المعرفة هى الوجه الآخر للألم .. وكلما ظهرت الخفايا والأسرار عمن نتصور أننا نعرفهم؛ رأينا الوجوه التى لم نكن نتخيلها للحياة والبشر، تلك العلاقة بين المعرفة والألم كانت مصدراً ثرياً للدراما بصور متعددة، وذلك ما تم منذ عرض الفيلم الإيطالى "غرباء بالكامل" ٢٠١٦ الذى حصد فى أول يوم أكثر من ثلاثة ملايين دولار، والجوائز فى العديد من المهرجانات، ليسجل رقما قياسياً فى إعادة إنتاجه ١٨ مرة بلغات وجنسيات أخرى مع بعض التغييرات ويحقق فى كل مرة ذات النجاح .
سبعة أصدقاء يجتمعون ويقررون ترك هواتفهم وكل ما يرد من رسائل متاح للجميع؛ وبقدر ما تبدأ اللعبة مشوقة فى البداية إلا أن انكشاف الأسرار والخفايا يطرح الوجه الآخر للعلاقات، تيمة بسيطة علاقات يعتقد أصحابها أنهم "مقربون" لتظهر الحقيقة كما صرح بها منذ البداية الفيلم الإيطالى مصدر كل هذه النسخ الدرامية أنهم "غرباء".
تلك البساطة فى الفكرة جعلت النسخ تتوالى وتحقق النجاح، لتقرر نيتيفلكس أن النسخة التالية الإنتاجية ستكون عربية، لتجتمع مصر والأردن ولبنان ما بين تمثيل وكتابة وإخراج وكافة الجوانب الفنية ليظهر على المنصة بعد أيام فيلم "أصحاب ولا أعز" لللبنانين الكاتب جابريل يمين والمخرج وسام سميره، ويجتمع كذلك لأول مرة منى زكى وإياد نصار ونادين لابكى مع فريق العمل متعدد الجنسيات.
إنتاج نتيفيلكس الأول عربياً طرح التساؤلات والمناقشات؛ سواء فى اختيار التيمة الإنسانية الإيطالية القابلة للتكرار لكنها تجتمع هذه المرة فى المنطقة العربية المتشابهة نوعاً ما، لنتساءل هل تكتفى المنصة فى إنتاجها العربى بتكرار تيمات حققت النجاح، وكأنها ستلجأ إلى اللعب على المضمون؟ أم أن التجربة الوليدة ستفتح آفاقاً إنتاجية عربية أخرى؟
وهل ستكتفى المنصة بالإنتاج العربى بمعنى الكلمة أم ستنطلق نحو مجتمعات بعينها؛ خاصة أن الإنتاج المصرى بصورة خاصة يجمعنا بالأشقاء العرب الذين ننسى فى بعض الأحيان جنسياتهم !
جانب آخر تضيفه التجربة النيتفلكسية، وهو الدعاية التشويقية المبتكرة؛ فنجوم العمل ينشر كل منهم صورة لآخر على حسابه الشخصي فى مواقع التواصل بمصاحبة جملة؛ ليتساءل الجمهور عن علاقة منى زكى التى نشرت صورة إياد نصار وتلك الرسالة الغامضة "انت بقيت أغرب حد ليا مع مرور السنين" لتتوالى الجمل غير المفهومة بين السبعة أبطال.
18 نسخة حققت كل منها النجاح الجماهيرى والفنى طرحت التساؤل والتحدى أمام الفيلم العربى الذى سيعرض بعد أيام على نيتفليكس فى ١٩٠ دولة، وستظهر النتائج بعد ساعات من العرض.
لقد تطور إنتاج المنصة سريعاً كماً ونوعاً مما يجعل تأثيراته ستظهر على صناعة الدراما بشكل عام فى السنوات القادمة، وإنتاجها لفيلم "عربى" بهذه الصورة يطرح السؤال عن إمكانية تكرار التجربة من خلال المنتجين العرب وطبيعة اختيار المعالجة للأعمال وكيفية عرضها؛ خاصة أن المنصات العربية صارت هى الأخرى تتسابق فى العرض والإنتاج، أما الغرباء الذين صاروا أصدقاء فى عالمنا العربى فذلك له حديث آخر.