الخميس 23 مايو 2024

البحث العلمي في «الجمهورية الجديدة»

مقالات2-1-2022 | 20:57

 

لم تعد قضية الاهتمام بالبحث العلمي من الرفاهية.. ولكنها ضرورة حتمية سواء لإيجاد حلول وأفكار خلاقة لأزماتنا وتحدياتنا.. وتحقيق تطلعاتنا ورفع سقف طموحاتنا نحو التقدم.. لذلك نحتاج إلى عملية تنظيم وترتيب وهيكلة لمراكز البحوث المبعثرة ولا أريد القول «الجزر المنعزلة».. فما بين مراكز بحوث بالوزارات.. وما بين مراكز البحث في الجامعات.. لا توجد حلقة للربط سواء بين مراكز البحوث الحكومية أو ربط بين المراكز البحثية في الجامعات.. لذلك يجب إنشاء «كيان» يوحد جهود جهات البحث العلمي يتبع لرئيس الوزراء لتحديد الأولويات والاحتياجات وما هو مطلوب التركيز عليه طبقاً لتوجيهات ورؤية القيادة السياسية.. لتفعيل دور البحث العلمي بشكل تكاملي وبروح الفريق الواحد والاستفادة من تبادل الأفكار والرؤى والأطروحات لنكمل بعضنا البعض.. ونسد الثغرات أو النواقص لدى كل جهة.. مطلوب الاهتمام أيضاً ببعض التطوير والتحديث والهيكلة لكل مراكز البحوث والمراكز البحثية.. والربط بين كليات الذكاء الاصطناعي في مختلف الجامعات.. فالتوحيد هنا مهم للغاية

مطلوب تطوير وتحديث وربط وهيكلة وتكاملية.. و«كيان» واحد يتبع رئيس الوزراء يضم خيرة العلماء والباحثين لمعرفة الأولويات والاحتياجات والتحديات المطلوب التركيز عليها بالبحث العلمي.. لإيجاد حلول وتحقيق الاكتفاء وزيادة الإنتاجية طبقاً للرؤية الرئاسية.

الرئيس عبدالفتاح السيسي شديد الاهتمام بالبحث العلمي.. وبدا ذلك في الكثير من المناسبات والأحاديث والمداخلات.. خاصة في ظل إيمان الدولة المصرية بأن البحث العلمي هو قاطرة التقدم الذى يعد هدفاً استراتيجياً لمسيرة البناء والتنمية في كافة المجالات والقطاعات.

يمثل البحث العلمي أيضاً أحد الموارد والثروات المهمة لأى دولة لأنه يواجه كافة تحدياتها ومشاكلها وأزماتها من خلال حلول ووسائل خلاقة.. بل يعد أيضاً سبباً جوهرياً في امتلاكها للقوة والقدرة الشاملة فمن خلال الأفكار الخلاقة والأبحاث القابلة للتطبيق على أرض الواقع.. جنت العديد من الدول ميزانيات ضخمة عوائد أفكار وأبحاث تحقق أهداف الدولة وتدر دخلاً قومياً كبيراً كناتج للتصدير إلى الدول الأخرى.

الحقيقة أن هناك شركات عالمية تهتم كثيراً بالبحث العلمي.. فقد زرت إحدى الشركات العالمية في مجال الاتصالات والشبكات والمحمول.. لديها 80 ألف باحث قدموا 88 ألف بحث في عام واحد والشركة تحقق أرباحاً سنوية قدرها 100 مليار دولار بسبب التطور والتقدم الهائل بسبب قاعدة البحث العلمي.

الرئيس السيسي خلال زيارته لجامعة كفر الشيخ أشار إلى نقطة مهمة هي ضرورة ربط مراكز الأبحاث الحكومية بمراكز أبحاث الجامعات حتى لا تكون جزراً منعزلة وتستفيد منها الدولة في إحداث التقدم المنشود والتصدي لحل الكثير من التحديات.. وما يبرز اهتمام الدولة المصرية بالبحث العلمي هو زيادة ميزانية البحث العلمي حتى وصلت إلى 1٪ من إجمالي الناتج القومي وهذه خطوة جيدة تحتاج إلى قفزات أخرى في المستقبل في ظل اهتمام الدولة غير المسبوق بالبحث العلمي.

ما أريد أن أتحدث عنه هو حالة التناثر والتباعد التي تشهدها مراكز البحث العلمي الحكومية مع أكاديمية البحث العلمي.. مع المراكز البحثية للجامعات فلدينا تقريباً من 13 إلى 16 مركز بحث علمى تابعاً لوزارة التعليم العالي فضلاً عن عشرات المراكز التابعة للوزارات ناهيك عن مراكز الأبحاث بالجامعات وأيضاً مراكز الأبحاث بالجامعات الخاصة فلماذا لا تكون جميع هذه المراكز تحت مظلة واحدة.. وتوحيد الجهة التي تتبع لها.

الحقيقة إنه لدينا طاقات كبيرة في مجال البحث العلمي وكوادر وعلماء تحتاج إلى عملية تنظيم وتوحيد والعمل بروح الفريق الواحد.. فكيف يكون لدينا مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة.. وأيضاً مركز أبحاث الصحراء وفي نفس الوقت لدينا كلية الزراعة ونفس الحال لدينا مركز بحوث البترول يتبع وزارة التعليم العالي وعلى حد علمي رئيس مجلس إدارته وزير البترول ومركز بحوث المياه يتبع وزارة الري والموارد المائية.. والمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية يتبع وزارة التضامن الاجتماعي.. ناهيك عن مراكز البحوث والدراسات في الجامعات المصرية سواء حكومية أو خاصة.. وطالما أن الدولة تولى اهتماماً كبيراً بحتمية الارتقاء والتطوير والاهتمام بالبحث العلمي.. فلماذا لا تصبح أو تتحول المراكز البحثية إلى أن تكون تحت مظلة وجهة واحدة.. هذا من ناحية.

ربما أتذكر أنه كان هناك كيان يسمى المجلس الأعلى للبحث العلمي.. رغم أنها كانت مجرد كيانات تحمل الاسم فقط بدون نتائج أو عوائد لكن ما نريده، هو تنظيم وضم كل هذه المراكز في كيان واحد وتحت مسئولية واحدة.

توحيد هذه المراكز البحثية المنتشرة والمتناثرة تحت مظلة واحدة يأتي ربما من خلال إنشاء كيان واحد يتبع رئيس مجلس الوزراء ويضم أفضل وخيرة علماء وباحثي مصر في كافة التخصصات.. وبالتالي فإن الحكومة التي تمثل الدولة هي من تستطيع تحديد أهم الاحتياجات للتركيز عليها في الأبحاث والحلول.. ورعاية الأبحاث الأولى والأجدر بالاهتمام والتي تخاطب وتتصدى لحل الكثير من التحديات في بعض المجالات والقطاعات التي تريدها أو تحددها الحكومة.. وتشكل بنكاً للأفكار والرؤى والحلول والأبحاث قابلة التطبيق مع الإصرار والتمسك بربط مراكز الأبحاث التابعة للوزارات بمراكز أبحاث الجامعات.. وبالتالي هناك «كيان» يتبع رئيس الوزراء يربط بين كل مراكز الأبحاث الجامعية والحكومية.. ويوحد جهودها وأبحاثها ويضعها أمام الحكومة لتحديد واختيار أولوياتها في بعض المجالات.

البحث العلمي.. إذا كان يساعد في إيجاد حلول لكثير من المشاكل والأزمات والتحديات إلا أنه يستطيع أن يغير حياتنا ويدفعنا إلى التقدم ويكون أحد الموارد المهمة التي تعتمد عليها الدولة في الإنفاق على مشروعاتها ورفع مستوى معيشة المواطن وامتلاك القوة والقدرة والاستغناء عن الاستيراد من الخارج وتوفير مليارات من العملات الصعبة.. ومن الممكن أن تتبدل الحاجة إلى الاستيراد إلى القدرة الهائلة على التصدير للمنتجات والأجهزة والمعدات من خلال البحث العلمي والأفكار والنتائج الخلاقة والابتكارات والاختراعات الجديدة التي يجب أن تشجعها وتجعل هذه المراكز البحثية متاحة أمام الجميع من المبدعين والموهوبين والباحثين للاستفادة القومية والوطنية من مخرجات البحث العلمي وأيضاً منحهم الثقة والرعاية لأنهم ثروة حقيقية.

تبعية «كيان» موحد يجمع ويضم كافة المراكز البحثية في مصر لرئيس الوزراء.. مثلاً وهو الأكثر دراية طبقاً لتوجيهات القيادة السياسية ورؤيتها بتحديد الأولويات والاحتياجات التي تشكل هدفاً للدولة المصرية وشعبها.

نفس الحال ينطبق على كليات ومراكز الذكاء الاصطناعي سواء التي تتبع الجامعات الحكومية أو الجامعات الخاصة والدولية والتطبيقية والتكنولوجية لابد أن يكون هناك تنسيق وتكامل وتنظيم وتعاون وتقارب للاستفادة من جهود وأفكار الجميع في ظل اهتمام القيادة السياسية بهذا المجال الذى يشكل عماد الحاضر والمستقبل وأساساً للتقدم القادم.. والتعويل عليه في دعم مسيرة البناء والتنمية.. والحقيقة أن مصر تولى اهتماماً كبيراً بهذا المجال.. وبدأت الجامعات المصرية تتجه نحو هذا التخصص شديد الأهمية.. مثلما رأيناه في جامعة كفر الشيخ وأيضاً ما رأيته في الجامعة الألمانية.

ما أريد أن أقوله إننا نحتاج إلى ترتيب وتنسيق وتكامل وتقارب وتنظيم في الكثير من أمورنا ويأتي في صدارة ذلك توحيد جهود المراكز البحثية في مصر بمختلف مجالاتها وانتماءاتها لمواجهة تحديات محددة.. وتحقيق أهداف وتطلعات نصبو إليها.. بدلاً من حالة البعثرة والتشتت.. والانعزالية لابد من الاستفادة من جهود وأفكار وقدرات كل العلماء والباحثين المصريين سواء في المجال الواحد لتبادل طرح الأفكار والحلول.. فربما يواجه باحث «عقدة» معينة يجد حلها عند زميل له في نفس التخصص أو إحداث التكامل وتوحيد الجهود بين كل المراكز البحثية في كافة المجالات وأيضاً أحداث تعاون وتنسيق بين جميع كليات الذكاء الاصطناعي لتبادل الخبرات والإمكانيات والزيارات أيضاً للاطلاع حتى نصل إلى نتائج أكثر إيجابية لنحقق أهدافاً كثيرة نحتاجها بشدة على طريق مسيرة التقدم التي نتطلع إليها والاستغناء عن الخارج وتوفير أموالنا ومواردنا بالاكتفاء وليس بالاستيراد.

أيضاً مراكز الأبحاث الموجودة تحتاج إلى تطوير وتحديث وطفرة غير مسبوقة.. وهيكلة علمية عصرية وفرز الكوادر والكفاءات القائمة والموجود منها فلم تصبح هذه المراكز مجرد رفاهية أو ديكور ولكن لابد أن توضع لها قائمة مستهدفات وأهداف تتحقق سنوياً ويتم متابعتها ومحاسبتها بعد توفير كافة الإمكانيات العصرية لها والاستعانة بكوادر وعلماء من الجامعات المصرية للنهوض بها وفتح الآفاق والأبواب أمام الباحثين والمخترعين والمبتكرين من الخارج واحتضان أبحاثهم وأفكارهم المهمة من خلال لجان موضوعية ومهنية وخبرات عصرية.

ربما لم تنل المراكز البحثية زيارة من وزير وربما لا يبدى اهتماماً بتفقد هذه المراكز ومعرفة احتياجاتها ووضع أهداف لها.. ومنها ما هو موجود على نفس حالته منذ القدم.. لذلك يجب أن تتحول إلى صروح وقلاع للبحث العلمي وإمداد الدولة والمجتمع بالأفكار والأبحاث والاختراعات والابتكارات وتحويلها إلى واقع يسد احتياجاتنا في مختلف المجالات والقطاعات وزيادة تطوير الإنتاجية.. وتقديم الحلول للتحديات والاستفادة من الأفكار الخلاقة.. والاختراعات والتطبيقات التي تجلب عوائد كثيرة فحالة النشاط العمراني والتنموي غير المسبوق التي تشهدها مصر تستوجب مواكبة من البحث العلمي وأن يكون حاضراً في كافة المجالات والقطاعات العلمية والعملية وتصحيح منظومة القيم والأخلاق.. وقياسات وبحوث استطلاعية للاطمئنان على حالة وسلامة المجتمع أما الجلوس في مكاتب وثيرة.. ومكيفة فلم يعد يصلح مصر الحديثة التي تتحرك إلى الأمام بوثبات وقفزات وبإيقاع أسرع مما يتوقع أحد.. لم يعد هناك امتلاك لرفاهية الراحة فالنجاح كما قال الرئيس لا يتحقق بالراحة ولكن بالتعب والسهر والمتابعة والفكر والبحث والعلم والحركة الدؤوبة.

تحيا مصر