لدي شعور جارف نحو سماع صوت الإذاعة المصرية وبرامجها في الصباح الباكر، وصوت أمي الحنون وهي تحاول إيقاظي من النوم، بينما صوت الراديو يتسرب من جواري إلى أذانها، وموسيقي تترات البرامج الصباحية تعزف ألحانها السريعة، أحن وأشتاق إلى تلك الصدف التي تجمعني بأصدقائي في مرحلة الطفولة والصبا والجامعة.
كثيرا ما أتذكر رحلات الجامعة، إلى شواطئ الإسكندرية وغرامي بها، وألحان وأغاني فترة التسعينات، وتعليقات والدتي عليها ومقارنتها بين أغاني جيلي وألحان فريدة الأطرش وكلمات قصائد الست أم كلثوم، وبالرغم من إعجابي بأغاني جيلي، إلا إنني لم أعرف معني الحب إلا وأنا استمع إلى أغاني الست، وأغاني فيروز في ليالي الشتاء.
استمتعت أنا وأصدقائي بسينما يوسف شاهين، والخروج بشكل خاص إلى قاعات السينما لمشاهدة فيلم جديد له وفك رموزه ومحاولة فهمه والعودة من جديد لحفلة آخري لمشاهدة الفيلم نفسه، كنا نخرج معا ونجلس إلى جوار بعضا البعض، لم يكن هناك تلك التكنولوجيا التي وضعتنا جميعا في عزلة اختيارية، كانت حياتنا تفاعلية واقعية لم نعرف ما يسمي بالواقع الافتراضي، كان لدينا أحلام حقيقية في الحياة والحب والعمل تحقق بعضها وبعضها ما يزال على قائمة أماني العام الجديد.
اليوم أتمنى العودة لحياة بلا منصات اجتماعية بلا تطبيقات إلكترونية، أتمنى أن أعود لمرحلة الكتابة على الورق، العودة لقراءة الكتاب بعيدا عن الشكل الإلكتروني، أتمنى أن يعود مهرجان القراءة الجميع وتبادل الكتب مع أصدقائي، والاستماع من جديد لإذاعة البرنامج الثاني في الراديو التي كانت تبث مسامع من مسرحيات عالمية شكلت جانب مهم من حجم وثقافة جيلي.
أتمنى في العام الجديد الخروج من قفص التكنولوجيا إلى الحياة من جديد، أتمنى لكم حياة خاصة بعيدا عن عيون المتلصصين عبر تلك التطبيقات التي دفعت فتيات صغيرات لتقديم محتوي مهين لهن ولأسرهن، أتمنى أن تعود حياتنا إلى نقطة الاتزان، أتمنى ألا تكون أموال الإنترنيت هي هدف الشباب، أتمنى أن تصبح مصر وطنا للبحث العلمي.
كنت أعشق الصحافة و أنا أطالع أعمدة و كتب لكبار الصحفيين، مثل مصطفي أمين و محمود السعدني و صلاح الدين حافظ و جلال الدين الحمامصي و محمود عوض و مصطفي شردي، كان حلمي الكبير هو الدخول إلي بلاط صاحبة الجلالة، و اليوم أتمني أن أري من جديد قامات بحجم من طالعت كتباتهم و تعلمت من كتاباتهم الكثير، أتمني أن يعود القراء إلي الصحافة المطبوعة من جديد، بعد أن يتطور شكلها وتقدم محتوي جديد مختلف عن الشكل التقليدي الحالي، وتقديم قصص خبرية بصياغة ممتعة أن تعود الصحافة من جديد عنوان للتنوير، بعيدا عن ثقافة الترند.
أمنياتي للعام الجديد أحلام مؤجله لكنها ممكنه، تمنياتي أن تعود الكلمات الرقيقة و الألحان العذبة و الأصوات الراقية و تطرد ما يسمي بـ "المهرجانات" خارج دائرة الضوء، تمنياتي أن أري عام خالي من متحور كورونا، تمنياتي أن ندخل جميعا للعام الجديد بقلب طفل يكن الحب للجميع، تمنياتي بعودة جميلة لمشاعر طيبة تجاه بعضا البعض علي غرار عالمنا "لما كنا صغيرين"، تمنياتي لكم بحياة خالية من أزمة النيش التي يمكن أن تدمر حياة عروسين، تمنياتي لكم بعام خالي من حوادث قتل الأرحام و الأزواج و الزوجات، تمنياتي لكم بعام خالي من الأحلام المؤجلة عام تحققون فيه أحلامكم دمتم سعداء.