"ليس خطأك أنك ولدت فقيرا وإذا مت فقيرا هو حقا خطأك" هذه الكلمات قرأتها لبيل جيتس (صاحب شركات ميكروسوفت) وكانت لها وقع السحر في حياتي حيث تغير فهمي لمعنى الرضا بالحال من أنه خنوع وخضوع للظرف الراهن دون محاولة لتغيير هذا الواقع ولو كان مؤلما إلى أن الرضا هو عدم الاعتراض على النتاج بعد أقصى سعي إلى الوصول للهدف المنشود في تغيير الواقع للأفضل.
وهنا يأتي السؤال لماذا أتألم من البرد بسبب قصر هذا الغطاء ((اللحاف)) إذا كان بإمكاني الذهاب لشراء آخر يتناسب معي؟ وحتى إذا لم أجد المال الذي أشتري به الغطاء الذي يتناسب معي ويحمني من البرد، يأتي السؤال الآخر لماذا لا أضع خطة جادة قابلة للتنفيذ من الآن لأصل إلى هدفي بجمع المال عن طريق العمل الجاد ثم الذهاب لشرائه؟ للأسف كثيراً منا يؤقلم نفسه مع الظروف ولا يفطر أن يجعل الظروف تتأقلم مع قدراته الخارقة التي يجب أن يسعى ليكتشفها بالمحاولة.
والعجيب أننا نعلم جيداً أن الله عز وجل كرمنا بالإرادة القوية.. يعنى إيه؟ ((يعنى لما تحط إنك عايز تعمل حاجة في دماغك هتعملها حتى لو الناس كلها ضدك)). ولو أنت لسه فاكر أن الخضوع الخنوع بالحال دون سعي لنشدان تغييره إلى الأفضل نوع من الإيمان والرضا تذكر الآتي :
قال الله تعالى:
• وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
• وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
صدق الله العظيم
عندما كان فريد سميث صاحب ومؤسس شركة فيدرال إكسبرس "FedEx Company" طالباً في السنة النهائية في جامعة ييل الأمريكية طلب أساتذته منه إعداد مشروع يمثل حلم من أحلامه، فاقترح فريد على أساتذته فكرة مشروع لنقل الطرود حول العالم في وقت قصير لا يتعدى يومين.
حكم كل الأساتذة على هذا المشروع بالفشل قالوا له إنها فكرة ساذجة وإن الناس لن تحتاج أبداً لهذا النوع من الخدمة وأعطاه أستاذه مقبول في هذا البحث وقال له إنه على استعداد لإعطائه درجة أفضل إن عدل هو فكرة مشروعه فرد عليه الشاب المؤمن بقدرته والقابض على حلمه احتفظ أنت بتقديرك وسأحتفظ أنا بحلمي.
وبدأ فريد مشروعه بعد التخرج مباشرة بمجموعة بسيطة من الطرود حوالي 8 طرود وخسر أموالا في بداية المشروع وكان مسار سخرية الناس ولكنه أستمر وحاول وقاتل من أجل حلمه والآن شركته من أكبر الشركات في العالم في هذا المجال .
إن التاريخ لم يذكر اسم الأستاذ الذي أعطى تقدير ضعيف لهذا الرجل ولكن التاريخ والجغرافيا أيضاً (تجوب طائرات وشاحنات فريد جميع أرجاء الأرض) ذكرت هذا الرجل بحروف من نور بل حروف من مليارات الدولارات ولم يدفعه الفشل في بداية المشروع إلى التردد في أن يتمسك بحلمه ولم يقتنع بالغطاء ((اللحاف)) الذي أراده له أساتذته بل أستطاع أن يصنع لنفسه غطاء أخر من النجاح والشهرة والمال، وحينما ساومه أستاذه على التقدير الأعلى إذا ما تنازل عن حلمه لم يكن رده عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة، فمثل هذه الأمثال تربي النفس على الاستكانة تدفع الناس نحو العيش بين الحفر، والقبول بأقل القليل والتخوف من أي تجربة أو محاولة تتطلب الإقدام؛ فهى تقتل الجرأة والتطلع وهنا أتذكر سؤال اعتراضي سمعته من مدير عام إحدى المؤسسات التي كنت أعمل بها "لماذا يغير من نفسه إذا كان قد حقق نجاحاً ؟" حينما كنا نتناقش سوياً عن رئيس مجلس إدارة المؤسسة ، الذي تشير كل المؤشرات إلي أنه هو السبب في ثبات المؤسسة في مستوى معين من الأداء الإداري وعدم وجود تقدم ملحوظ في السنوات القليلة الماضية علي الرغم من أنه هو صاحب المبادرة في تأسيس هذا الكيان.
وقد أستوقفني هذا السؤال العجيب لأتساءل أنا الآخر هل التغيير والتطوير هو زاد الفاشلين فقط وأن الناجحين لا حاجة لهم به؟
ولا أدري لماذا في هذه اللحظة تذكرت نموذج يسمي :-
" نموذج تدهور ثقافة المؤسسة "
لأستاذ / بكر الريحاني وهو كالآتي :
1- ظهور قيادة ذات رؤية محدودة.
2- تحقق نجاحاً بسبب ظروف استثنائية.
3- تصاب القيادة بالغرور والكبرياء.
4- تبدأ في التوسع غير المدروس.
5- تعين قادة غير أكفاء.
6- ظهور ثقافة تقوم على الغرور والكبرياء ومركزية السلطة والمؤامرات وفرز الموظفين، فيقرب الموالي (ولو لم يكن لدية كفاءة) ويبعد المعارض (ولو كان صاحب فكر).
7- تتدهور المؤسسة وتسوء علاقاتها الداخلية والخارجية ويضعف مركزها التنافسي وقد تندثر.
وإذا كنت تسرح بخيالك حينما تقرأ هذا النموذج ويجوب في ذهنك كيف رأيته أنت الأخر كما رأيته أنا في كثير من المؤسسات المصرية فلا تحزن علي تلك المؤسسات ولكن أحزن علي بلد بأكملها تسير علي خطى هذا النموذج ويردد معظم من يعمل بها على أد لحافك مد رجليك .
أما إذا كنت مِن مَن لم يروا هذا النموذج الإداري في مؤسساتهم ولا بلادهم فأدعوك أن تقرأ نموذج أخر لابن القيم الجوزي حينما قال رداً على من يرفض التغيير والتطوير لأنه قد حقق نجاح: -
" إذا أستطاع العبد الوصول إلى القمر وأرتضى العيش فيه فهذا نقص في دينه " ابن القيم الجوزي.