الخميس 18 ابريل 2024

قمة الدولة الوطنية

مقالات8-12-2021 | 15:43

فى الأسبوع الماضى تناولت تحت عنوان (بداية الطريق) الرسائل الإيجابية والإشارات الهامة التى بثتها احتفالية افتتاح طريق الكباش ومن قبلها موكب نقل المومياوات، ورغم هذه الإيجابية والأهمية إلا أن الحدثين كان لهما أثر أكثر عمقا على وجدان الأمة المصرية ويكشفان أن للدولة المصرية فلسفة واستراتيجية صاغتها خارطة طريق من أجل استعادة الهوية المصرية التى تعرضت لعدوان هويات بديلة طوال عقود ماضية.

"بالتأكيد حققت الاحتفالية كل الأهداف وأرسلت كافة رسائلها الإيجابية إلى الداخل والخارج، ولكن هل كانت احتفالية افتتاح طريق الكباش وقبلها موكب نقل المومياوات مجرد دلالة على كل ماتحقق من ورائهما وعلامة على أن هذه الهوية المصرية الأصيلة من حين لآخر تطلق إشارتها الإرشادية فقط؟ أعتقد أن الأهداف المتحققة و الرسائل التى أرسلت لا تعطى للحدثين كامل حجمهما وتأثيرهما العميق فى وجدان هذه الأمة وتحولاتها إلى الأفضل التى تجرى منذ العام 2013، هذا العام المفصلى المرتبط بثورة الـ 30 من يونيو وفى نفس الوقت فإن هذا التأثير العميق للاحتفاليتين فى الداخل لابد أن يغير زاوية الرؤية من الخارج إلى هذه الأمة التى تعيد الاتصال بجذرها الحضارى الأصيل من جديد". 

عندما نستكمل الحديث عن أهمية الحدثين وفلسفة واستراتيجية الدولة فى استعادة الهوية المصرية يجب هنا أن نتوقف عند نقطة زاوية الرؤية من الخارج فكل خطوة تخطوها أمة بحجم مصر تشد انتباه الصديق قبل العدو لأن الجميع يعلم أن حراك هذه الأمة وماتتخذه من قرارات لن يمتد أثره إلى الشأن الداخلى فقط بل سيمتد تأثيره إلى محيط مصر الإقليمى ثم الدولى. 

يمكن متابعة زاوية الرؤية من الخارج للحدثين وخارطة الدولة المصرية القائمة على فلسفة واستراتيجية لاستعادة الهوية المصرية على مستويين المستوى الأول التغطية الإعلامية الدولية لما جرى، والثانى طبيعة المشهد الدولى الذى لايتوقف عن الحركة والصراع وفى نفس الوقت يراقب باهتمام بالغ خطوات الأمة والدولة المصرية فى اتجاه اتصالها بجذرها الحضارى وما سيسفر عنه ذلك من موقف مصرى فى كافة القضايا المطروحة على الساحة الدولية. 

لم تكن التغطية الإعلامية الدولية مرتبطة زمنيًا بالحدث الذى جرى منذ أيام وهو احتفالية افتتاح طريق الكباش بل أغلب هذه التغطيات تناولت قلب الموضوع وفهمت الرسالة فهى استعرضت تفاصيل الحدث وماسبقه من موكب نقل المومياوات وأحداث أخرى على مدار الثمانى سنوات الماضية منذ ثورة الـ 30 من يونيو وربطتها ببعضها البعض. 

ركزت أغلب التغطيات الإعلامية على أن هناك مشروعًا مصريًا واضحًا واستراتيجية تسير وفق خارطة طريق من أجل الاتصال بالجذر الحضارى واستعادة الهوية المصرية، وأن الأمر لا ينحصر فى احتفاليات مبهجة وحسنة التنظيم أو اهتمام بنسق معمارى ينتمى للحضارة المصرية يتجلى بقوة فى كافة المنجزات التى تقوم بها الدولة المصرية.

اتجهت هذه التغطيات إلى حقيقة ماسيحدث وأن الدولة المصرية رسمت خارطة طريق وتنفذها بخطى ثابتة وواثقة من أجل هدف واحد وهو استعادة الهوية المصرية بل أنها الآن وصلت للمرحلة الثانية من هذا العمل بترسيخ هذه الاستعادة. 

بالتأكيد لا يمكن أن يراقب المشهد الإعلامى الدولى ما تقوم به الدولة المصرية من مشروع جبار طال انتظاره منذ زمن بعيد بعين الحياد، فالأصدقاء تابعوا المشروع بانبهارمن قدرة الدولة المصرية على القيام بإدارة مشروع الاستعادة هذا بكل تلك القوة والتخطيط المحكم ولا يعود الأمر إلى مجريات حدث أو مصادفة بل نتيجة لقرار اتخذته الدولة المصرية والقيادة السياسية مستشهدين بمقتطفات من خطاب الرئيس السيسى فى المؤتمر الوطنى السادس للشباب فى العام 2018.

إن المرحلة القادمة من مسيرة العمل الوطنى تفرض علينا وضع الإنسان المصرى فى مقدمة أولويات الدولة وستكون صياغة وبناء الإنسان المصرى هى أحد أهم محاورالعمل فـى الدولة وسيكون مشروعنا القومى الأهم هواستعادة الهوية المصرية إلى طبيعتها الأصيلة بعد أن كادت بعض المحاولات الخبيثة تشوهها والنيل منها من أجل أجندات وأيدلوجيات تعاديها وتريد طمسها وهوما رفضه المصريون وبشكل قاطع.  

أما الأبواق الإعلامية المعروف توجهها وتربصها بكل ماهو إيجابى يحدث على هذه الأرض فقد فرضت عليها طبيعة انتمائها للاستعمار القديم أو الأخرى المستخدمة من قبل الاستعمار الحديث أن تحاول القيام بمحاولة تشويش أو تشكيك كعادتها فى العمل الجبار الذى يتم الآن، ولكن أمام قوة المنجز وإصرار الدولة المصرية على تنفيذ خارطة طريق الاستعادة وقفت هذه الأبواق جامدة على أعتاب التشويش والشك عاجزة عن الفعل ناظرة بعين الضيق لما يحدث.

يعلم جيدًا من يقفون وراء هذه الأبواق ويحركونها أن اكتمال عمل خارطة الاستعادة التى تقوم بها الدولة المصرية يعنى أن المشروع  المصرى يرتفع إلى مستويات من التأثير تمتد إلى كافة المجالات مما يخلق وضعًا جديدًا يعيد صياغة العلاقات والرؤية فى المنطقة والمجتمع الدولى مما يعنى حسابات جديدة فى لعبة المصالح والتوازنات لن تكون فى صالح من يقفون وراء  هذه الأبواق ويحركونها. 
بالتأكيد تشير التغطية الإعلامية الدولية الكثيفة ليس فقط للحدث الأخير وهو احتفالية طريق الكباش بل الربط بين كل الأحداث على مدار الثمانى سنوات أن ما تنجزه الدولة المصرية متابع بعين الفحص والدرس من كافة القوى الدولية لأن العمل الإعلامى لايمثل نفسه أو هو إعلام من أجل الإعلام لكنه انعكاس لرؤية القوى التى يتكلم باسمها.

ندرك هنا أن ماتقوم به الدولة المصرية من اتصال بجذرها الحضارى وإدارة ناجحة لخارطة طريق الاستعادة قادم بقوة فى تأثيره على المشهد الدولى وعند هذا المشهد نجد أننا أمام مشهد ملبد بغيوم من الصراع يصل إلى مستويات حقبة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى السابق لكن طرفى الصراع الآن الولايات المتحدة والصين وأن هناك عملية من الاصطفاف على المستوى الدولى تحاول كل من القوتين تفعيلها لصالحها. 

تتحرك واشنطن الآن وخلال أيام ستطلق قمة افتراضية تحت مايسمى بقمة الديمقراطية والحقيقة أن الولايات المتحدة استهلكت مصطلح الديمقراطية بشكل فج ومستهلك من أجل التغطية على مصالحها حتى أفرغت المصطلح  من معناه ومحتواه وأفقدته قيمته وكان الرد الصينى جاهزًا على ما تطلق عليه الولايات المتحدة قمة "الديمقراطية" فأصدرت بكين ما اسمته الكتاب الأبيض تحت عنوان "الصين.. الديمقراطية الفاعلة" وأوضح الكتاب أن الصين أنشأت وطورت عملية كاملة للديمقراطية الشعبية تتماشى وظروفها الوطنية وأن هذا الشكل من الديمقراطية يتميزبخصائص صينية وهذا النوع من الديمقراطية الشعبية هو ما دفع بعملية التنمية إلى الأمام، وأشار كتاب الصين إلى مايعيق تحقيق الديمقراطية "العقبة الحقيقية التي تقف أمام الديمقراطية لاتكمن في النماذج المختلفة للديمقراطية ولكن في الغطرسة والتحيز والعداء إزاء محاولات الدول الأخرى استكشاف مساراتها نحوالديمقراطية وفي التصميم على افتراض التفوق والتصميم على فرض نموذج محدد للديمقراطية على الآخرين".

بالتأكيد لاتسعى الولايات المتحدة من وراء قمتها لتحقيق الديمقراطية بل هى دعت تايوان إلى القمة من أجل الضغط على الخصم الصينى وغلفت القمة بهذا الغلاف المستهلك من " الديمقراطية " ومن ناحية أخرى فالصين ترى ما وراء هذا الغلاف" الديمقراطى " وتدافع عن مصالحها بشراسة. 

تبدو حقيقة الصراع واضحة بعيدًا عن ثوب الديمقراطية الذى تمزق من كثرة الشد والجذب نتيجة محاولة الجميع ارتدائه، فالحقيقة الواضحة للصراع خاصة من جانب الولايات المتحدة أن هناك محاولة مستمرة لفرض أجندات وهيمنة على المجتمع الدولى من أجل تحقيق المصالح الأمريكية ونخبة العولمة التى تدير القرار الأمريكى الآن والتى تسعى  بكل قوة إلى طمس كافة الهويات و الثقافات المتعددة لأجل فرض أجندة العولمة حتى يفقد العالم أجمع ذاكرته الحضارية ويصبح بلا قرار يحميه من الدوران فى فلك المصالح والعولمة الأمريكية . بمعنى آخر فإن حقيقة الصراع الدائر بعيدًا عن ثوب الديمقراطية المهترئ هو بين  الدولة الوطنية واستقلال قرارها وإرادتها من ناحية وبين عولمة تريد الهيمنة وإنهاء كافة أشكال الاستقلال والهويات الأصيلة. 

تتجلى هنا أهمية المشروع المصرى الوطنى وخارطة الطريق التى تعمل عليها الدولة المصرية لاستعادة الهوية فكل منهما يصب فى تقوية ودعم مفهوم الدولة الوطنية واستقلال قرارها و إرادتها ضد هجمات الهيمنة والعولمة وبالتأكيد هذا الدعم الموجه إلى مفهوم الدولة الوطنية لا يتوقف  أثره على الداخل المصرى فقط بل يمتد إلى المحيط الأقليمى والدولى. 

يعانى العالم والإنسانية الآن من تداعيات مشهد دولى ملبدة سماؤه بغيوم حرب باردة جديدة وصلت شراستها إلى تهديد حياة البشر الذين يواجهون الوباء وأيضًا عولمة تريد سحق الهويات والاستقلال والإرادة الحرة للشعوب.

فى تلك الأيام الفارقة من التاريخ لاتبحث الإنسانية عن قمم زائفة مغلفة بثوب مهترئ من "ديمقراطية" مستهلكة بل هى تبحث عن قمة حقيقية تؤسس وترسخ لقيمة الدولة الوطنية مستقلة القرار والإرادة والتى تحترم الهويات الأصيلة للشعوب.

بعد ما أنجزته الأمة والدولة المصرية طوال ثمانى سنوات منذ ثورة الـ 30 من يونيو التى تصدت لطغيان الفاشية و مكائد العولمة وما حققته من خلال المشروع المصرى وخارطة طريق استعادة الهوية الأصيلة فإن العالم ينتظر من الأمة المصرية دعوة لقمة تجمعه حول ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية المستقلة وستستجيب الشعوب للدعوة ثقة منها فى حضارة ونزاهة وعدالة الدولة والأمة المصرية.