الخميس 18 ابريل 2024

عن الصالونات الثقافية.. أتحدث

مقالات25-12-2021 | 13:20

لستُ ضد أي حراكٍ ثقافي يُسهم - بشكل أو آخر - في إثراء ثقافتنا الراهنة، وحياتنا الفكرية والأدبية، وتبقى الصالونات الثقافية أحد الأمكنة المنوط بها هذا الأمر بجانب أترابها من أندية الأدب، والمؤسسات الرسمية والإعلامية والأهلية.

 ويبقى السؤال العريض: هل قامت هذه الصالونات - على كثرتها - بتأدية هذا الدور؟

أعتقد - بداية - أن ثمَّة تحفُّظات لا تخطئها عين متابع لمشهدنا الآني، ذلك أن أغلبها يفتقد إلى التعاطي الإيجابي مع متطلبات الوضع، فنرى الكثير منها لا يتبني الفعاليات الجادة والأنشطة الفاعلة، فها نحن نرى ضيوف المنصات من ضعيفي الموهبة، ونبصر تكريم عدد من غير المستحقين بمنحهم شهادات شكر وتقدير لبواعث الزمالة والصداقة والمجاملة، وزاد الأمر غثاءً بمنح ما يُسمَّى الدكتوراه الفخرية، دون مراعاة لمستوى الممنوحين، ودرجة إجادتهم لفنون الكتابة والإبداع.

 فقد شاهدنا مناقشات محمومة لإصدارات لم يتمكن أصحابها من إتقان فنون الكتابة (لُغويًا وفنيًا)، عبر نوعية معينة ممن يُطلِقون عليهم (نقاد)، بغية التصفيق والتفخيم لهذه الكتب التي لم ترق بعد إلى النضج المطلوب، وحقيقة الأمر أن هؤلاء المؤلفين استطابوا مثل هذه الاحتفاءات غير المستحقة، وظنوا أنفسهم مبدعين.

ولا شك أن هذه التصرفات - من قِبَل القائمين على الصالونات - أفرزت نوعًا من الشلليلة تجابه الكبار والناضجين العداء، فلم يعد منهم من يستمع إلى نصيحة صادقة، أو ينصت إلى رأي مُخلِص يسعى إلى الأخذ بيده إلى مرسى الإبداع الحقيقي.

 والعجيب أن هؤلاء المُدَّعين صاروا يتباهون بكتبهم رغم أن دور المدقق اللغوي قد أصبح ركيزة رئيسة في أغلب الأحيان، فلم يخلو سطر لهم من عدة أخطاء لغوية وإملائية فادحة، وهناك دور النشر ـــ اللاهثة وراء الربح السريع ـــ  ترحب بالنشر لهم بعد تدقيق أعمالهم وإعادة صياغتها، ومع ذلك يتباهون بانضمامهم إلى كيانات معلومة وأخرى مجهولة بغش وخداع.

في حين أن بعض هذه الصالونات لم تُفلْتَر بعد، وراحت تشارك في الجُرم والإثم، ومحاولة استقطاب بعض النقاد بالعلاقات العامة وحلاوة اللسان مما أدى إلى وقوع البعض منهم ـــ بقصد أو دون قصد ـــ في براثن الزيف.

وكنت أتمنى - في هذا الصدد – أن يكون لهذه الصالونات دورٌ في الارتقاء بالمواهب التي لم تنضج بعد بمد يدِ العَوْن لها من خلال (ورش) أدبية تصقلهم، وتساعد في نموهم المتوقف، ونبذ كل من يتعالى ويتسامى عن الساحة.

 ومن المؤسف أن نرى بعض أصحاب الصالونات يتخذون من مقراتهم واجهة اجتماعية لهم، أو شهرة يتطلعون إليها، بيد أن الواجهة الاجتماعية لا تضيف شيئًا للكاتب، والشهرة لا تعني النضج الثقافي والإبداعي.

إنني - بطبيعة الحال - لا أُعَمم، فهناك صالونات جادة نجحت وتنجح في إثراء ثقافتنا الراهنة بمناقشة كتب تستحق الاحتفاء، وطرح الحقيقي من الإبداعات، واستضافة نقاد وأدباء قدموا للثقافة العربية كتابات سيظل تاريخنا الأدبي شاهدًا لها لا عليها.

إننا - اليوم - في أمس الحاجة - إلى فلترة مثل هذه الصالونات من ناحية، وغربلة المثقفين من ناحية أخرى، وهي مسؤوليتنا جميعًا تلك المسؤولية التي تتمثل في العزوف عن الرديء، والتفاعل الإيجابي مع الجاد.