الأربعاء 15 مايو 2024

وائل الدسوقي في حوار لـ«بوابة الهلال»: لم أتوقع فوزي بجائزة الدولة التشجيعية للآداب

21-6-2017 | 17:48

قال الدكتور وائل إبراهيم الدسوقي، الكاتب والباحث في التاريخ الحديث والمعاصر، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية للآداب فرع التاريخ، أنه لم يكن يتوقع فوزه بالجائزة، كما أنه أعد كلمة لتهنئة الفائز.

وأكد في حواره لبوابة "الهلال اليوم" أن البحث العلمي في مصر يواجه أزمة كبيرة، كما أفصح في حواره عن مشروع بحثي أوشك على الانتهاء منه قريبا، إليكم نص الحوار..

 

*في البداية.. حدثنا عن الكتاب الفائز "تاريخ علم المصريات"

-فكرة الكتاب الأساسية تعود لأستاذي الدكتور أحمد زكريا الشلق أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، حينما اقترح عليَّ توسيع جزء من رسالة الدكتوراه كان يتحدث عن مؤسسات الآثار التاريخية في مصر وإضافة موضوعات له ومناقشتها بتوسع أكثر، فاستحسنت الفكرة وبدأت العمل عليها لفترة تجاوزت السنة ونصف وهي فترة قصيرة لإنجاز عمل علمي، لكن تحمس أستاذي ورغبته في رؤيته بسرعة جعلني أتفرغ للكتابة حتى انتهى بتلك الصورة التي تعتبر أول معالجة لتاريخ علم المصريات من باحث مصري متخصص في التاريخ الحديث، فقد كان التأريخ لهذا العلم حكر على الأجانب فقط. وقد اعتمدت في معلوماته على المصادر والوثائق الأصلية المحفوظة في الأرشيف الوطني المصري، وكذلك معاجم الآثار والأقاليم الجغرافية، ومجموعات الكتب الطبوغرافية وكتب التاريخ والآثار والمقالات العلمية المتخصصة أجنبية وعربية، فضلا عن قوائم المتاحف والتقارير السنوية للحفائر والكتب التذكارية، وتقارير الأكاديميات والجمعيات العلمية في مصر وخارجها.

وتم تقسيمه موضوعيا بطريقة تهدف بشكل خاص إلى تعريف القارئ العادي والمتخصص بهذا الجانب المهم من التاريخ العلمي والثقافي لمصر، وبأفكار أساسية شكلت في مجملها فصول تلك الدراسة، مثل مناقشة فكرة تحول علم المصريات من الخرافة إلى العلم، وتطور الوعي بضرورة حفظ الآثار المصرية وحمايتها، والتطور التاريخي لمتاحف آثار مصر القديمة والآثار اليونانية والرومانية والإسلامية، ثم الحديث عن مدارس ومعاهد وجمعيات استكشاف التاريخ والآثار المصرية، وسرد السير الذاتية لأهم علماء الآثار والتاريخ من الأجانب والمصريين.

 

*كيف جاءت مشاركتك في المسابقة وهل كنت تتوقع فوزك بالجائزة ؟

-شاركت كغيري من الزملاء وانتظرت النتيجة، لكنني للنهاية لم أكن أتوقع فوزي نظرا لتوفر الأعمال الجادة التي تستحق والتي تخرجها المطابع كل يوم، والطريف في الأمر أنني كنت قد أعددت كلمة لتهنئة الفائز في مجال تخصصي أيا كان، وكانت معدة للنشر حال سماعي النتيجة النهائية.

 

*هل ترى أن البحث العلمي بشكل عام في مصر يواجه أزمة؟

-بالطبع يواجه البحث العلمي في مصر أزمة كبيرة، يشترك فيها أكثر من طرف، الدولة والجامعات من ناحية، والباحث نفسه من ناحية أخرى. فالبحث عبارة عن حلقة متصلة من العثرات، التي ما أن قام الباحث من واحدة حتى تعثر في أخرى. وتتحمل الدولة العديد من أسباب وقوع الباحث في مطبات ومشاكل أثناء عمله، فمنظومة البحث العلمي في مصر كلها ضعيفة، ولا تساعد على تنميته بما يعود بالنفع على الوطن، فلا مراكز أبحاث مجهزة بحيث تحقق كافة متطلبات الباحث، ولا قواعد بيانات علمية كاملة متوفرة يستطيع الباحث الاعتماد عليها لإخراج بحث عالي الجودة، ولا ربط تلقائي بين البحث العلمي ومنظومة الإنتاج اللازمة للتعريف بالبحث والباحثين.. وفي بعض الأحيان تكون العثرات متمثلة في ضعف إمكانيات الطالب نفسه، مادية في المقام الأول، وعلمية أيضا، نتيجة عدم تأهيله التأهيل المناسب الذي يمكنه من التغلب على أية مصاعب، فليست كل الكليات في الجامعات المصرية بها من الكوادر التي تستطيع بناء عقل الباحث وتدريبه في المرحلة التمهيدية قبل تسجيله للماجستير، التي بدورها تمثل مرحلة تدريبية ثانية قبل خوض معركة الدكتوراه، وبالتالي يفاجئنا الباحث بأطروحة ضعيفة من حيث التناول واللغة والصياغة وضعف المادة العلمية ومنهج البحث. وحل تلك المعضلة في وجود حالة ضعف واضحة لموارد الدولة تجاه البحث العلمي، يكون بتوفير الأقسام المختلفة في الكليات لورش عمل مستقلة إلى جانب الدراسة النظامية، لتعليم الطلاب كيف يبحثون عن مادتهم وكيف يستخدمونها.

 

*هل ترى أنه على الباحث التاريخي دور حيال ما يجري من قضايا معاصرة أو مشاكل نعيشها الآن؟

-بالتأكيد للباحث في التاريخ دور مهم تجاه قضايا بلاده بشكل عام، فلا يجب أن ينفصل عنها بأي شكل من الأشكال وعليه أن يعبر عن رأيه بوضوح، ولكن ذلك الرأي لا يعتبر تأريخا، فالتأريخ لحدث راهن يختلف من حيث الفحص والتناول، ويجب أن تتسم كتابته عن الفترة التي يعيشها بموضوعية صارمة، وأن يتسع صدره للرأي الآخر مهما كان حجم الاختلاف، وأن يكون قدوة لغيره ومصدر ثقة دائم. فالباحث في التاريخ حين يكتب رأيه في حدث راهن يجب أن يكتب حقائق ربما تكون قاسية بعض الشيء، حتى وإن كانت عكس ما يرغب الرأي العام أحيانا، فضلا عن رده على الحجة بالحجة دون تجريح أو طعن وشتم ودون تلفظ بما يهبط بمستواه وأخلاقه وصورته، وألا ينظر لناقديه نظرة عداء. ولا يخاف من مراجعة رأيه في موضوع يتعلق بقضايا معاصرة باستمرار، فما توفر لديه من مصادر قد تنفيها مستقبلا مصادر أخرى، والمراجعة هنا لا تؤخذ عليه، لكنها تبني عقله ومعرفته في المقام الأول.

 

*هل ترى أن التاريخ المصري يحتاج إلى مراجعة؟

-التاريخ المصري تتم مراجعته كل يوم من خلال الرسائل العلمية المقدمة لأقسام التاريخ في الكليات، لكن عدم اهتمام الجامعات بنشر تلك الرسائل لكي تتوفر لدى القارئ هو ما يرسخ في الأذهان أن تاريخنا بحاجة إلى مراجعة. فمنظومة النشر في مصر قاسية بعض الشيء ولا يستطيع تحملها أي أحد في ظل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة. وإلى جانب الرسائل العلمية لطلاب الدراسات العليا هناك مراجعات مستمرة لتاريخ مصر من خلال البحوث المقدمة للدوريات المصرية الرسمية والخاصة، كذلك ندوات ومؤتمرات الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وسيمنارات الكليات الأسبوعية، والتي يمكن أن يحضرها أي أحد يرغب في معرفة تاريخ بلاده وتاريخ العالم من حوله من مصادر موثوقة.

ولكن حتى تكون تلك المراجعة دقيقة وأقرب للحقيقة دائما يجب على الدولة أن توفر كما ذكرنا من قبل مصادر المعرفة وقواعد البيانات البحثية الكاملة دون حظر ودون هيمنة، فإتاحة المعلومات هو السبيل الوحيد للتقدم، وليس بحجبها.

 

*ما رأيك في المناهج التاريخية المقررة على الطالب المصري بشكل عام؟

-تحتاج إلى التطوير في مجملها، كما تحتاج إلى غياب رؤية الدولة فيما يُكتب، وهذا لن يتحقق إلا بتوفير لجان علمية محايدة وموضوعية لكتابة المناهج دون تدخل فيما تكتب وأن يؤخذ برأيها.. وعلينا ملاحظة أن كتب التاريخ المدرسية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين توازي في جودتها وأسماء من وضعها كتب التاريخ في الجامعات المصرية حاليا، وهذا يدل على تدهور الحال في العموم، حتى أصبح التاريخ الذي يدرسه الطالب في مختلف مراحله الدراسية مخففا لدرجة الاستخفاف بتاريخنا وحضارتنا.

 

*في رأيك ما هي الشروط التي يجب توافرها في الباحث الجيد؟

-أهمها الدقة واحتراف تنظيم الوقت والقراءة المستمرة دون ملل، بالإضافة إلى الأمانة والصبر والثقة بالنفس، وأن يكون الباحث موضوعيا في تحليلاته يبتعد عن الأفكار المسبقة وأن تتسم كتاباته بالاستشهاد الجيد، إلا أن الأهم من ذلك كله هو توفر ميزة سعة الأفق لديه، بتقبل أفكار الآخرين حتى وإن اختلفت مع رأيه بروح رياضية.

 

*هل هناك مشروع بحثي مقبل؟

-أعمل حاليا على مشروع لتوثيق تاريخي لمنطقة الأزبكية بالقاهرة، واقتربت من الانتهاء منه بالفعل وسيكون في يد القراء في أقرب وقت، كما أقوم بتجهيز الجزء الثاني من كتابي "التاريخ الثقافي لمصر الحديثة" وسوف أتناول فيه نفس الموضوع خلال القرن العشرين.