السبت 1 يونيو 2024

وثيقة بنرمان «سيئة السمعة»

مقالات12-12-2021 | 16:40

عندما تقلب أوراق التاريخ لابد أن تتأمل وتدرك أن هناك مواقف وأحداث مفصلية أسست لكل ما يحدث في عالمنا العربي، وأننا نسير دائماً في دوائر مخططات دولية من قديم الزمن وإن تغيرت الأساليب والتكتيكات ولكن الهدف واحد لا يتغير، وفي هذا الإطار أود أن تطلعوا على وثيقة بنرمان الإجرامية الخبيثة عام 1907.

قام حزب المحافظين البريطاني بتوجيه الدعوة إلى كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا ( الدول الاستعمارية حينذاك ) لعقد مؤتمر يتم من خلاله وضع سياسة تحقق توجهاتهم وتوسع أهدافهم الاستعمارية تجاه العالم وبالذات تجاه العالم العربي وفي عام 1907، انبثقت عن هذا المؤتمر وثيقة سرية أسموها "وثيقة بنرمان" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ( هنري كامبل بنرمان ).

خلصت الدول المشاركة في المؤتمر إلى نتيجة مفادها "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار كونه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات، وأن الإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة "يقصد هنا الشعب العربي"، وقد خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات منها ما يخص منطقتنا [الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة].

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشرى قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهي دولة إسرائيل.

وقد شكل هذا المؤتمر النواة الأساسية والتي انبثق عنها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 مخطط التقسيم الأعظم، ووعد بلفور عام 1917، ومؤتمر فرساي عام 1919 وغيرها من المؤتمرات في هذا الشأن، إلى أن تم تتويج المخطط بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 عام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه عام 1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل، إلى أن جاء عام 1949 الذي تبوأت إسرائيل فيه مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو رقم 59 في المنظمة الدولية، ومن هنا أصبحت الفكرة قانون.

ختاماً.. في ضوء ما سبق يمكننا الإدراك بأن ما يحدث في منطقتنا العربية والإقليمية من حالة عدم الاستقرار وتعدد بؤر التوتر في الحقب التاريخية المختلفة ليس من الصدف أو في إطار الأهواء، ولكنه مخطط تبنى ذرائعه باستمرار بشكل يجعلنا دائماً في الصفوف الأخيرة وأن نظل مستخدمين ومتقبلين لكل ما يحاك بنا، فالتاريخ لا يكذب ويضعنا دائماً على حقائق واقعية وشواهد منطقية وأن تغيرت الأحوال وتبدلت الأدوار وتعددت المواقف والرؤى، وأتمنى أن يدركني العمر لأرى دولنا العربية صلبة متفقة متزنة مستقرة لها قلب واحد في ضوء تميز حضارتها ووحدة تاريخها ولغتها وثقافتها وتعاظم إمكانياتها وتسامحها واعتدالها الديني والإنساني بما يمكنها أن تفرض قدرتها على مواجهة تلك المخططات الخبيثة التي لن تتوقف، إلا بأن نوقفها نحن.

 

د. أحمد الشحات

استشاري الأمن الإقليمي والدولي