السبت 8 يونيو 2024

مهرجان المسرح العربي.. 15 عاما من الإنجاز

21-6-2017 | 10:55

د. وفاء كمالو - ناقدة مصرية

شهدت القاهرة وقائع الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربى بمشاركة نخبة من المسرحيين العرب، وقد افتتح وزير الثقافة حلمى النمنم المهرجان بحضور خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، والفنانة سهير المرشدى الرئيس الشرفى للمهرجان، والدكتور عمرو دوارة رئيس المهرجان ومؤسسه.

  كرم المهرجان من مصر كلا من الكاتبين كرم النجار وفيصل ندا، والدكتور سمير أحمد، والموسيقار منير الوسيمى، ومن الجزائر الكاتبة والمخرجة د. حميدة آيات الحاج، ومن السعودية الدكتور سامى الجمعان والفنان على عبد الرحمن. وتشكلت لجنة التحكيم برئاسة الفنانة مديحة حمدى وعضوية ستة مسرحيين: فاطمة الربيعى (العراق)، د. حسن رشيد (قطر)، د. حميدة آيات الحاج (الجزائر)، د .عبد الكريم جواد (سلطنة عمان)، عائشة عبد الرحمن (الإمارات)، أيمن عزب (مصر).

    تنافست أربع وسبعون فرقة للمشاركة فى المهرجان، واختارت منها لجنة المشاهدة 14 عرضا تمثل تجمعات الهواة بكل محافظات مصر، وتمتلك شرعية الانتماء لفن المسرح، وتكشف عن جدية الهواة، وإيمانهم بقضايا الفن والحرية، وذلك ما لاحظته بوضوح من خلال المشاركة بعضوية لجنة المشاهدة، أما العروض العربية فكان عددها تسعة، تمثل تسع دول، وتميزت بمستواها الرفيع، وحرارة قضاياها المطروحة.

   حملت ندوة المهرجان عنوان "هوية عربية وإبداع بلا حدود"، وحققت هدف التجمع العربى، حيث غابت التناقضات السياسية تماما، وكان الفكر الرحب والفن الجميل، هما الأكثر حضورا فى قلب المشهد، وشارك في الندوة مسرحيون منهم حميدة آيات الحاج، وعائشة عبد الرحمن، وحسن رشيد من قطر، وعبد الرحمن بن زيدان ود. نور الدين زيدان من المغرب، ومحمد أحمد إبراهيم من السودان، وسعد المغربى من ليبيا، ود. على الغوينم من السعودية، ود. عبد الكريم جواد من سلطنة عمان، ومجد القصص من الأردن، وراسم منصور وفاطمة الربيعى من العراق ومحمد الروبى من مصر.

   وباستعراض بعض العروض المصرية نلاحظ مدى الجدية والوعى والالتزام، مثل آه ياليل يا قمر لنجيب سرور، ميراث الريح لجيروم لورنس وتيرانس لى، طقوس الإشارات والتحولات ويوم من هذا الزمان لسعد الله ونوس، ساحرات سالم لآرثر ميللر، الكلمة والموت لصلاح عبد الصبور، البؤساء لفيكتور هوجو، حريم النار لفيديريكو جارسيا لوركا عن مسرحية بيت برنارد آلبا. وقد أصبح هواة المسرح يمثلون كيانا حيويا مشاغبا، يفرض وجوده بقوة على واقعنا الثقافى، ويثير قضايا مطروحة على الساحة الفنية حاليا، فمن الواضح أن معظم عروض مسرح الدولة تعتمد الآن بشكل أساسى على الهواة، بمعنى أن الفرق المختلفة تحاول عمل عرض واحد جماهيرى كبير، تنتهى معه الميزانية، ويصبح الحل المتاح هو استكمال السنة عن طريق إعادة إنتاج مجموعة من العروض الشبابية، دون تكلفة مادية، فتضاء المسارح وتسير الأمور بشكل زائف، وعلى مستوى آخر تتصاعد أزمة الممثلين الكبار المحترفين، بسبب عجز مسارحهم عن التعاقد معهم، واللجوء المباشر إلى شباب الهواة، وهكذا أصبحت أزمة أعضاء المسارح تفرض العديد من التساؤلات، وقد تتضح هذه الأبعاد حين نعلم أن عرض شيزلونج، لجامعة عين شمس، عرض ثلاث مرات على مسرح الشباب، أما عرض 1980 لجامعة عين شمس حصل على الجائزة الأولى فى المهرجان القومى للمسرح 2013، وأحدث ردود فعل عالية، دفعت بصانعيه إلى الاحتراف، أما عرض حلم بلاستيك، الذى ينتمى للجامعة، فعرض أكثر من مرة على مسارح الدولة، وكذلك عرض ارليكينيو 2014، الذى أعيد إنتاجه على مسرح الغد.

   من الظواهر الخطيرة التى يشهدها المسرح أن أبطال عرض شيزلونج قد اجتذبهم أشرف عبد الباقى لمسرح مصر، وانحرف بالطبع مسارهم الفنى، وانتقلوا إلى واقع مزيف مغاير، تقتل فيه الموهبة تماما، لكن معادلة الشهرة والأضواء والانطلاق تمتلك سحرا مثيرا، تذهب معه الجدية والموهبة إلى الجحيم. باختصار فإن شباب الهواة يحملون الراية الآن، ومسرح الجامعة يموج بالفن والثراء والإبداع، وهو أكثر وهجا وحضورا من مسرح الثقافة الجماهيرية، الذى يعانى  مشكلات مالية وإدارية لكنه موجود، وله إنتاجه، وهكذا يجب أن يلعب مسرح الدولة دوره، الذى يتجاهله تماما مع الهواة، ويتخلى عن سياسة التضليل والتزييف والمراوغات.

   انتهت هذه الدورة من المهرجان، وكشفت بوضوح أن الدكتور عمرو دوارة، يمتلك حضورا ثقافيا لامعا، فهو صاحب مشروع فكرى وفنى متميز، وهو مؤسسة ثقافية مستقلة، وصاحب إنجاز مسرحى عظيم، تتردد أصداؤه حاليا، على مستوى الوطن العربى مع ترقب صدور النسخة الورقية من موسوعة المسرح المصرى، منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى الآن، وهكذا يصبح ظاهرة مسرحية تثير الجدل والتساؤلات، فهو جزء من شخصية مصر، ومن ذاكرة الفن، منحته إنجازاته وضعية خاصة فى الواقع المسرحى العربى بشكل عام، وإذا كان المخرج فى داخله هو نتاج إدراكه العميق لفلسفة الهندسة، ومعنى الخطوط والزوايا والمنحنيات، وكذلك وعيه بفلسفة الفنون، وجماليات المسرح والثورة، وأحلام الإنسان، فإنه هو أيضا الناقد الذى كتب مئات المقالات والدراسات والأبحاث، فى الصحف والمجلات، وقام بتقديم العديد من الدراسات الجادة، والمؤلفات المسرحية ذات القيمة الرفيعة. وقد ارتبط اسمه ارتباطا وثيقا، باسم الجمعية المصرية لهواة المسرح، التى أسسها عام 1982 لتضم هواة المسرح فى كل محافظات مصر، وهى تجمع بين هواة التمثيل والإخراج والديكور والنقد، وقد بلغ حجم المشاركة عند التأسيس نحو ثلاثمائة عضو، وصلوا الآن إلى أكثر من أربعة آلاف عضو، وتضم الجمعية خمس عشرة فرقة مسجلة ومشهرة.

   وقد انتخب دوارة رئيسا للجمعية لمدة سبع سنوات غير متصلة، وتولت شخصيات أخرى رئاسة الجمعية، مثل كرم مطاوع، وعمر نجم، ومجدى مجاهد، ود. أحمد شفيع، وعصام عبد الله. وتنظم الجمعية دورات متخصصة، ومحاضرات وندوات ومهرجانات سنوية، وكان لها السبق فى إقامة أول مهرجان للمونودراما عام 1984، وأول مهرجان للمسرح التجريبى عام 1986، ثم مهرجانات للمسرح الضاحك، المسرح الاستعراضى، المسرح الشعبى ومسرح الطفل. كما نجحت فى تنظيم مهرجان المسرح العربى، الذى امتدت دوراته الناجحة، ووصل إلى الدورة الخامسة عشرة هذا العام 2017، فأصبح حدثا ثقافيا رفيع المستوى يضم المفكرين والمثقفين والنجوم والفنانين والإعلاميين من مصر والعالم العربى، لتصبح قضايا الوطن حاضرة بقوة فى تفاصيل الندوات واللقاءات، وإذا كانت فلسفة الجمعية تتجه نحو صياغة أجيال جديدة، تدرك معنى الحرية والوطن والانتماء، فمن المؤكد أن الإقبال على المشاركة، هو تحقيق لأهداف اجتماعية وفكرية وأخلاقية وفلسفية ونفسية، ستأتى بثمارها الخصبة فى المستقبل.

   وقامت سهير المرشدى وعمرو دوارة ومديحة حمدى بتوزيع جوائز المسابقة، وحصلت مسرحية نقطة ومن أول امبارح، لكلية الهندسة جامعة المنصورة، على ثلاث جوائز (أول إخراج لعبد البارى سعد، وأول تأليف لأبانوب نبيل، وأفضل ممثل لأمير عبد الواحد)، أما مسرحية حريم النار لفرقة بنات حوا، فحصلت جائزتين (ثاني إخراج وثالث أفضل عرض)، وحصلت مسرحية عفوا أنا المؤلف، على جائزتين (أفضل موسيقى وأفضل ممثل مساعد)، ونالت مسرحية آه يا ليل يا قمر لكلية التربية جامعة المنصورة جائزتين، أما مسرحية الطوق والأسورة فقد حصلت بطلتها منى عبد الرازق على جائزة أفضل ممثلة. وفاز "طقوس الإشارات والتحولات" لكلية التجارة جامعة عين شمس بجائزتين (جائزة أفضل عرض   وأفضل سينوغرافيا لمحمود الفاضل)، أما مسرحية الراقصة والبلياتشو ففاز أحد أبطالها (خالد إبراهيم) على المركز الثالث تمثيل، أما جائزة لجنة التحكيم فقد ذهبت إلى مسرحية العطر لجامعة أسوان.