل المجالات، ومنها الفنون والثقافة والقوى الناعمة المصرية. رئيس الوزراء أيضاً الدكتور مصطفى مدبولي، افتتح هذا الأسبوع المبنى الجديد للمعهد العالى للسينما، ولا أحتاج إلى أن أقول ما يجسده هذا الحدث لأن الدكتور مدبولى قاله بنفسه: «المبنى الجديد للمعهد العالى للسينما، صرح فنى كبير، ومن أهم شواهد اهتمام الدولة بأدوات القوى الناعمة ودعم القيادة السياسية لها للإيمان بدورها المؤثر فى التنمية وبناء الأوطان».. مضيفاً أن المبنى يمثل نقلة نوعية فى مجال إعداد الكوادر المتخصصة القادرة على استعادة أمجاد السينما المصرية.. مؤكداً أننا نعشق الفن المصري، ونعتز بريادته، ونثق أننا سنشهد المزيد من التقدم فى هذه الصناعة بفضل الخبرات والإمكانات المصرية، ومخاطباً الفنانين: «أنتم قوة مصر الناعمة».
كلام رئيس الوزراء لا يحتاج لتعليق.. وواضح تماماً.. ويجسد حرص الدولة المصرية وقيادتها السياسية على استعادة مصر لقواها الناعمة، وأمجادها الفنية السينمائية والغنائية والدرامية.. وتبذل جهوداً خارقة فى كافة الاتجاهات لمحاربة الفن الهابط والرديء والمبتذل، وتقديم البديل الذى يرتقى بالذوق العام.. ويرسخ للرُّقى من خلال فن هادف وبنَّاء ومبدع، ويليق بالإنسان المصرى صانع الحضارة والفنون.
فى نفس الوقت نجد هناك مَن يحارب الفن المحترم.. والإبداع والرقى والغناء الراقي.. ويدافع ويدعم الفن الهابط والغناء المبتذل والسوقى والمتدنى الذى يسيء لمصر كدولة عظيمة ومبدعة.. وللأسف مَن يساند هؤلاء من بعض الكُتاب والإعلاميين، يتذرع بأنه ليس من حق أحد أن يفرض نوعاً معيناً من الغناء على الناس.. وهذا جهل مطبق، والتفاف وافتئات غير أخلاقى على الحقيقة.. فإذا اتبعنا هذا المنطق الفاسد فيمكن أن نقول ليس من حق أحد أن يمنع دخول المخدرات وتعاطيها!.. أو السماح للناس بحمل أسلحة غير مرخصة لتهديد أمنهم وترويعهم، وإصابة المجتمع بالهلع والإرهاب.. يمكن أيضاً أن نقول استناداً إلى منطق هؤلاء الفاسد بإباحة التحرش والدعارة، طالما أنها حرية فاسدة، ومريضة، تخرج من عقول عفنة. لماذا لا نترك الأمر للمسئول عن الفن أو النقابات الفنية ولديها مواثيق شرف ومعايير وإدراك لخطورة الابتذال والإسفاف على المجتمع.. وهل يمكن أن يتدخل نقيب الموسيقيين مثلاً فى عمل تجار اللحوم والأسماك، والبناء والإنشاءات؟!.. لماذا لا ندع كل مسئول يمارس عمله طبقاً للمصلحة العامة والمواثيق والمعايير المترسخة.. وهل يمكن ترويج وتسويق التدنى والتعرى واللحم «الرخيص»، .. والفن الهابط ونشره بين الناس، ونقول فى النهاية: «الجمهور عاوز كده».. تلك بلاهات ونوايا سيئة وخبيثة لإصابة المجتمع بالأمراض الخطيرة، والظواهر الغريبة من إسفاف وابتذال ورخص وتدمير للذوق العام والفن الراقي.
الحقيقة أن المشهد الراهن يشير إلى أن هناك معركة حامية الوطيس.. بين فريق يشكل عموم المصريين، يدافعون بشرف عن الفن الأصيل والراقي، وأهمية استعادة القوى الناعمة المصرية.. واتجاه آخر يأتى على رأسه نجيب ساويرس، يحاول ويدافع عن الفن الهابط الرديء الذى يُسَـوِّق الابتذال والتدنى والعرى واللحم «الرخيص» والتشويه ومحاولات تدمير الثوابت والفصائل والذوق العام المصري.. وهذا ليس كلامي، أو أننى أفترى عليه، مع بعض أتباعه، والمستفيدين منه بطبيعة الحال.. ولكنه الواقع.. سواء من خلال «مهرجان الجونة» الذى ينظمه ولم نسمع عن أى عمل فنى راقٍ يقدمه فيه سوى سباق اللحم «الرخيص» والتباهى بالتعرى واستعراض المفاتن.. وشباب لو خرجوا للشارع المصري- لكان مصيرهم معروفاً- يرتدون «الحلقان».. والوشم يغطى أجسادهم.. فى مشاهد غير أخلاقية، وبلا أى مبادئ أو قيم، وهو ما أزعج المواطن المصري، وشن هجوماً ضارياً على هذه المشاهد التى تبرأ منها ولا تعبر عن قيمه وأخلاقياته.
دعونا نعترف بأن تجار الموت والمخدرات واللحوم «الرخيصة» وغسل الأموال، هم وراء تراجع الفن سواء السينما أو الغناء خلال العقود الماضية.. وتدخل رجل المال والثروة والبيزنس، نجيب ساويرس فى محاولة إغراق سفينة الفن الجميل، والرقى والانحياز للقبح والابتذال والإسفاف والبضاعة الفاسدة.. يجسد حالة من مقاومة استعادة زمن الفن الجميل والراقي، والريادة السينمائية والغنائية، والسعى لتمكين التلوث السمعي، والمسخ الغنائي، بالدفاع عن أغانى المهرجانات السوقية، التى تعكس سلوكاً وأفعالاً متدنية ومشينة، ولا يمكن أن نطلق عليها غناء، ولا مهرجانات.. ولكن بيوت غير مرخصة للإسفاف والابتذال والشذوذ الفني.
إن تجار اللحوم وغاسلى الأموال ورجال البيزنس نظرتهم مختلفة تماماً للفن.. فهو وسيلة للتربح وإرضاء الشهوات والغرائز، وقضاء السهرات الماجنة فى ظل أصوات «الكاسات».. وألوان الفساتين العارية، والتى تكشف أكثر بكثير مما تَسْتُر.. وهؤلاء لا يهمهم قيم أو مبادئ، أو أخلاق أو ذوق عام، المهم إشباع نهم المال والجشع حتى فى تسويق وتجارة الفُحْش الفنى والغنائي.. وهم مَن وراء تدمير الشباب بالمخدرات والبلطجة والدعارة باسم الفن، وتسويق اللحم «الرخيص»، وترسيخ ثقافة الثراء السريع، والنصر والبطولة للفاسدين والبلطجية وأرباب السوابق والمشبوهين، حتى أصبح هناك من الشباب من يقلد هؤلاء على أرض الواقع وفى نسخة مطابقة لمشاهد هذه الأعمال الرديئة.
إن المعركة الدائرة بين هانى شاكر ونجيب ساويرس.. مثل معركة الخير والشر.. وبطبيعة الحال الخير والجمال والرُّقى والإبداع، سوف سينتصر لا محالة، وسيوارى هؤلاء ودعواتهم الثري. الفتونة والاستقواء بالمال، لا يجعل ساويرس يفرض ذوقه ورغباته، وهى معروفة للجميع، على الناس، أو يحاول أن يصيغ «خريطة فنية مسمومة» تخالف قيم ومبادئ وذوق المصريين.. أو محاولة فرض الأمر الواقع على الناس بتنغيص حياتهم بما يحدث فى كومباوند «زد» من تجاوزات وحفلات صاخبة تمثل نهج ساويرس فى «الصراخ والعويل» الذى يعتبره غناءً وطرباً.. وطبعاً السهرات تحلى مع «اللحوم الرخيصة» على كل شكل ولون و«المياه» بكافة أنواعها.. وكله يدلع نفسه ويتحرق سكان «زايد» ويموتوا كمان، بفعل سيارات النقل والحافلات التابعة للسيد ساويرس فى السير بسرعة عكس الاتجاه، وفى كافة الأوقات.
السيد نجيب كثير الكلام ويحاول لفت الأنظار بالأنين والشكوي، لكن للأسف لا يصدقه أحد.. «فأسمع كلامك أصدقك.. أشوف ثروتك أستعجب».. فهذه الأرقام الخيالية والفلكية لحجم ثروته جاءت من أين؟!.. وشركاته التى تنتشر فى مشروعات الدولة والشعب.. هل هى صدفة؟!.. وحجم الأرباح.. هل هو شائعة؟!!
بصراحة الكلام فى الفن وفى الاقتصاد من السيد ساويرس أصبح يثير علامات استفهام، ويكشف أن فى الأمور أموراً.. وخفايا لا يعلمها هذا الشعب الطيب.. فلم يكن عرض فيلم «ريش» صدفة أو اعتباطاً، ولم تكن محاولة تشويه الاقتصاد المصري، أمراً غير مقصود.. أو الدفاع عن الفن الهابط، «والعيال الصِيَّع بتوع المهرجانات.. اللى شبه اللى واقفين ع الناصية»، أمراً غير مخطط.. ولا وقائع أخرى تمس الأمن صدفة.. نحن أمام «مشروع ممنهج» لا أريد أن أصفه، ولكن يحمل العديد من علامات الاستفهام.. لكن لمصلحة مَن؟!! هل نحن أمام نوع جديد من الاستثمار فى التدنى والرخص والإسفاف والابتذال؟!.. هل نحن بصدد مخطط جديد لهدم قواعدنا وقيمنا، وهويتنا الثابتة والمستقرة؟!.. هل هناك محاولة للنيل من الذوق العام المصري؟!.. هل نحن أمام فكر يتم ترويجه لطمس وضرب الهوية المصرية بعد فشل مشروع الإخوان المجرمين؟!.. يمكنك أن تشترى كل شيء بالمال.. لكن أبداً لا يمكنك أن تشترى ضمائر الشرفاء. تحيا مصر