الجمعة 10 مايو 2024

دموع على جدران صاحبة الجلالة

مقالات30-12-2021 | 15:22

يمر عام و نستقبل عام جديد، وبعضنا يسطر آلام وأحزان تتعلق بعضها بالشأن الخاص، وأخرى تتعلق بالشأن العام، وبعضها ينكأ الجراح، بالأمس القريب، وأنا أطالع مقال للكاتب الصحفي مجدي الجلاد، وهو زميل وصديق يربطني به الكثير، وجدت في مقاله الأخير "يا عمرو كلنا فاسدون"، كشف حساب للمهنة ينكأ جراحها، ويجعلنا في مكاشفة مع النفس.

تناول "الجلاد" تعليق المذيع عمرو أديب حول مؤشرات البحث على جوجل، باختصار شديد ما يبحث عنه الجمهور، وجاءت نتائجها البحث عن أغاني المهرجانات، حياة المشاهير، وغيرها من المواد التي أصبحت تشغل اهتمام الناس على منصات التواصل الاجتماعي، ومطالبة "أديب" تليفزيون الدولة بإنتاج البرامج الجادة، وهنا كان يجب أن أتوقف، لأن الأزمة ليست في تليفزيون الدولة، لأنها هي قضية بناء الإنسان، وكثيرا ما نبه الرئيس عبد الفتاح السيسي إليها.

نعم تمر صناعة الإعلام بأزمة كبيرة خاصة في سياق التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا تحكمها معايير أو أخلاقيات للنشر، لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، من منح قوة التأثير لها وجعلها طريق للشهرة؟!، ألم نكن نحن صناع المحتوى، سواء من كتب عن مواد رديئة يتم تداولها عليها من أجل "التفاعل" وتحقيق الأرباح، هل دور الصحافة في مختلف صورها المطبوعة والإلكترونية والتليفزيونية، تقديم محتوي، مثل فريق مراهقين قدم كليب حقق انتشارًا واسعًا، أو أصبح "ترند" بحجة أنها المادة التي يبحث عنها الجمهور.

بالأمس القريب كنا نبحث عن باحث قدم بحث علمي، أو نموذج تفوق علميًا في الغرب حتى نضع أمام شبابنا القدوة ربما استطاع بعضهم التغلب على الصعاب وصنع مستقبل علمي نفخر به، أما الآن أصبح الإعلام يبحث عن مجهولي الهوية ممن يقدمون محتوى تافه، واعتبرهم الإعلام مؤثرين، لكن هل هم مؤثرين في المجتمع سلبا أم إيجابا؟، لم نسأل أنفسنا، المهم أن هناك متابعة ومزيدًا من الإعلانات والمشاهدات على اليوتيوب. 

لقد أصبحت الحياة الخاصة مستباحة بفعل "البث المباشر" دون أن نضع معايير لها أو نكتب صيغة القصة التي نقدمها إلى الجمهور، في إطار هدف واضح، ماذا نريد من القصة، وما هي الرسالة التي نقدمها للجمهور؟، المهم "الشير والايك والكومنت"، كأنها أحد برامج المقالب، بل أن البعض يسعده تعليقات الجمهور حتى لو بلغت السباب باعتباره يزيد من حجم التفاعل وجذب الجمهور.

أعلم أن كل ما سطرت في السابق يعلمه زملائي، والغالبية العظمى ترفض ذلك الأسلوب، لكن السؤال المطروح، وماذا عن البديل؟. 

البديل هو استغلال التقنيات الحديثة في تقديم الأفكار، القصص الخبرية بصورة جديدة تتناسب وتقنيات العصر، فقد أصبح القارئ يبحث عن القصص القصيرة المدعومة بالفيديو والجراف، تلك القصة التي يطالعها في دقائق معدودة، التعب في البحث عن الموضوع الذي يهتم به المستخدم، الصورة المختلفة والقصة الخاصة، طرح الأسئلة الحقيقة التي تبحث عن إجابات لدى جمهور المستخدمين، على مدار العام الماضي، عندما تفكر في البحث عن حوار جاد مع شخصية ذات وزن فكري وأدبي، تناقش قضايا المجتمع لن تجد سوى أقل القليل، فقد أصبحت أخبار "سيف سيدنا أبو جهل"!، و"السيارة البنتلي"، هو ما يتصدر منصات التواصل الاجتماعي، بل أن الكارثة هي أن الطريق أصبح ممهد لهؤلاء ليكونوا جزءًا من القوى الناعمة في المجتمع.

في اعتقادي أن مقال "الجلاد" هو فرصة لفتح حوار حقيقي حول مستقبل المهنة، وتشخيص جراحها والبحث عن حل للخروج من المأزق، كلنا مسئولين أمام الوطن والضمير المهني، سواء كنا صحفيين أو إعلاميين أو مؤسسات ذات صلة عن فتح حوار جاد ينتهي إلى نتائج وآليات حقيقية، قبل أن نستفيق جميعًا على عقل جمعي للمجتمع، يهجر الفكر والعلم ويرفع "سيف سيدنا أبو جهل"!. 

أتمنى أن يكون العام الجديد بداية لطريق مختلف لمكاشفة حقيقية، لمحتوى يبني مواطن واعٍ ذو ثقافة تليق بحضارة مصر وتاريخها، مصر التي أشرفت حضارة العالم بنورها، أتمنى أن نترك تاريخًا يفخر به أحفادنا كما نعيش نحن على شمس ماضي الأجداد، تمنياتي لكم بعام جديد يملئه الاجتهاد والفكر، يحتفي بالعلماء والباحثين والمفكرين خالٍ من العبث.

Dr.Radwa
Egypt Air