الثلاثاء 7 مايو 2024

أصبح للوطن درع وسيف.. وسد عالٍ جديد

مقالات27-12-2021 | 23:11

زرت الدولة الألمانية عدة مرات على مدار سنوات وتنقلت بين عدة ولايات ومدن لها، حتى أنني عاصرت فترة الانتقال بالتعامل بالعملة الألمانية "المارك" إلى العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، ومن ضمن زياراتي كانت زيارة عام 2014 لمنزل مواطن ألماني كبير السن شديد الطيبة يدعي "إيدي"، ويعد الأب الروحي لصديقتي السورية الأقرب لقلبي "رحاب"، يقع منزله بمدينة بريمرهافن، وهي مدينة ساحلية فيها ميناء وتقع في ولاية بريمن.

ولأن المواطن الألماني يتميز عن أي مواطن أوروبي آخر بالنظام الشديد والالتزام والميل إلى تطبيق كل الاستراتيجيات الحديثة في توفير الموارد، واستخدام الطاقات النظيفة، بالنظر إلى أن ألمانيا تعد مثلاً أول دولة أوروبية تقوم بتطبيق نظام تدوير المخلفات بشكل صارم ومعمم في كل الدولة، فقد حرص "إيدي" على أن يطلعني على نظام الطاقة الشمسية الذي يعمل به منزله الجميل المكون من طابقين، حيث يقع جهاز التحكم الخاص بنظام الطاقة الشمسية في البدروم، وهو أشبه بخزان مياه ضخم يحتل مساحة نصف غرفة وموصل بعدة كابلات تقوم بتحويل الطاقة الشمسية التي تمتصها الألواح الزجاجية التي تعلو سطح المنزل، وتحولها إلى طاقة كهربية يقوم عليها المنزل من إضاءة وتدفئة وتشغيل كل الأجهزة الكهربية، وبالطبع لم يمكنني أن أخفي إعجابي بالمنظومة التي أخبرني أنها كلفته في حدود المئة ألف يورو.
وتمر السنين، وتشاء الظروف أن أقوم بزيارة للعاصمة البريطانية لندن خلال شهر ديسمبر 2019، ضمن كتيبة حكومية منتقاة بعناية في منحة دراسية عن "القيادة من أجل التميز الحكومي" لأعرق وأكبر الجامعات البريطانية وهي كينجز كولدج، وذلك بتنظيم من وزارة التخطيط ودعم من الحكومة المصرية لرفع كفاءة وقدرات الكوادر الحكومية الوسطى المؤَهَلَة للقيادة، حيث قام أحد المحاضرين من أصل هندي في إحدى المرات بالحديث معنا عن استراتيجيات الدول الكبرى تجاه بناء مدن الجيل الرابع القائمة على الطاقة النظيفة، وبدأ في التوجه لنا بأسئلة من نوعية "هل تعلمون ما هي الفيزا كارد؟ هل سمعتم عن شركة أوبر؟ هل تعلمون محلات ماركس آند سبنسر؟ وهو بالطبع أمر بدا لنا سخيفاً وكأنه إما شخص من كوكب زحل، إما أنه محاضر لا يملك الحد الأدنى من الاحترافية بالنظر إلى الجامعة التي يمثلها، فأبسط القواعد المهنية كانت تحتم عليه أن يقوم بمراجعة خلفية وطبيعة الوفد الحكومي ذو الجنسية الواحدة الذي سيقوم بإلقاء محاضرته عليه.
على أية حال، ولأن طبيعة المحاضرات كانت كلها قائمة على التفاعل، فقد تناوب زملائي واحداً تلو الآخر في الرد عليه بكل احترافية وموضوعية، فقام زميلي محمد ذهني من وزارة الكهرباء بإخباره أن مصر تمتلك أكبر محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية في العالم، بطاقة إنتاجية 1460 ميجا وات من الكهرباء النظيفة، وكيف تحولت مصر من العجز إلى الاكتفاء ثم تحقيق الفائض، وقام زميلي أحمد عزام من وزارة الكهرباء بالرد على سؤاله عن أحد أنواع التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تسمى أنظمة الطاقة الفولتوضوئية (PV Photovoltaic)، فأخبره أن مصر تمتلك أكبر PV Park في العالم من خلال محطة بنبان في أسوان، كما قام زميلي علاء الجداوي من وزارة الكهرباء أيضاً بإطلاعه على المزيد من الفنيات المتعلقة بالمحطة وقام بعرض فيلماً تسجيلياً عليه.   
ومن ناحية أخرى، قام زميلي مصطفى عبد الفتاح من جهة سيادية بإخباره أن مصر بدأت بالفعل التعامل من خلال حكومتها الرقمية وعاصمتها الإدارية الجديدة القائمة على الطاقة النظيفة تماشياً مع أهداف التنمية المستدامة 2030، كما قام زميلي محمد خزام من وزارة النقل بشرح مستفيض عن تخطيط الدولة والتنفيذ قصير وبعيد المدى لتحقيق التكامل بين الجيل الجديد من المدن الذكية، وشبكات النقل الحديثة المواكبة لأحدث تكنولوجيا العالم، وأن خطة الدولة في منظومة وسائل النقل لم تعد مجرد مشاريعاً فردية، بل جزءاً من منظومة تغيير وتطور لمجتمع بأكمله، فتجد المترو والمونوريل والقطار الكهربائي والقطار السريع.
هذا بخلاف شبكة الطرق التقليدية التي شهدت نهضة غير مسبوقة من طرق سريعة وكباري وأنفاق، تقوم بتوفير الوقت والجهد بهدف خدمة المواطن والمحافظة على البيئة وجذب الاستثمارات بما يعد حجر أساس مهم للجمهورية الجديدة، كما قام زميلي أحمد حماد من وزارة الصحة بإخطار المحاضر الهندي عن منظومة التأمين الصحي الشامل التي بدأ تطبيقها بمحافظة بورسعيد وعدة محافظات أخرى عام 2018، والشمول الصحي المتوقع بانتهاء المشروع بعد تطبيقه على ستة مراحل على كافة محافظات الجمهورية بشكل كامل عام 2032.  
ويمر عامين إضافيين وأتابع عن قرب أسبوع افتتاحات الصعيد بحضور السيد الرئيس، وآخرهم اليوم افتتاح "محطة بنبان" لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بأسوان التي سبق وتفاخرنا بها أمام المحاضر الانجليزي من أصل هندي، والتي تعد أكبر محطة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية على مستوى العالم، وتدخل في إطار استراتيجية الطاقة المستدامة 2035 للحكومة المصرية باعتبار أن تلك المحطة تعمل بالطاقة الجديدة والمتجددة، والتي جرى اختيار موقعها وفقاً لدراسات وتقارير وكالة ناسا الفضائية وبعض المؤسسات العلمية العالمية التي أكدت أن موقع المشروع واحداً من أكثر المناطق سطوعاً للشمس في العالم. 
الحق أقول، أنني أشعر بفخر شديد بعد مُضي كل تلك السنين، بعد أن كنت مبهورة بتقنية منزل المواطن الألماني، وبعد قيامنا كوفد مصري حكومي وسفراء للدولة المصرية "برد غيبة" الحكومة المصرية في قلب العاصمة البريطانية وتباهينا بما حققته الدولة من إنجازات ضخمة في وقت وجيز يضاهي إنجازات الدول الكبرى، واليوم بعد سلسلة الافتتاحات الضخمة التي قام السيد الرئيس بافتتاحها في قطاع الصعيد منتهياً بمحطة بنبان، الأمر اختلف تماماً بالنسبة لي على مدار 7 سنوات على المستوى النفسي من حيث القناعة الذاتية والرؤية المستقبلية للأمور.
أعي تماماً أن العديد منا قد لا يفهم تلك التفاصيل الفنية لقدرات بعض المشروعات التي تم افتتاحها وعلى رأسها الافتتاح الرسمي لمحطة بنبان اليوم، وما يمكن أن تمثله من إنجاز ضخم يحسب للحكومة المصرية وللدولة ككل بما يصب في مصلحة المواطن المصري من أكثر من زاوية، وأدرك أيضاً أن المواطن المصري اعتادت تركيبته النفسية اصطياد مصطلح "فرصة عمل" من بين ثنايا أي خبر يتعلق بالدولة متجاهلين باقي التفاصيل (وهو أمر مفهوم ومقدر)، أو على الأقل غير آبهين بالمصطلحات الضخمة أو الفنية التي قد لا تستوعبها عقلية المواطن البسيط أو المتخصص، وهي مهمة يتحملها الإعلام المرئي والمسموع من خلال استمرارية استضافة المتخصصين وقادة الرأي، وعرض الأفلام التسجيلية التي تتناول تفاصيل وأهمية تلك المشروعات الضخمة بالشرح والتبسيط والتحليل.
لكن يكفي أن نعيد ونكرر ونردد مع السيد الرئيس مقولته اليوم خلال افتتاحه لمحطة بنبان بأسوان، أن هذا المشروع يمثل أمناً قومياً لمصر كأمن الحدود وأمن المواطن وأمن بياناته وأمن توفير مستلزماته السلعية والخدمية، وأنه يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة في إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، الأمر الذي يجعله في أهمية وضخامة مشروعات قومية أخرى التفت الأمة المصرية من حولها على مدار سنين طويلة كمشروع السد العالي وقناة السويس، وقرار حرب الكرامة.
المعركة الآن أصبحت معركة بقاء وفقاً لمفاهيم العلم والذكاء الاصطناعي الذي يتم تسخيره للحفاظ على الموارد كالماء والكهرباء والبترول والغاز الطبيعي، والدولة المصرية قادرة وعازمة بالعمل والإرادة أن تقفز خطوات واسعة للحاق بالركاب العالمي وتحقيق ما تصبو إليه.

Egypt Air