الأربعاء 5 يونيو 2024

الإخوان.. العداء بصناعة الأزمات

21-6-2017 | 12:42

بقلم –  ثروت الخرباوى

عام ١٩٩٢ ولا زالت شعبية مبارك عند حدها المعقول، وجماعة الإخوان فى قمة الانسجام والتحالف مع مؤسسات الحكم، فقد دخلوا النقابات المهنية وبدأوا فى السيطرة عليها، وأخذوا يفرضون نفوذهم على بعض الأندية الرياضية الكبرى، وسيطروا على آلاف المساجد فى كل مصر لا ينافسهم فى ذلك إلا السلفيون من آل الحوينى ويعقوب وحسان، ودخلوا بالهناء والشفاء فى معظم مؤسسات الدولة، وهكذا دواليك، فظن الإخوان أن الأيام رخاء، ولكن مأمون الهضيبى كان له رأى آخر.

 

لم تكن قضية سلسبيل الشهيرة قد ظهرت فى الأفق بعد، ولم يجر فى خاطر أحد من الإخوان أن الأيام دِوَل، وأن دولة الإخوان ستدخل فى مشاكل جمة مع دولة مصر، وأن مبارك سيحيل قياداتهم المجموعة وراء المجموعة إلى المحاكمات العسكرية بهدف قصقصة ريشهم وإضعاف قوتهم ليس إلا، ولكن مأمون الهضيبى كان قد تعلم من أبيه حسن الهضيبى أن التحالفات لا تدوم، والصداقات لا تمتد، والصفقات لا تستمر، لذلك قرر الهضيبى الابن أن يكلف عددا من الإخوان النقابيين بإعداد دراسات موضوعها: «الإخوان ومبارك بعد انتهاء التوافق»، وبالفعل عكفت مجموعة متميزة من الباحثين فى إعداد تصوراتهم عن ماذا يجب أن يفعل الإخوان عند انتهاء التوافق مع مبارك ونظامه، وتبادل الباحثون فيما بينهم بعد ذلك الأبحاث ليقرأ كل واحد منهم ما كتبه الآخرون، ثم تم عقد ورشة عمل فى أحد المقرات السرية للإخوان فى منطقة الألف مسكن، واستمرت ورشة العمل يوما بطوله من بعد صلاة الظهر إلى بعد صلاة العشاء، ولمَّا كان الباحثون لم يكونوا قد فرغوا بعد من إعداد صيغة نهائية للأفكار التى تبلورت فى هذا اليوم الطويل، لذلك أصدر لهم الهضيبى قرارا باستكمال الورشة فى مدرينة رأس سدر، حيث تم الاتفاق مع بعض الإخوان الذين يعملون فى شركة سياحية حكومية كبرى تمتلك عددا من الفيلات الضخمة على شاطئ مدينة رأس سدر، على استئجار أكبر «فيلا» على البحر لتكون مقرا لورشة عمل جديدة تستمر يومين، وانعقدت الورشة إلا أن خبرها وصل إلى مكتب مباحث أمن الدولة فى رأس سدر فكانت المداهمة.

لم تكن المداهمة المباحثية للمكان مثل المداهمات التى حدثت للإخوان بعد ذلك، ولكنها كانت سهلة وبسيطة وكأنها زيارة ودية من أصدقاء لأصدقاء، وفى هذه الزيارة طلب العقيد القائم على أمر المداهمة أن يصطحب معه لمكتبه أحد الحاضرين من الإخوان للتفاهم بشأن وجودهم فى المكان، فذهب معه واحدٌ من شباب الإخوان البارزين ـ وقتها، حيث أصبحوا عجائز بعد ذلك ـ ولم يستغرق الأمر أكثر من ساعة عاد القيادى الإخوانى الشاب بعدها لإخوانه وأخبرهم أن أمن الدولة كان عاتبا عليهم أنهم لم يستأذنوهم قبل المجيء لرأس سدر، وأن هذا الوجود المفاجئ لهم سبب حرجا كبيرا لمكتب رأس سدر، وأخبره القيادى الشاب أنها رحلة استجمام عادية، لذلك لم يفكروا فى إخبار أحد أو استئذان أحد، وأنهم يقضون وقتهم فى عمل جلسات عصف ذهنى تستهدف البحث عن حلول لمشاكل وأزمات مصر، وانتهى الأمر على ذلك، إلا أن الورشة بطبيعة الحال لم تكن بخصوص البحث عن حلول للأزمات، ولكنها كانت عن كيفية صنع الأزمات والمشاكل للدولة، وبالفعل وضعت تلك القيادات الشابة منظومة متقنة لكيفية صنع أزمات، وبعد العودة تم عرضها على مأمون الهضيبى فأصدر الرجل قرارا بعقد جلسة موسعة بينه وهؤلاء القيادات ليناقشهم فى ما انتهوا إليه، على أن تكون الجلسة فى فيلا ضخمة بمرسى مطروح مملوكة لأحد القيادات الكبرى للجماعة تقع بالقرب من شاطئ عجيبة.

وبسهولة انعقد اللقاء فى الموعد المضروب، وانشرح صدر مأمون الهضيبى بما وصلت إليه القيادات الشابة، وكان الطرح الذى تبلور فى صيغة نهائية هو إعداد لجنة تتبع مأمون الهضيبى بشكل مباشر بعيدا عن كل أقسام الجماعة، تكون مهمتها صنع أزمات للنظام، واستغلال الأزمات القائمة، وتوجيه العقلية الجمعية للجماهير ناحية السخط من النظام، وأظن أن نظام مبارك تعاون مع الإخوان فى خطته تلك تعاونا عظيما إذ كان يصنع لنفسه الأزمات، والخصوم، وكان يدفع الرأى العام دفعا للسخط عليه والغضب منه، ولكن خطة الإخوان بدأت، واستطاع الهضيبى إبعادها عن خيرت الشاطر، فلم يقم بحفظها فى الكمبيوتر الرئيسى فى شركة سلسبيل التى داهمتها الشرطة بعد ذلك وصنعت منها أول قضية للإخوان عام ١٩٩٣، وبالتالى لم يستطع الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد نشرها فى سبقه الصحفى فى المصور وقت أن انفرد بنشر وثائق قضية سلسبيل. نعود إلى بداية تنفيذ خطة استغلال الأزمات، حيث صنعت الظروف حدثا هاما فى تاريخ مصر اعتبره الإخوان فارقا بالنسبة لهم فى خصوص قدرتهم على الانتشار وسط الجماهير وإظهار النظام بمظهر المُقصر الفاسد، وكان هذا الحدث هو زلزال أكتوبر عام ١٩٩٢ الذى استطاع الإخوان استغلاله لصالحهم وضد النظام بامتياز.

كان ذلك عندما استطاع الإخوان التواجد فى المناطق الشعبية المنكوبة من جراء الزلزال، وقدموا للمضرورين خياما يقيمون فيها، وكتبوا على الخيام عبارة مأخوذة من حديث هى «كان الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه» وأسفلها توقيع الإخوان وشعار المصحف والسيفين، والغريب أن الحكومة لم تمانع فى ذلك، بل كانت تأخذ من الإخوان خيامهم وتقوم هى بتوزيعها فتتحمل الحكومة مشقة التوزيع، وينال الإخوان الشهرة، وبعد ذلك بدأت فاعليات أخرى متعلقة بتحويل الإنجازات إلى كوارث، وكان أول عمل بدأه الإخوان فى هذا الخصوص هو قضية طابا التى كانت مصر قد استردتها عام ١٩٨٩ عن طريق التحكيم الدولي، وكانت لجنة التحكيم المصرية على أعلى مستوى من الحرفية والقدرات، ولما كانت خطة الإخوان بُدئا أصلا فى تنفيذها بعد استرداد طابا بأربع سنوات، لذلك كان المستهدف منها هو تشويه القضية نفسها وتحويلها إلى قضية فساد، وإظهار طابا بصورة البؤرة التى سيستغلها اليهود لنشر الدعارة والمخدرات، وأن بقاءها تحت سيادة إسرائيل كان أجدى لمصر بدلا من الإنفاق عليها، ثم أخذ الإخوان يشيعون فى جريدة حزب العمل وفى جرائد حزب الأحرار التى كانت تحت أيديهم مثل جريدة الأسرة العربية وجريدة آفاق عربية بأن المحكمين تقاضوا أتعابا من مصر قدرها مليار جنيه أخذ شخص سيادى نصفها لنفسه «يقصدون مبارك» وظلت الآلة الإعلامية للإخوان تقصف طابا بالشائعات وكأنها أرض يهودية، أما أم الغرائب فهو يوم أن وجه أحد القيادات الإخوانية الشابة سؤالا للهضيبى فى حضور كل أعضاء لجنة صنع الأزمات: ماذا لو كانت مصر قد خسرت قضية طابا؟ فقال الهضيبي: كانت المسألة ستكون أسهل، لأننا وقتها كنا سنتهم النظام بالتفريط فى أرض مصرية، وكنا سنوجه إليه اتهامات بالخيانة العظمى.!

وعندما بدأ الدكتور يوسف والى فى وضع نظام جديد للزراعة فى مصر فى التسعينيات كانت الفرصة سانحة للإخوان، إذ وضعت لجنة الأزمات فى الجماعة تصورا لكيفية تحويل خطة والى إلى كارثة على الزراعة فى مصر، وعقدت حينها لجنة الأزمات لقاءات كثيرة لبعض كبار الزراعيين من الإخوان سواء من أساتذة كلية الزراعة أو من العاملين فى مجالات استصلاح الأراضى وأفهموهم خطة الإخوان الرامية لتشويه الأسلوب الزراعى الذى اتبعه والى كانت المفاجأة أن معظم الزراعيين الإخوان امتدحوا لهم ما فعله والي، وفى المناقشة سألهم مسئول لجنة الأزمات: ألن يضر الكيماوى صحة الشعب؟ فقال لهم محمود غزلان الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق وعضو مكتب الإرشاد فيما بعد: الكيماويات مستخدمة فى الزراعة فى العالم كله، كما أن النسب التى يتم استخدامها فى مصر من الكيماوى هى النسب المسموح بها دوليا، ومصر بناء على ذلك تقوم بتصدير الفاكهة والخضروات التى تتلقى معالجة كيماوية إلى أوربا، ولو كان فيها عيب لامتنعت أوربا عن الاستيراد، فما كان من مسئول لجنة الأزمات إلا أن قال: ولكننا نريدها تضر بالشعب المصري، ونريد الإساءة إلى سمعة تلك المنتجات الزراعية حتى تمتنع أوربا عن استيرادها من مصر، فتخسر مصر بذلك أسواقا وسمعة ومليارات، وأن هذا هو ما يريده الإخوان، فسألة محمود غزلان: وماذا إذا لم يكن يوسف والى لم يستحدث أساليب الزراعة ونوعية المنتجات، ماذا كنا سنقول: قال المسئول: كنا سنقول إنه أضر بالزراعة وإنه ما زال يستخدم الأساليب العتيقة التى تخلص منها العالم وأن إسرائيل سبقتنا فى الزراعة بمراحل، وهكذا... أهكذا؟!.

ووضع محمود غزلان وفريق زراعى إخوانى معه خطة تشويه يوسف والى وأساليبه، وأطلقوا عليه أكبر كم من الشائعات، بحيث أصبح هذا الرجل صاحب النصيب الأكبر من التشويه، حيث أصبح تارة من أصل إيرانى وأنه بهذه المثابة من المجوس، وتارة أخرى اتهموه بالشذوذ لأنه لم يتزوج، وثالثة اتهموه بالصهيونية وأنه ينفذ خطة صهيو أمريكية تستهدف القضاء على صحة الشعب المصري، وكانت معظم هذه الشائعات يتم نشرها فى جريدة الشعب لسان حال الإخوان وحزب العمل، ومن أجلها أقام يوسف والى جنحة قذف ضد مجدى حسين واستصدر ضده حكما بالحبس، وفى تلك الفترة سعى الدكتور نعمان جمعة محامى الدكتور والى وصديقه الشخصي، سعى لدى الإخوان لتكف عن حملتها ضد والي، وكان مبعوث التفاوض هو أحد المحامين الإخوان الذين كانوا يعملون فى مكتب نعمان جمعة وهو ابن أخ عصام العريان، إلا أن مساعى الصلح فشلت فقد ذهب عصام العريان لمكتب الدكتور نعمان وقال له إن المستشار مأمون يقول لك إن هذه الحملة ليست ضد يوسف والى بشخصه، فليس بين الإخوان وبين والى شيء يوغر صدرهم منه، ولكن هذه الحملة ضد مبارك ونظامه، وخذ عندك بعد ذلك كل الأزمات والمواقف السياسية التى قام بها مبارك، حتى ولو كانت مواقف إيجابية، كيف حوَّلها الإخوان ضده، ومن ذلك يوم أن ضربت إسرائيل محطات الكهرباء فى لبنان فى فبراير من عام ٢٠٠٠ وكانت المفاجأة أن ذهب مبارك إلى لبنان زائرا ومتضامنا وداعما لها، واضعا يده فى يد إميل لحود رئيس لبنان آنذاك، ومهددا إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل وقتها، وقد أصابت هذه الزيارة العالم بنوبة صحيان واهتمام بلبنان التى كانت إسرائيل تسعى لتخريب البنية التحتية لها، كما أن هذه الزيارة كانت أول زيارة من حاكم مصرى للبنان منذ أن زارها إبراهيم باشا عام ١٨٣٢! ولكن ماذا قال الإخوان بخصوصها.

كانت أصداء هذه الزيارة فى الدول العربية كبيرة، لذلك كان جهد الإخوان هو تشويه هذه الزيارة فى عيون العرب، فنشروا فى الصحف العربية المختلفة أن هذه الزيارة إنما كانت ليفرض مبارك على لبنان شروط إسرائيل، وقال إخوان آخرون فى جريدة القدس العربى إن مبارك أصدر تصريحات قال فيها إن مصر لن تحارب نيابة عن لبنان، وأن هذا التصريح يعتبر تخليا من مصر عن دورها القومى العربي، ورغم أن مبارك قال ذلك ولكنهم أخرجوا تصريحه من سياقه، واجتزأوا العبارات، وأقاموا عليها تحليلات لا علاقة لها بما قاله فعلا.

كل ما ذكرته هنا هو من باب ضرب الأمثلة فقط لا من باب حصر الحالات التى استغلها الإخوان، المهم أن منهجهم فى هذه الخطة هو تحويل أى إنجاز سياسى إلى كارثة وتمرير تلك الأفكار إلى الوسط السياسى والتيارات الفكرية والحزبية، ولأن الكل كان قد بدأ فى الدخول مع مبارك فى أزمات، لذلك كانت كل النخب السياسية والحزبية والثقافية مجرد أداة طيعة فى يد الإخوان يحركونها كيفما شاءوا وأينما كانوا، والنخب تتلقى من الإخوان وتبدأ فى الثرثرة، ثم تنتقل الثرثرة للشعب، ثم تزيد حالة السخط، ونظام مبارك يساعدهم فى كل ذلك بتهيئة تُربة الفساد والفشل والمحسوبية، وتولى على إدارة لجنة الأزمات قيادات شابة أصبحت الآن طاعنة فى السن مثل عصام العريان، ومحمود حسين، ومحى حامد، وجمال حشمت، وتوالت الأحداث التى نعرفها جميعا إلى أن قامت الثورة فاتجهت الأحداث إلى مسار آخر.

كان ذلك عندما أصبح محمد كمال عضوا بمكتب إرشاد الإخوان، وبدأ فى تنفيذ خطة إنشاء اللجان النوعية، وكانت تلك اللجان مختصة بالعمل العسكرى والتدريب الرياضى والتدريب على الأسلحة وخلافه، وقد يكون لنا حديث آخر عن تفصيلات تلك اللجان وكيفية إدارتها، ولكن ما يعنينا هنا هو أن محمد كمال طلب من المرشد بديع أن يُسند إليه إدارة لجنة الأزمات، وبرر ذلك بأنه أولى بإدارة هذه اللجنة وأنها يجب أن تصبح قسما بدلا من لجنة فرعية، وأن هذه اللجنة بإسنادها إليه ستساعده على إنجاز أعمال اللجان النوعية التى يرأسها، ووافق محمد بديع وأصبح محمد كمال رئيس قسم صنع الأزمات، وحينما انتهت حياة محمد كمال أثناء مواجهته المسلحة مع الشرطة، عثرت جهات التحقيق القضائية فى وكره الذى مات فيه على وثيقة تحت عنوان: «لجان صُنع الأزمات» وهى عبارة عن عدة لجان مختلفة وضع لها كمال خطط حركة، ومن هذه اللجان:

لجنة تأزيم المرور: على كل مجموعة من الإخوان فى كل منطقة العمل على تأزيم الأزمات المرورية عن طريق التوقف بسياراتهم فى الطرق وقت الاختناق المروري، والادعاء بأن السيارات بها عطل، ولمن لا يملك سيارة يجب أن يقوم باستئجار سيارة لتنفيذ التأزيم، ويفضل التواجد معا بشكل مكثف فى مداخل محطات البنزين التى تطل على شوارع ضيقة لاصطناع عدة أزمات، منها أزمة مرور، ومنها العمل على نشر شائعة بنقص البنزين أو زيادة سعره، ويستحسن أن يكون هذا التأزيم فى الأيام من الإثنين للخميس، وقت الصباح الباكر، وعند الظهر.

لجنة تأزيم الخدمات: وهى خدمات الكهرباء والمياه والغاز، فعلى كل فرد من الإخوان الامتناع عن سداد فواتير تلك الخدمات والتحايل فى هذا الأمر بشتى الطرق، ولا يسدد الأخ إلا إذا كان مرغما، وعلى المهندسين والفنيين المتخصصين الذين يعملون فى تلك الجهات العمل على تعطيل المحابس الرئيسية للغاز فى المناطق التابعة لهم وتعطيل الكهرباء والمياه، ومن الأفضل إحداث أضرار كبيرة فى مواسير المياه والصرف الصحي، وكابلات الكهرباء والاستيلاء على ما يستطيعه الأخ الفنى منها.

لجنة تأزيم الخدمات الشرطية: ينبغى وضع الشرطة فى حالة إنهاك تام عن طريق تقديم بلاغات وهمية عن قنابل مفخخة فى المحاكم أو المصالح الحكومية، كما يجب أن يتم الإبلاغ عن وجود إخوان وخاصة القيادات المختفية، فى أحد بيوت شخصية من الشخصيات المحبوبة فى المنطقة، فإذا جاءت الشرطة واقتحمت المكان لن تجد الإخوان ولكنها ستصطحب صاحب الدار للتحقيق معه، وهذا الأمر سيصنع أزمات بين المواطنين والشرطة ويعيد للأذهان قصة زائر الفجر.

  أما الأهم من ذلك كله فهو أمر ينبغى أن نشرحه بالتفصيل ولا نكتفى بالإشارة إليه، وهو تأزيم الاقتصاد، وقد نصت الوثيقة على أن تأزيم الاقتصاد هو أهم عنصر من عناصر التأزيم وبه تسقط دول، ولكن لهذا الأمر تاريخ من الخبرات التى اكتسبها الإخوان خلال سنوات طويلة، يبدأ هذا الأمر من خطة السيطرة على الاقتصاد، لأنك لو سيطرت على اقتصاد دولة فإنك تستطيع أن تصنع لها ما تشاء من أزمات، وتدخلها فى إخفاقات.

وكان محمد كمال قد وضع أطر خطة أخرى فى غاية الإحكام هى وسائل وكيفية تحويل إنجازات النظام السياسية إلى فشل كبير، واستخدام اللجان الإلكترونية فى ذلك، ومنها إظهار العاصمة الإدارية الجديدة بأنها كارثة الكوارث ومحطة من محطات الفساد، والسخرية من كل المشروعات الجديدة وإظهارها بأنها عبث لا فائدة منها وأنها ستسبب خسائر كبيرة لمصر، ولكن أطرف ما فى الموضوع كله هو الطريقة التى قام محمد كمال من خلالها باستغلال زيارة الملك سالمان لمصر «التى تمت منذ عام وثلاثة أشهر» تلك الزيارة التى تم الاتفاق فيها على إنشاء جسر بين مصر والسعودية، وتم فيها أيضا اتفاق ترسيم الحدود إلا أن أخباره التفصيلية لم تكن قد وصلت للإعلام بعد، وكانت طريقته هى أنه طلب من أحد الإعلاميين التابعين له أن يظهر فى برنامج بإحدى قنوات الإخوان فى تركيا كى يقول إن هذا الجسر لن يتم، وأن سبب ذلك هو أن هناك جزيرتين سعوديتين اسمهما «تيران وصنافير»! وأن تلك الجزيرتين السعوديتان عليها قوات إسرائيلية!، وأن السيسى لن يستطيع إخلاء قوات إسرائيل منها لأنهما ليستا مصريتين!! وقام الإعلامى الإخوانى بهذا الأمر بالفعل ولا زال هذا الفيديو متاحا على اليوتيوب حتى الآن! أما باقى خطط محمد كمال فقد كانت ترمى إلى إيجاد تحالف مع بعض المعارضين مثل بعض فصائل الناصريين، وأيضا مع الاشتراكيين الثوريين، وترتيب الأمور بينهم من أجل إقامة تظاهرات مشتركة، ولكن مقتل محمد كمال حال دون نجاح أى فاعليات أو تظاهرات، خصوصا أن قيادات الفصائل الناصرية كانت تسير فى اتجاه التحالف مع الإخوان، فى حين كانت قواعدهم ترفض المشاركة فى أى مظاهرة سيكون فيها الإخوان، وكان أبرز الفشل هو ما حدث فى ١١/١١ وسيظل الفشل ملاحقا لهم، وتلك قاعدة ربانية وقانون من قوانين الكون، وقد أورده الله سبحانه فى الآية الكريمة «إن الله لا يُصلح عمل المفسدين» ولو فكر الأتباع الأغبياء، أقول «لو» فكروا مع إن «لو» تفيد امتناع ما بعدها، لو فكروا لعرفوا يقينا لماذا يفشلون دائما، يفشلون لأنهم مع كيان فاسد يسعى للإفساد، لذلك لم يُصلح الله لهم أعمالهم.