الأربعاء 22 مايو 2024

حب على ورق البردي

مقالات30-11-2021 | 11:37

سطر المصري القديم، والفرعون الإله، والكاهنة والعازف، أجمل فصول تاريخ الحب والغرام، على أوراق البردي، ونقشها الفرعون الإله على المعابد، آلاف السنين مرت، و ظلت المعابد شاهدة على قصص الغرام، و لم يكن الغزل يقف علي الرجل وحده، بل أن المرأة كانت بليغه، عاشقه لزوجها، و سجلت برديات المصري القديم قطعا من أجمل النصوص التي كتبتها المحبة إلي زوجها.

"هل سترحل لأنك تريد أن تأكل؟ هل أنت ممن لا هم لهم سوى ملء البطن؟ هل سترحل من أجل الحصول على غطاء؟ لدي غطاء فوق سريري. هل سترحل لأنك ظمآن؟ هذا ثديي، كل ما يفيض من أجلك أنت. حبي لك ينفذ إلى كل جسدي، كما يذوب الملح في الماء، كما يمتزج الماء بالنبيذ".

تلك العبارة عمرها أكثر من 3 آلاف عام، كان الحب لدي المصري القديم أشبه بعذوبة نهر النيل الذي عاش وبنى على ضفافه تلك الحضارة العريقة، بل أن ما نشهده من الجانب الأعظم من العمارة الفرعونية هو نتاج لتخليد قصص الحب الجميلة التي سطرها المحبون على أوراق البردي، أو تلك التي خلدتها المعابد والمقابر رائعة الجمال.

وعبر تلك السطور نعود معا إلى ما يقرب من 4500 عام وبالتحديد في منطقة سقارة التي تقع فيها مقبرة "كاهاي" مطرب البلاط الملكي وزوجته "ميريت إيتس" إحدى كاهنات معبد آمون

وتحمل المقبرة نقشا جداريا يوثق لحظة تبادل الزوجين النظرات مستخدمين لغة العيون التي لا يدركها سوي المحبون.

لم يكن الملك ببعيد عن ذلك الغرام رغم كل المسئوليات والأعباء الملقاة على عاتقه، تروي لنا معابدهم ومقابر زوجاتهم قصص الحب التي خلدتها المعابد، ومن أجمل قصص الغرام التي سطرها الملوك، هي قصة حب الملك رمسيس الثاني ونفرتاري.

رمسيس الثاني تزوج من  نفرتاري قبل أن يتولى العرش وكان عمره 19 عاما وكانت نفرتاري واحدة من عامة الشعب ويعني اسمها جميلة الجميلات وتشير النقوش على جدران المعبد إلى أنها صاحبة وجه دائري جميل وخدود ممتلئة ولديها شغف كبير بالإكسسوارات والزينة في جميع ملابسها.

 بني الملك رمسيس الثاني، معبدا خاصا لها إلى جوار معبده أبو سمبل على البر الغربي للنيل في الفترة ما بين عام 1290 ق م وعام 1224 ق م ويسمى بالمعبد الصغير أو معبد حتحور ووصفتها النقوش بكلمة حبيبة وأنها الزوجة المفضلة وسيدة الدلتا والصعيد وسيدة الأرض.

ونقش علي جدران المعبد إهداء" بني رمسيس الثاني هذا المعبد لزوجته المحبوبة نفرتاري ونقش عليه عبارة "من أجل أحب زوجاتي قمت ببناء هذا المعبد"

ويقف أمام المعبد 6 تماثيل يصل ارتفاعها إلى ما يقرب من 10 أمتار منها 4 تماثيل للملك رمسيس الثاني واقفاً وتمثالان لنفرتاري ويحيط بهما تماثيل صغيرة الحجم لأبنائهما، وجعل رمسيس الثاني تماثيل نفرتاري بنفس حجم التماثيل الخاصة به تقديراً وعرفاناً بحبه الشديد لها.

وكان السبب في بناء معبد حتحور، هو تمكين زوجته من أن تتعبد آلهتها المحبوبة "حتحور" إله السعادة، لأن معبد "حتحور" الرئيسي يقع في دندرة التي تبتعد 100 كم شمال الأقصر.

وكان يصعب على الملكة "نفرتاري" عند المجيء لمنطقة أبو سمبل والنوبة أن تعود سريعًا إلى "دندرة" لأداء الطقوس الخاصة بمحبوبتها "حتحور" لذا قرر رمسيس الثاني بناء معبد لحتحور في ابو سمبل حتى لا تبتعد نفرتاري كثيرًا عن محبوبتها "حتحور".

وفي مقبرة نفرتاري بالبر الغربي بالأقصر يمكنك أن تشهد تحفة آخري هي شاهد أيضا على ذلك الحب العظيم الذي خلد على مدار تاريخ، لم تستطع الفوارق الاجتماعية منذ آلاف السنين أن تمنع الملك من الزواج من محببته وبناء معبد خاص حتى لا تبتعد عنه، لم تمنعه التقاليد الملكية بالزواج من العامة.

إن الجد ترك لنا ميراثا كبيرا من القيم المجتمعية، خاصة ما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة كيف كان يعاملها، ويمتن لها، بل أن الرسومات والنقوش توضح كيف كان الطرفان يعشق كل منهما الأخر، كيف كانت الزوجة حريصة على أن تنشر السعادة حول زوجها، مرت آلاف السنين، ومازالت قصص الحب تطل علينا من مصر القديمة.

أعتقد أن التراث الفرعوني ملهم وعظيم، يمكن أن ننتج منه العديد من المنتجات التي يقبل عليها السائح، كي تكون جزء من تجربته السياحة في مصر، خلال الفترة الماضية كان هناك العديد من السائحين يزورون الأقصر كي تكون معابدها شاهد علي قصة حبهم، ماذا لو وجد هؤلاء مجسمات على غرار معبد حتحور يحمل أسمائهم باللغة الهيروغليفية، أو عقد زواج تذكاري مكتوب علي ورق البردي، هنا يمكن أن نتحدث عن تحريك معدل إنفاق السائح بشكل يفتح الباب لزيادة فرص العمل واستفادة المجتمع المحلي بشكل أكبر من قطاع السياحة.

نحن نملك قصص كثيرة يعشقها الزائر، لكن يجب أن تترجم لمنتج يمكن شرائه واستفادة المواطن والدولة منه.