السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

قصتنا أم قصتها؟!

  • 27-11-2021 | 21:02
طباعة

فى لحظةٍ ما قررت أن تغلق كل الأبواب، وتتحدث فيها إلى نفسها، وقد استحضرت كل مراحل حياتها بعد أن مرت بالعقد الخامس من عمرها. 

قررت أن تستحضر طفولتها البريئة ومراهقتها الرومانسية الحالمة مرورًا بشخصية الأم الثلاثينية المسئولة عن تربية أبنائها، وكذلك الأربعينية الراشدة، وتتوقف عند الخمسينية التى توجه الجميع، وتحدث نفسها بأن العمر الذى مضى لن يعود مجددًا، فتمتلئ إصرارًا على اللحاق بأحلامها قبل أن ينقضى الأمر، ويمر العمر. 

الآن أجد فى نفسى حنينًا لتلك المراهِقة الحالمة التى تمسك بين يديها ديوان شعر، أو تستمع إلى أغنية من أغانى الحب، وهى غارقة فى الخيال تمتلك العديد، والعديد من الأفكار والطموحات والأحلام الوردية. 

انتظروا لقد خرجت الصغيرة من حجرتها الآن فاتحة الباب دون إذنٍ، وباندفاع الشباب أوبخها وأنهرها قائلة: ما الذى أتى بك الآن إلى هنا؟ عودى إلى غرفتك رتبى لعبك، وامسكي بأقلامك الملونة، وارسمى ما تشائين من أشياء وأشكال. 

اذهبى فقد كبرت أنا على تلك الأشياء، وأعتز حينها بأنى قد كبرت كم كنت ساذجة ! لم أكن أعلم بأنه سوف يأتى يوم أقف فيه باكيةً تلك السنوات التى مرت كمرور البرق!

قبل أن تستمتع المراهقة الحالمة بوقتها كاملًا. فجأة ظهرت فى المشهد تلك الأم الثلاثينية بأعبائها، ومسئولياتها التى جعلت فيه أطفالها يحتمون خلف ظهرها كجبلٍ شامخ إنها رمز الحب، والإيثار إنها الأمل المتجدد فى تحقيق مستقبل رائع لأطفالها. أطفالها الذين يدفعون بها دفعًا للعمل، فتمتثل للأمر راضيةً فتعود فى اليوم التالي لتكرر رحلتها هى كقطار لاتوقفه محطات. تشتكى أحيانًا، وتصمت كثيرًا؛ فقد كبلتها المسئولية ونسيت لبعض الوقت كل أحلامها، وأهدافها.

لقد وهبت نفسها، وعمرها لهؤلاء القابعين أمامها لهؤلاء الذين ستصحبهم معها إلى ميدان القتال! ستقاتل نعم. ستحارب من أجلهم العالم أجمع . لقد دفعت بكل ماتملك من سلاح لأجل البقاء في مرحلة أمومتها. 

تعالوا نغادر تلك الحقبة فقد تألمت كثيرًا فيها، ومازلت أتحمل جزءًا منها ليس بقليل، وإن كان مختلفًا بعض الشيء؛ فالصغار قد كبروا، وكبرت معهم مسئولياتى نحوهم. كفانا حديثًا عنا، وعنها.

تطل علينا الأربعينية الراشدة التى جاهدت نفسها، وغيرها ممن أرادوا العزف على أوتار قلبها. 

الصغيرة عادت مرةً أخرى لتدفعنى إلى التساؤل بعصبية: ماذا تريدين منى الآن؟! اذهبى فلم أعد أحتمل إزعاجك فتبكى، وأبكى معها طفولتى التى كانت تطربنى فيها غنوة أتراقص معها فرحًا مقدمةً بها اعترافًا بأنوثتى التى فطرنى الله عليها.

تأتى تلك الخمسينية مثقلةً تريد أن تعوض مافاتها من عمرها تريد أن ترى العالم هى الأخرى، وتحقق أحلامها. 

تطرق باب طفولتها أحيانًا تمسك بيديها أشياءً تنسج منها بعضًا من الأحلام، وتطل على المراهقة الجميلة الملفتة الجذابة المتمتعة بحيويتها تجلس كثيرًا معها دون ملل، فهى لاتود أن تعود من منطقتها أبدًا، ولكن....!

تمر سريعًا بالثلاثينية المجهدة، وترفض البقاء هناك طويلًا فقد عانت، وتحملت فوق طاقتها حتى أنها مازالت تتألم من حجم تلك المعاناة، ومن ثقل  مسئوليتها.

تمر بالأربعينية التى امتلكت الكثير من  الحكمة بفعل مامرت به من تجارب تستمع إلى جملةٍ منها، وتدير ظهرها، فهى تعلمت أن العمر يسير باتجاه الأمام وهى لاتريد العودة للخلف بأي حال من الأحوال.

وفى تلك المحطة تقف الخمسينية المتمسكة بتحقيق أحلامها التى قد تدفعها رغبتها فى تحقيق ماتم مصادرته من أشياءٍ أحبتها، وتمنتها أن تسارع، وتسبح بكل قوتها؛ لتصل إلى شاطئ تحقيق ذاتها.

الاكثر قراءة