تحل اليوم ذكرى وفاة أحد أبرز وأشهر شعراء العامية المصرية، الذين مروا على تاريخ الشعر المصري، الشاعر المصري ذو الأصول التونسية بيرم التونسي، ولد محمود محمد مصطفى بيرم الحريري في 23 مارس 1893، بحي السيالة في مدينة الإسكندرية، وفي الرابعة من عمره التحق بكُتاب الشيخ جاد الله، وكان الكُتاب يقع في حي زاوية خطاب الذي يتوسط بين حي الأنفوشي وحي الميدان، وفشل بيرم في الكُتاب فشلًا ذريعًا، فاضطر والده لإخراجه من الكُتَّاب، بعد ذلك أرسله أبيه إلى المعهد الديني بمسجد المرسي أبو العباس ليكمل دراسته، ولكنه توقف عن دروسه بسبب موت أبيه.
وربطت علاقات قوية بين بيرم التونسي بين عدة فنانين، ففي وقت مبكر من صدر شبابه، ربط الفن بينه وبين سيد درويش، وعمق صداقتهما، وجمعهما في السهرات الفنية التي كانت تشهدها الإسكندرية في ذلك الوقت، وكتب بيرم لسيد درويش عدة أغان. ويدخل بيرم مجال الصحافة حيث أصدر صحيفة «المسلة»، تبعها بعد ذلك بالعمل في عدة صحف مصرية، وتم نفي بيرم التونسي عدة مرات؛ فقد نُفي من مصر إلى تونس ثم إلى باريس، لتبدأ حياته كشاعر منفي يحن إلى وطنه وظهر ذلك في أعماله التي كان يقوم بها وهو في المنفى.
وقامت ثورة 1952 في مصر ففرح بها بيرم وأيدها وقال فيها الأشعار والأزجال. وفي عام 1954 حصل بيرم على الجنسية المصرية. ثم دخل بيرم المجال الفني فألَّف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية وتعامل مع أم كلثوم، و فريد الأطرش، و أسمهان، ومحمد الكحلاوي، و شادية، و نور الهدى، و محمد فوزي، كما قدم العديد من الأعمال الإذاعية. وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى منحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن عام 1960.
ومن أبرز قصائد بيرم التونسي:
قصيدة القلب يعشق كل جميل
القلب يعـشق كـل جميل
وياما شفت جمال يا عين
واللي صدق في الحب قليل
وإن دام يدوم يوم ..ولايومين
والـلـي هـويته اليوم
دايـم وصـــالــه دوم
لا يعاتـب اللي يتـوب
ولا في طـبـعـه الـلـوم
واحــد مفيـش غيره
مــلا الوجــود نـوره
دعـــانـي لبيتـه
لحـد بـاب بــيـتـه
ولــمـا تـجـلالــي
بالــدمـع نـاجـيـتـه
كـنـت أبـتـعد عـنـه
وكــان يـنـادينـــي
ويـقـول مـصـيرك يـوم
تخـضـع لـي وتـجـينـي
طاوعــني….. ياعـبـدي
طـاوعـنـي أنا وحــدي
مالك حبيب غيري قبلي و لا بعدي
أنـا الـلـي أعـطـيـتك
مـن غـير مـا تـتـكـلـم
وأنـا الـلـي عـلـمـتك
مـن غـير مـا تـتـعـلـم
والـي هـديـتـه إلـيـك
لـو تـحسـبـه بـاديــك
تـشـوف جـمـأيـلـي عـلـيـك
من كـل شـئ …أعـظـم
ســلـم لـنـا تـسـلـم
دعــانـي لــبـيـتـه
لـحـد بــاب بـيـتـــه
ولـمـا …. تـجـلالـي
بـالـدمـع نـاجــيــتـه
مـكـه وفيها جبال النـور
طـالـه علي البـيـت الـمعمور
دخـلـنا بـاب الـسـلام
غـمـر قـلـوبـنـا الـسـلام
بـعـفـو رب غـفـور
فـوقـنا حـمـام الحـمي
عــدد نــجـوم الـسـمـا
طـأيـر علينـا يـطـوف
ألـوف تتـابـع الـــوف
طايريهني الـضـيـوف
بالـعـفـو والـمرحـمـة
والـلـي نـظـم سـيـره
واحــد مـفـيـش غـيره
دعــانـى لـبــيـتـه
لـحـد باب بـيـتـه
ولــمـا تـجـلالــى
بالــدمـع نـاجـيـته
جـيـنـا عـلـى روضـه
هــالـه من الـجـنـه
فـيهـا الأحـبـة تـنـول
كـل الـلـى تـتـمـنى
فيها طرب و سرور
و فـيـهـا نـور عـلـى نور
وكـاس مـحـبـة يدور
والـلـى شـرب … غـنـى
ومـلايـكـة الـرحـمـن
كـانـت لـنـا … نـدمـان
بالـصـفـح والـغـفـران
جاية تبشرنا
يـاريـت حــبـايـنـا
يـنـولـوا مــــا نـلـنا
يــارب تــوعــدهـم
يــارب واقــبــلـنـا
دعـــانـى لـبـيـتـه
لـحـد بــاب بـيـتــه
ولــمــا تـجـلالـى
بالــدمـع نــاجـيـتــه
قصيدة عتاب
ليه امشى حافى ،وانا منبت مراكيبكم
ليه فرشى عريان،وانا منجّد مراتبكم
ليه بيتى خربان ،وانا نجّار دواليبكم
هى كده قسمتى؟
الله يحاسبكم!
ساكنين علالى العتب،وانا اللى بانيها
فارشين مفارش قصب،ناسج حواشيها
قانيين سواقى دهب،ونا اللى ادور فيها
يارب ماهوش حسد
لكن بعاتبكم
من الصباح للمسا،والمطرقه فيدى
صابر على دى الاسا ! حتى نهار عيدى
ابن السبيل انكسى ، واسحب هرابيدى
تتعروا من مشيتى
واخجل اخاطبكم
ليه تهدمونى وناللى عزكم بانى
انا اللى فوق جسمكم قطنى وكتانى
عيلتى فى يوم دفنتى مالقيتش اكفانى
حتى الاسيّه وانا راحل وسايبكم؟
وتوفي بيرم التونسي في مثل هذا اليوم 5 يناير من عام 1961، هذا بعد مرور عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا بعد معاناة مع مرض الربو، تاركا للأجيال التالية إرثًا كبيًرا من الأزجال و القصائد و المسرحيات، وتجربة عريضة مليئة بالدروس، خاصة في مجال النضال الاجتماعي من أجل الوطن، مما جعله يستحق عن جدارة لقب فنان الشعب، وشاعر العامية.