السبت 29 يونيو 2024

«حظرتنا» من ألف عام ...... و..... كل عام

23-6-2017 | 15:15

يكتبها - يحيي تادرس

معظم المحلات الأماكن أصبحت تبيع «الموبايلات»!

تجولت فى شارع «محمد على» وعبدالعزيز وشبرا... الكل أو معظمهم تخصص في بيع الموبايلات «كارثة أو لعنة العصر» فماذا أفعل كي أتجول بحرية في شوارع القاهرة؟

.... «سأمتطى» آلة الزمن وأعود إلى الوراء إلي زمن كانت فيه «قاهرة» لاتزال .... قاهرة

....

ألف عام كفاية؟

... سأعتبرها في هذا المقال- أكثر من كفاية:

..أرتديت ملابس العصر «عمة - قفطان- جبة.. ومداس في قدمي» وتوجهت إلي باب الفتوح....

- ممنوع

.... لكن الدنانير الذهبية التي كنت أحملها جعلتني أشهد مشهداً بالغ الغربة:

..... كان رسول يمتلك الروم «أي سفير بيزنطة» ينزل من علي حصانه ويقبل الأرض حتي يصل إلي قصر الخلافة...

.....

وبمزيد من الدنانير - سمعت أعجب الحكايات:

الخليفة يجلس علي كرسي عرشه في قاعة الاستقبالات خلف ستارة يتم إزاحتها عندما تبدأ المقابلة.

ويدخل الوزير إلي حضرة الخليفة وبعد تقبيل يديه ورجليه يتراجع إلي الخلف مسافة ثلاثة «أذرع» ثم يدعوه الخليفة - إذا كان مرضيا عنه - إلي الجلوس عن يمينه ... «لا أدري لماذا تذكرت الزعيم عادل إمام» وقد تسبب بعض الإفرنج في حدوث فضيحة صغيرة إذا كان الخليفة يغطي وجهه ويديه بغلالة رقيقة من الحرير! ويطلب السفير الأوروبي «هوون دي سيرنر» بأن يمد يده وهي عارية حتي يتم عقد الاتفاقية بين البلدين وتحدث ثورة في الأمراء الحاضرين لهذا الطلب المهين - ولكن لكي يخفي الخليفة غضبه يمد يده عارية للسفير.

ويتناقل الحضور .. أنباء تلك الفضيحة بمنتهي الغضب والاستنكار!

....

وكانت الاحتفالات التي تتطلب خروج الخليفة من قصره «عاري الوجه» تتم بمنتهي الأبهة - ومنها أول يوم في شهر رمضان - وكان المارة يشهدون الموكب في انبهار «بعد الحاشية كان هناك أربعون فردا» ينفخون في الأبواق.. ثلاثين بوقا من الفضة - وعشرة أبواق من الذهب.

....

واسمحوا لي - أن انتقل في الزمان إلي الحاكم بأمر الله - الذي يوجد «الآن» المسجد المعروف باسمه علي يسار بوابة الفتوح فور وفاة العزيز في عام 996- أخذ برجوان مؤدب ابنه الحاكم يبحث عن تلميذه - فوجده مختبأ في شجرة تين فألبسه برجوان عمامة مزينة بجواهر وعرضه علي الناس الذين أخذوا في الركوع له ..

وفي اليوم التالي يسير الحاكم الجديد «أحد عشر عاما» خلف الجمل الذي يحمل جثمان أبيه..

وما يهمنا هنا - وهو ما شهدته بعيني في ذلك الزمن البعيد..

بداية يحرم أكل الملوخية «بالمناسبة - اسمها مأخوذ من الكلمة القبطية مالاخيت وتعني اللون الأخضر» .. وكما يحرم لعب الشطرنج «حيث يموت فيها الشاه أو الملك» - ويمنع النساء من التردد علي الحمامات التابعة «فالحمامات للرجال فقط- ويذكرني هذا بحمام الملاطيلي» كما يأمر بإعدام الكلاب «التي كان نباحها يقلق منامه.

... فماذا عن النساء:

يصدر أمرا بمنعهن من الخروج ليلاً- لكن النساء لم يلتزمن بهذا المنع «ومن يستطيع منعهن؟» ولما يكتشف عدم التزام النساء بهذا الأمر - يصدر أمرا إلي الخفافين «صناع الأحذية» بمنع صنع الأخفاف للنساء - فكن يخرجن حافيات أتذكر مسلسل «النساء قادمات» للمبدع حسين فهمي.

و..... إلي جانب الملوخية - كان يمنع أكل الجرجير والترمس «وقد ثبت بعد هذا أن كل تلك النباتات نظرا لتلوث المياه - كانت تتسبب في بعض الأمراض المعوية..

... المهم... سمعت خبرا غريباً...

اختفاء الحاكم من القاهرة ومصر «كان من هواياته التجول علي حمار بين الرعية...

هل تم قتله للتخلص منه؟

دارت الكثير من الظنون وأحدها أن «ست الملك» شقيقته هي التي دبرت قتله - بعد أن ضاق بتصرفاته الرعية وخوفا من ضياع الملك من ورثته «هذا الدور جسدته السيدة الفنانة سميحة أيوب فى مسرحية تحمل نفس الاسم للكاتب المبدع سعد الدين وهبة».

.......

أحسست بأن الماضي البعيد للقاهرة ومصر ليس جميعه مما يدعو للفخر أو الإعجاب فقررت العودة إلي الحاضر.

.....

باب الفتوح منذ خمسين عاماً

لندخل سويا إلي الميدان...

سوق مكتظ بالباعة والزحام والصراخ والحلفانات بالطلاق مع كل صفقة بيع أو شراء «معظم من كانوا يحلفون بالطلاق - كانوا غير متزوجين أساسا.

.... كان سوقاً للثوم والبصل والليمون والزيتون الأخضر- كما كان يزدحم ببائعات الزبدة الفلاحي والعسل الأبيض والفطير المشلتت تبيعه فلاحات علي الرصيف و«نصيحة» بأثر رجعي - معظم ما يبعن كان مغشوشا بطرق مختلفة - فلا تشتري وإلا ذنبك علي جنبك!

علي اليمين محل غريب «كان في الأصل مكوجيا» يجلس صاحبه علي مقعد خشبي وبيده «منشة» من الخوص - لكنه لا يمارس العمل:

- لكن كل يوم بتفتح في الفجر

- عادة ... أحسن م القعاد في البيت

- طب ليه ما .. تحاولش تشتغل

- واشتغل لمين؟ الزوجة توفت والأولاد هاجروووا.

لوحدي عندي قرشين كنت محوشهم .. يعني مستورة

- وقاعد ساكت لا بتكلم حد ولا حد بيكلمك

زهقت كل اللي بيكلمني عايز ياخد مني الدكان طب لو فرض.. أعمل ايه بعد ما أبيع أنا قاعد اتفرج علي الرايح واللي جاي .. الناس بقت وحشة .. كله بيدور علي قرش يجيله بالساهل... الكدب كتر والناس بلاش الناس .. تعرف أنك أول واحد من شهر يحاول يجرجرني في الكلام.. أنا بافتح في مواعيد زمان .. وبعد صلاة العشاء باروح ...

وجع قلبي هذا الرجل... لكنني واصلت جولتي

.....

علي اليسار وعلي الأرض بائعة فجل وجرجير..إن جسدها الضخم لا يسمح لها بالتحرك كثيرا:

أيوه ياباشا «لقب أصبحنا نستخدمه كثير بعد إلغاء الألقاب ليس للتكريم أو الاحترام - لكنه لقب سهل يصيب البعض منا بالغرور..

.... م الغيط للتركة لجل ما يغسلوهم لا فرحانة قدام قلاوون ... الحزمة حسب السوق ... وحسب مقدرة الزبون .... الخواجات وتضحك بانطلاق ... يسألوني HOW MUCH همه بيقولولي HOW MUCH أرفع صباعي يعني قرش صاغ همه يفتكرون باقول لهم دولار... يدوني دولار في كل حزمة جرجير ولا فجل ولا لمعرفة.

......

علي طول كان يمر عليه واحد يغيري علي مصر ... الدولار بجنيه بحاله ... أنا عارفة إنه بيضحك عليه لكن أعمل إيه... عدم العلام خيبة للي زيي..

......

بعيدا عما يزدحم به شارع المعز من أثار أتوقف عند مجموعة قلاوون والبيمارستان وأدخله واتذكر ماكتبته «أرنيمس كوبر» في كتابها الممتع «القاهرة في حرب»

....

كان الجنود الذين يعملون في المكاتب العسكرية ويتناولون مقابلا ضخما للمبيت في الشقق المفروشة أو اللوكاندات ينصبون مجموعة من الخيام في الساحة الواسعة لقلاوون ويبيتون فيها.

...

واحدا من حضروا هذه «الظاهرة»

- حبوا ريحة الطعمية والفول بالزيت الحار... كانوا يستلموا كل يوم من عربية كبيرة تموينهم ... وكان فيه لا مؤاخذة بلوبيف ومربي وبسكوت.

أبوظريفة بيه

- اللي انت شامم لا مؤاخذة ريحته .. بتاع الفول والطعمية يدولي علب البولوبيف اللي زهقوا من طعمها وهو يديهم فول وطعمية ويضحك... وعشان خاطرهم كان يغير زيت القلية كل يوم وبعدها كان بيستكبر علينا ويكلمنا باللاوندي

... والراجل استكبر علينا واغتتني ولبس لبسهم وكان بيبع اللي بياخدوا منهم بالشيء الفلاني... علبة اللحمة بـ 5 قروش ومعاها بطرمان مربة.

وينطلق ضاحكا من جديد

- ويوم الحرب ما بطلت والانجليزي مشيوا من قلاوون بقي يبكي زي لا مؤاخذة النسوان.

........

قديمة استوقفت نظري في أحد أزقة الحي القديم مكوجي رجل:

.... أنا ضهري انحني م المكوة.. حاول كده تمسكها ولا لا مؤاخذة تشيلها..

«حاولت وفشلت» إشحال «أ» اللي باشيلها واتحني ضهري وأنا باكوي

......

الجلابيب البلدي لكن دي ليها حكاية

... تقدر عمري بكام سنة؟

- 50

- 60

... أول ما وعيت علي أبويا الحاج الله يرحمه والفتوات يبعتوا له جلابيبهم الألاجة والقفاطين واللاسات

... عم فرج «ده اسم أبويا الحاج لا مؤاخذة» عازينهم بسرعة وما نوصيكش وكان أبويا ينحني وأنا باتفرج عليه

- واد يامنصور هاتفضل تتفرج عليه كتير

وطي وجرب في جلبية من دول

- أخاف تتحرق

- لو اتحرقت ها أكويك مكانها

ويضحك... واتعلمتها

......

- مدارس؟ ويعني لو اتعملت كنت هاتشغل إيه

-...

-دلوقتي بيشتغل في مصنع نحاس في الجمالية بتهد حيله لكن

... ويمسح عرقه

كل شهر يجي ياخد مني مصروفه... اتجوز ومصاريف الجواز لا مؤاخذة بقت نار ... وسواعي يبص للمكوة ويتحسر

دلوقتي أهو شوية بنطلونات

- بس أهم حاجة كسرة البنطلون

- .......

- الفتوات والهبوات دول اختفوا من يوم الحكومة ما أصبحت في الشارع ودلوقتي زي ما أنت شايف المحل صفصف والجلابيب شحت وكله طلع لي في البنطلونات .. زمن غدار بصحيح ويخبط جبهته بيده... أما أنا طلعت لا مؤاخذة قليل الأصل شايل سكره إيه...

- مهنتنا خلاص بالضبط زي عم صمويل في الزقاق اللي جنبي

-........

ده لا مؤاخذة مبيض نحاس

ولكن عم صمويل وحكايته اسمحوا لي أن أبدأ بها «مقالي» القادم إن شاء الله .... وكل عام وأنتم بخير