السبت 1 فبراير 2025

مقالات

اغتيال الملائكة .. رسالة بسنت لـ" قاتلها "

  • 4-1-2022 | 15:50
طباعة

من مرقدها النوراني تمسك بريشة يفوح من جنباتها مسك الجنة، وتكتب رسالتها الأخيرة لقاتلها، تخيلتها تتلبس عباءة عبد الحمن الشرقاوي، وتروي مأسستها و جريمة قاتلها، ذلك المبتز وتابعيه ممن يصبون سهامهم لها دون واعظ من ضمير، استمع لفتاة الـ17 ربيعا التي خرجت للتو من طفولتها و ما تزال تحمل قسمات البراءة، فرحة أيها و أمها.

استمع إلي بسنت خالد و هي تردد قصيدة "الشرقاوي"

"أتدري ما معنى الكلمة ؟

مفتاح الجنة في كلمه

ودخول النار على كلمة

وقضاء الله هو الكلمة

الكلمة – لو تعرف حرمه – زاداً مزخور

الكلمة نور وبعض الكلمات قبور

بعض الكلمات قلاعاً شامخات يعتصم بها النبل البشري

الكلمة فرقان ما بين نبيٍ وبغي"

بسنت خالد هي تلك الزهرة الناعمة ذات الروائح الفواحة، كما يعني اسمها، تركت لنا الحياة بشرورها وأسامها، لم تجد سلاح تدافع به عن شرفها وطهرها وعفتها سوي الانتحار، هل من قاتل علي وجه المعمور يقطف الزهرة سوي نحن؟

كلنا مدانون كلنا فاسدون، نحاكم الضحايا ولا نبحث عن القاتل، نفتش في حياة الآخرين، نبحث عن نقيصة وإدانة، علنا نسلي يومنا بتلك القصص الرخيصة، فقدنا الضمير وجلسنا على قارعة الطريق نمسك بهواتف نقاله نفتش في حياة الآخرين، نرمقهم بنظرات الإدانة، لنكون أداة قتل وسحق، ونصبنا من أنفسنا القاضي والجلاد، نقيم الحجة دون دليل، ندعي الطهر وهو من الجميع براء، نتباكى على الضحية ونزرف دموع التماسيح ونحن شركاء في الجريمة.

طالعت قصة بسنت خالد تلك الفتاة التي هددها، مبتز رخيص، و وضع صورتها بشكل مشين علي تلك الشبكة العنكبوتية، و تداولها الآخرين كالنار في الهشيم، و تحولت إلي قصة معروفه في قريتها الصغيرة، لتنال من سمعتها و أسرتها، انهارت تلك الفتاة البريئة، لم تتحمل كل هذا الظلم، لم تسطيع الدفاع عن نفسها سوي بالانتحار، علها تهدأ في مرقدها النوراني.

تركت الفتاة رسالة لوالدتها قالت فيها " "ماما يا ريت تصدقيني، أنا مش البنت دي ودي صور متركبة والله العظيم وقسماً بالله دي ما أنا.. أنا يا ماما بنت صغيرة مستهتلش إللي بيحصلي ده أنا جالي اكتئاب بجد.. أنا يا ماما مش قادرة أنا بتخنق تعبت بجد مش أنا، حرام عليكم أنا متربية أحسن تربية".

ما حدث جريمة تهز عرش الضمير الإنساني، تهز مجتمعات بأسرها، وتعيد النظر في قيم المجتمع، وتعيد النظر في التشريعات، و بحسب المادة 25 من قانون العقوبات المصري أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر المتعلقة بالمبتز الذي يقوم بالاعتداء على المحتوى المعلوماتي الخاص لأي شخص تقضي بالسجن لمدة لا تقل عن 6 أشهر، كما نصت المادة 26 من قانون العقوبات المصري بالسجن لمدة لا تقل عن العامين، ولا تزيد عن الخمسة أعوام للمبتز.

ووفقا لهذه المادة، يعاقب بدفع غرامة لا تقل عن 100000 جنيه مصري، ولا تزيد عن 300000 جنيه مصري لكل من يتعمد استخدام أي من التقنيات التي تربط المحتوى الخاص بالأشخاص بمحتوى منافي للآداب العامة.

والسؤال الآن ماذا لو أدي ذلك الابتزاز إلى فقدان الحياة خوفا من الفضيحة؟!

أن ما حدث في واقعة بسنت يدق ناقوس الخطر وبشدة للمجتمع، خاصة مع تطور ثورة المعلومات وانتشار التطبيقات الإلكترونية، التي يمكنها صناعة الكثير، ويصعب علي الخبراء أنفسهم معرفة الحقيقة فيها و احتمالاتها، لابد من ردع قانوني و مجتمعي لمثل هؤلاء المبتزين، فالبرلمان مسئول عن تعديل التشريعات، والمجتمع مسئول عن مواجهة تلك الجرائم، فالعقل الجمعي لنا يحتاج إلي إعادة صيغة، و إلا اهتزت منظومة القيم، و هو خطر عظيم يمكنه محو حضارات بأكملها من علي وجه البسيطة.

الأمر هنا لن يتوقف عند قصة تلك الزهرة الطاهرة، ربما هناك قصص أخطر وأكثر مأساوية لم يرويها أصاحبها بعد، المواجهة هي قدرنا في تلك الأيام العصيبة.

فلترقد روحك الطاهرة في مرقدها النوراني، علنا نفكر آلاف المرات قبل أن نرتكب الجريمة و نغتال العفاف و الطهر علي أيدي المبتزين و تابعيهم من المتلصصين و القتلة، تذكروا دائما أن " الكلمة فرقان ما بين نبيٍ وبغي"  وللحديث بقية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة