بينما يزداد الجدل اشتعالًا بين مؤيد ومعارض في مواجهة صُناع فيلم "أصحاب ولا أعز" وفي المقدمة منهم النجمة منى زكي، يرفع معرض القاهرة الدولي للكتاب شعار "هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل" في دورته الـ53 هذا العام، والربط واضح في مفهومي بين أزمة الفيلم وأزمة الهوية، ولا أرى سوى الثقافة حلًا آمنًا لمثل هذه الأزمات المرتبطة بالوعي في الأساس.
معرض الكتاب إذًا يطرح المبدأ والمنهج نحو التعاطي مع مثل صدمات "أصحاب ولا أعز" في أي وقت، لم أشاهد الفيلم حتى الآن - وقد لا أهتم بمشاهدته- صحيح أنه فيلم جديد، ولكن صدى أزمته ليس جديدًا على الإطلاق، الأزمة أزمة هوية وثقافة.
فإذا توقفت عند فكرة أن نسخة الفيلم الأصلية إيطالية، وأن منتجه هي منصة نتفليكس الترفيهية الأمريكية، وكنت فقط واقعيًا في تفاعلك مع الأمور، لأدركت حتى قبل أن تشاهد الفيلم، أنه حتمًا لن يتوافق مع الهوية المصرية ولا ثقافتها، وعندها لن يستحق الفيلم كل هذا الانفعال، فلا أعتقد أن أحدًا ينتظر من الآخرين أن يقدموا ما يتوافق وهويتنا أو ثقافتنا، خاصة وأن الفنون جميعها ابنة بيئتها في الأصل، وما تتوافق عليه عموم الثقافات هو ما يعبر عن قيم ومفاهيم ومشاعر إنسانية في المقام الأول، الحب والخير والجمال والحق والعدل وهكذا، أما السلوكيات والعادات والتقاليد وخلافه، فلكم ثقافتكم ولي ثقافة، وانتهى الأمر.
على الناحية الأخرى، يرتكب خطأ كبيرًا من يقيم اختيارات نجومه المفضلين على معاييره وحساباته هو، لا أحد في هذه الدنيا وصيٌ على أحد، كل ما تملكه هو قبول العمل أو رفضه أو تجاهله، ووضع العمل في ميزان إيجابيات النجم أو سلبياته وانتهينا، أما أن تصل سطوة الجمهور إلى حد قصف الرقاب، فلا هي هوية ولا هي ثقافة، ولعل صدمة "أصحاب ولا أعز" أصابت الجمهور في نفسه أول ما أصابت، فكرة الفيلم تقوم في الأساس على كشف المستور بفعل تكنولوجيا الاتصالات، والجمهور في عمومه لا يتبارى طوال أكثر من عشر سنوات ماضية، إلا في سلوك الفضيحة على السوشيال ميديا، ولا إيه؟
أعود بك إلى "هوية مصر.. الثقافة وسؤال المستقبل" شعار معرض الكتاب هذا العام، فلا طريق لمواجهة ما يهدد هويتنا وثقافتنا، إلا إعادة التأسيس لهذه الهوية والتمكين لهذه الثقافة، الهوية المصرية وأهمية أن نتثقف يا ناس كما أوصانا المُبدع المُلهم دائمًا يوسف إدريس، وهو ما تحرص الجمهورية الجديدة على التأكيد عليه في رسائل مباشرة متوالية، أعتقد أنها لم تصل بعد حق الوصول، وإن كانت الجهود متواصلة ومستمرة، تذكر معي احتفاليات نقل المومياوات الملكية أو افتتاح طريق الكباش أو غيرها من المناسبات الوطنية، وكيف تفاعل معها المصريون على اختلاف الفئات والأعمار والمعارف، لتدرك أن الهوية المصرية متجذرة داخلنا، تحتاج فقط إعادة تأسيس.
لا أرى معرض القاهرة الدولي للكتاب، سوى مدخلًا متجددًا نحو تعزيز الهوية المصرية، وفتح أبواب الثقافة أمام مختلف شرائح المجتمع المصري، خاصة وأنه اختار شخصية هذا العام مثلًا حيًا على ما نقول، يحيى حقي بكل انفتاحه على الثقافة الغربية وإلى حد الزواج من فرنسية، ولكن على أرضية صلبة من الهوية المصرية كانت منطلقه القوي في احتواء الآخر، ولا تمثل أجنحة وزارة الثقافة والمؤسسات الصحفية القومية وحتى دور النشر الخاصة، إلا علامات دالة وبارزة على أصالة هذه الهوية ومعاصرتها في نفس الوقت، رصيد إنساني مصري ثري وضخم وعابر للأجيال، يحتاج فقط إلى إيمان كامل بقيمته، ودافع قوي وأمين نحو إعادة اكتشافه.