السبت 5 اكتوبر 2024

«المصور» تستمع لخمس حالات فى رحلة «الطريق إلى الشفاء»: الناجون من معركة «الخبيث»

14-6-2017 | 13:41

تحقيق: إيمان النجار

عدسة: إبراهيم بشير

داخل عيادات المعهد القومى للأورام حالات عديدة قدمت للمتابعة بعد تحقق حلم الشفاء، شفاء بعد عناء من مرارة المرض، ومرارة العلاج وحتى مرارة السفر، وبعد كل هذا العناء يأتى الشفاء، الأمل موجود والشفاء يتحقق، لكن فى المقابل لابد من نظرة لتخفيف معاناة المرضى طوال رحلة العلاج حتى الشفاء.

ببسمة بريئة تمسك يد أبيها وتحتضنه كلما سمعتنا نتحدث عنها، نورهان فتحي.. الصغيرة التى لم تتجاوز ربيعها الخامس بعد، أنعم الله عليها بالشفاء من السرطان، الذى لم يكن يسمع عنه أبوها إلا عبر التليفزيون لم يكن يعرفه عن قرب، فإصابة «نورهان» هى الأولى فى العائلة وبين الجيران والأقارب فى إحدى قرى العياط بالجيزة، كان الخبر كارثة على مسمع الأسرة ككل، فالأم لم تكف عن البكاء وتملكها الحزن، أما الأب فهو من تولى مشوار ورحلة ابنته فى العلاج، فكان يحضر بها للمعهد منذ بداية معرفتهم بإصابتها فى أغسطس ٢٠١٥، عندما ظهر ورم فى رقبتها ولم يستجب للعلاج، فطلب الطبيب المعالج أخذ عينة وأشعة مقطعية، وكان الخبر الصادم إنه السرطان، سرطان فى الأجوفة الأنفية، تقبلت الأسرة الواقع وأحسنت الظن بالله.

«ربنا الشافي» جملة بدأ الأب حديثه معنا، وأكمل قائلا: «مشينا مع الله على أمل الشفاء أخذنا بالأسباب، وسعينا للعلاج وكان كلام الأطباء بأنه من أنواع السرطان الخفيفة والبسيطة جزء من الأمل، واستمرت رحلة العلاج تسعة أشهر تلقت العلاج الكيماوى على ١١جلسة، وأتم الله شفاءها فى مارس ٢٠١٦، ونستمر فى الحضور للمعهد القومى للأورام للمتابعة ومضى عام على شفائها وكانت المتابعة كل شهر خلال الستة الأشهر الأولى بعد الشفاء، ثم كل شهرين ثم كل ثلاثة أشهر مع بداية السنة الثانية، والحمد لله تحولت حالة الحزن والبكاء إلى رضا بقضاء الله وتحقق الشفاء».

فى وسط الاستراحة وعلى أحد المقاعد استغرقت فى النوم، وأرهقها تعب السفر، «تغريد محمد» ابنة البحيرة البالغة من العمر ١٦عاما، عانت من سرطان فى الغدد الليمفاوية، وبنبرة يملؤها القلق حكت والدتها رحلتها مع مرض ابنتها التى بدأت منذ عام ٢٠٠٥، وقالت: «بدأنا العلاج فى جامعة طنطا لمدة عامين، وشفيت ثم ارتد المرض وتم تحويلها لمعهد الأورام بالقاهرة وأخذت علاجها وخفت الحمد لله من ٢٠٠٩وبدأنا نحضر للمتابعة كلما تشعر بأى تعب وفى الزيارة الأخيرة طلب الدكتور أشعة مقطعية ومنظار ا فى المعدة ونتعشم فى الله خيرًا» .

بجانب أسرة «تغريد» يقف الحاج جمال، وبصحبته بابنته سلمى أصيبت بسرطان فى الدم فى منتصف ٢٠١٣، وقال عن الرحلة تلك: «ذهبت فى البداية لمستشفى ٥٧٣٥٧لسرطان الأطفال وبعدها حضرنا لمعهد الأورام وأخذت العلاج على ١٢جرعة، والحمد لله شفيت ونتابع منذ سنة ووفر لنا المعهد كل شيء، لكن المشكلة كانت فى قدومنا من مرسى مطروح، ولكن الشفاء خفف علينا عناء السفر وما شعرنا به، بعدما كنا فاقدين الأمل، فكنا نعيش فى صدمة منذ معرفتنا بإصابتها، وكانت أصعب ثلاث سنوات نعيشها هى الفترة منذ معرفتنا بمرضها لدرجة أننى فقدت الأمل فى أنها ستعيش وأن الموت سيحتضنها فى هذا السن الصغير ة، المشكلة الثانية هى أننا عرفنا مؤخرا بإصابتها بفيروس سى من كثرة نقل الدم لها خلال فترة العلاج وتم تحويلنا إلى معهد الكبد ونتمنى من الله الشفاء».

وداخل عيادة العلاج الإشعاعى، جلست «منال» تنتظر دورها ورغم أنها ترتدى النقاب ولم نتعرف على تعبيرات وجهها خلال حكايتها مع السرطان، إلا أن نبرات صوتها ودعواتها لأسرتها وزوجها وأبنائها أكدت أنه هناك قصة، وقالت: «اللى تعبان مش أنا، اللى تعبان هما ولادى وزوجى وكل اللى حوليا، المشكلة إن أنا لفيت كتير وفضلت شهور والدكاترة مش عارفين إنه سرطان، ولما عرفنا التشخيص اتخضيت فى الأول وخفت كمان، وحضرت للمعهد فى ٢٠١٣ وأخذت العلاج وخلصت الجلسات الإشعاعى فى نوفمبر ٢٠١٥ ربنا شفانى الحمد لله، ومن وقتها وأنا أحضر للمتابعة، مشكلتى هى الآثار الجانبية للعلاج، لأنه أثر على الفص الأيمن فى المخ وضعف السمع فى الأذن اليمنى، وأحضر من كفر الشيخ كل أسبوعين أو أسبوع للمتابعة».

على الكرسى المقابل لـ«منال» تجلس سيدة يتضح من ملامحها أنها فى العقد الخامس من عمرها، بجوارها زوجها، وما أن بدأنا الحديث معها حول حكايتها مع المرض الخبيث قالت: «هحكى حياتى بس من غير اسم أو تصوير، منذ ٨ سنوات ظهر ورم فى الشريان الرئيسى فى الرقبة وأجريت جراحة، وبعد مرور كل هذه السنوات وفى ٢٠١٥ظهر ثلاثة أورام فى الغدد، الدكتور وقتها قال العملية صعبة قلت إيد ربنا ستمتد قبل يد الدكتور، إحنا ملناش فى نفسها شيء، فى أول معرفتى بالمرض كنت بألوم ربنا على إصابتى بالمرض المخيف ده، وبعد فترة بدأت أشكره وأطلب السماح والدعاء بالشفاء، والحمد لله أنعم عليا ربنا بالشفاء».

من جانبه قال د.حاتم أبو القاسم أستاذ جراحة الأورام، وكيل المعهد القومى للأورام لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة: رغم استمرار الصورة عن مرض السرطان بأنه المرض المخيف والمميت، إلا أن هذه الصور بدأت فى التحسن تدريجيا، خاصة مع وجود حالات شفاء من السرطان، فمع زيادة الوعى والاكتشاف المبكر تزيد معدلات الشفاء تصل فى بعض الأورام إلى ١٠٠٪ مثل أورام الغدة الدرقية، لكن فى حالة تأخر اكتشاف المرض كأن يأتى فى المرحلة الرابعة تنخفض معدلات الشفاء لنحو ١٠٪، فالإصابة بالسرطان مقسمة إلى أربع مراحل، الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وتكون معدلات الشفاء فى المرحلة الأولى هى الأعلى وتنخفض تدريجيا مع تأخر الحالة.

وكيل المعهد القومى للأورام، أكمل بقوله: عندما نتحدث عن العلاج نقول إنه ينقسم إلى نوعين، النوع الأول العلاج الشافي، فكلما كانت الحالات فى المراحل الأولى يتم علاجه بالعلاج المناسب سواء جراحيا أو كيماويا أو إشعاعيا أو بأكثر من نوع منها حسب الحالة، والهدف من العلاج هو شفاء المريض وبعد الشفاء يمارس حياته بشكل طبيعى، هناك بعض الحالات تتعرض لمضاعفات أو تتعرض لاستئصال جزء أو بتر عضو وفى الغالب هذا لا ينتج عنه خلل فى وظائف الجسم ويستطيع الجسم التكيف مع الوضع الجديد، وفى هذا النوع من العلاج تكون الحالة النفسية للمريض مهمة جدا، لأنه يكون نفسيا غير مستقر لأنه يعرف بخطورة المرض ويحتاج لدعم نفسى وتشجيع، وحالات منهم كثيرة تحتاج لطبيب نفسي، فالعلاج متعب فترة العلاج تستمر فى المتوسط من ستة أشهر إلى ٨ أشهر تزيد إلى أقصى مدة سنة أو سنة ونصف فى الأطفال، لأنه يأخذ جرعات مكثفة على فترات طويلة، وخلال فترة العلاج يحتاج المريض لراحة وعناية أكثر والحفاظ قدر الإمكان وبعد التعرض لأى مصدر عدوي، وبعد نهاية العلاج يمارس حياة طبيعية ووظائف الجسم طبيعية، بالنسبة لمعدلات الشفاء تختلف حسب عدة عوامل، منها نوع السرطان، ومكانه، ونسبة تكاثره ودرجته والمرحلة التى اكتشف فيها المرض، كلها عوامل مؤثرة فى نسب الشفاء، فتوجد أنواع سهل السيطرة عليها ويتحقق الشفاء مثل الغدة الدرقية، وهناك أنواع شرسة وصعب السيطرة عليها مثل سرطان البنكرياس وسرطانات المعدة».

النوع الثانى من العلاج – والحديث لا يزال لـ«د. أبو القاسم»، يكون فى الحالات المتأخرة ويكون الهدف منه ليس الشفاء ويكون الطبيب على علم بعدم شفاء مريض، لكن الهدف هو محاولة تحسين حالته ويعيش حياته بأفضل طريقة ممكنة، من خلال تسكين الألم ومن خلال السيطرة على الورم أطول فترة ممكنة، فعلى سبيل المثال فى أورام البروستاتا المريض قد لا يشفى ولكن أعالجه وأسيطر على الورم لسنوات قد تصل إلى ١٠سنوات فى بعض الحالات وهذه ميزة، فتخفيف الألم ومعاناة المريض هى الأخرى نوع من العلاج، وهذا هو الهدف الثانى بتحسين أداء المريض طول فترة بقائه على قيد الحياة بأقل معاناة ممكنة، والمريض فى هذا النوع من العلاج يحتاج مساعدة أكثر ممن حوله سواء مساعدة نفسية أو مساعدة من حركة وتمريض.