السبت 4 مايو 2024

الفن وصناعة الوعي

مقالات5-12-2021 | 13:29

تحت عنوان "الفن وصناعة الوعي"، حضرت ولفيف من المثقفين والمهتمين بالشأن العام ندوة فى مكتبة مصر العامة على كورنيش النيل بالجيزة الأسبوع الماضي، حيث تناول المتخصصون ما يدور على الساحة من جدل بشأن تردّى الذوق لدى بعض متابعى ما يقدمه مؤدوا ما يُسمى بالمهرجانات الشعبية، خصوصا وأن معظم كلمات تلك الأغانى تخدش الحياء العام وتتعمد بث روح العنف والعداء والحض على الأفعال المشينة، وفى الحقيقة قبل هذه الندوة لم أكن قد اطلعت على محتوى تلك الأغانى وما يقوم هؤلاء بتلحينه وغنائه من كلمات مُسفّة هكذا.

 

ومع حالة الاستغراب التى انتابتنى عندما قرأت تلك الكلمات، طرح الدكتور أشرف عبد الرحمن - أستاذ النقد بأكاديمية الفنون - فى تلك الندوة رؤية تحليلية غاية فى العمق، فنّد فيها أسباب ذلك التدني، واستخدام تلك الكلمات وما يؤدى إلى انتشارها بين الكثيرين، حيث سلّط الضوء على أن ما يحدث الآن قد حدث وبشكل أكثر إسفافا قبيل ثورة 1919 وحتى منتصف العقد الثالث من القرن العشرين، وقد عرض بعض نماذج مما كان يغنيه كبار المطربين حينها بضغط من المحتل البريطانى حينها لإفساد الذوق العام وإلهاء الشعب عن مقاومة الاحتلال، لكن الصحوة عادة ما تأتى من مثقفى الأمة وقادة الوعى للنهوض بالذوق العام وإعادة دفة سفينة الفن إلى الإتجاه الصحيح، وهو ما يجب على مثقفينا وقادة الرأى فى وقتنا الحالي، فالأمر لم يعد يتوقف عند بعض الحفلات الصاخبة التى يقيمها هؤلاء المغنون، وإنما تعدّى ذلك إلى خلق حالة من إفساد الذوق العام فى مصر والمنطقة العربية، ليس هذا فحسب، بل امتد الأمر إلى جعل مثل هؤلاء من محدودى أو معدومى الموهبة والثقافة يشكلون المثل الأعلى والنموذج المحتذى لدى بعض الشباب لما يحققونه من مكاسب كبيرة وشهرة واسعة لا سيما إذا تم الاحتفاء بهم واستضافتهم فى فعاليات فنية أو على شاشات القنوات الفضائية الشهيرة لتضخيم حجمهم بشكل أكبر.

 

وقد أصبحت تصريحات هؤلاء وكلماتهم التى لا تنمّ فى معظم الأحيان إلا عن افتقار لأدنى مستويات الثقافة والتعليم مانشيتات وعناوين للكثير من الأخبار التى يتابعها الناس، مما يخلق حالة من اللغط والتخبط بين مهاجم لهذا الجهل والإسفاف ومدافع عن ما يعتبرونه حرية تعبير، اعتمادا على حُسن نوايا وجهل هؤلاء المؤديين، وهذا ما أوضحه كل من الدكتور زين نصار - الناقد الفنى المعروف - والموسيقار منير الوسيمى - نقيب الموسيقيين الأسبق - خلال الندوة من أن القانون وحده سيكون الرادع لمثل هؤلاء حين يخالفونه بغناء كلمات مُسفّة أو الإدلاء بتصريحات مسيئة مع محاولة تدريب من لديهم موهبة منهم للرقى بمستواهم الثقافى والفنى حتى نتمكن من الارتقاء بمثل هذا النوع من الفن الشعبي، (إذا جاز إطلاق كلمة فن عليه) مستشهدين بالكثير من الأمثلة التى حدثت قديما وحديثا فى هذا الصدد.

 

إن الفن هو مرآة المجتمع التى تعبّر عمّا به من حراك اجتماعى وثقافي، وهو القوة الناعمة التى يجب أن نحافظ على مكانتها فى أفئدة الناس فى عالمنا العربى المحيط الذى يتأثر بها، مما يستدعى إعادة النظر والدراسة من قبل المتخصصين فيما نراه الآن على الساحة من تلك المهرجانات الغنائية الهابطة وحُمّى السجادة الحمراء فى المهرجانات السينمائية وما يحدث عليها من إسفاف لا يقل تأثيرا عن تلك الكلمات المغناة فى المهرجانات الغنائية مستحضرين فى أذهاننا عنوان تلك الندوة "الفن وصناعة الوعي".

Dr.Randa
Dr.Radwa