الجمعة 19 ابريل 2024

جنرال الظل عبد السلام المحجوب

مقالات3-2-2022 | 19:06

كان جزءًا من صراع مرير، كانت الأمة المصرية في ذلك الوقت تحاول الخروج من انكسارها إلي جبرها واستعادت الروح، شارك في مواجهات عنيفة في الظل لا نعرف عنها إلا القليل، فالقانون في ذلك العالم السري لا يسمح إلا بخروج القليل فدائمًا "المعرفة علي قدر الحاجة"، وهو رجل بمعني الكلمة دافع مع رفقاء عن ثوابت الأمة وشرفها، رجل حينما تلتقيه تعرف معني المحبة والكلمة الصادقة، أسطر تلك الكلمات عن جنرال الظل اللواء عبد السلام المحجوب.

هو" الريس زكريا" في ملحمة الحرب الخفية بين المخابرات المصرية وجهاز الموساد، كما نعرفه جميعا من مسلسل "دموع في عيون وقحة"، هو الضابط الذي استطاع أن يوجه ضربة للعدو لن ينساها علي مدار تاريخه، لم تكن تلك هي العملية الوحيد التي شارك فيها، لكنه أيضًا هو الضابط الذي استطاع إخراج ياسر عرفات الزعيم التاريخي لفلسطين من عمان خلال أحداث أيلول الأسود، وهو أيضًا واحد من فريق عملية الحفار، تلك العملية التي أفقدت الموساد توازنه، فقد كان جهاز المخابرات يبحث فيها عن المجهول، ويصارع الزمن من أجل تدمير حفار تمتلكه شركة متعددة الجنسيات، تمكن الفريق من تدميره دون وجود إشارة للجانب المصري، ولم تكن تلك هي العمليات الوحيدة التي شارك فيها فهناك عمليات آخري لم تخرج بعد للنور.

رحل جنرال الظل، ولكن تبقي سيرته، التي أصبحت جزءًا من تاريخ الأمة، لم يكن جنرال الظل مجرد ضابط في المخابرات، لكنه أيقونة دافعت عن ثوابت الأمة العربية، علموا أولادكم أن الرجال يرحلون وتبقي السيرة، علموا أولادكم أن لدينا رجال كانوا يسطرون التاريخ بأفعالهم التي لا تعرف المستحيل، لا تستسلم لأنها تؤمن بدفاعها عن الحق، يجري في دمائها حب الوطن، نرحل جميعا، وتبقي السيرة الكل يكتب سيرته بيده، ويحكم عليه التاريخ بعد الرحيل.

أتمنى أن تخرج سيرة جنرال الظل في كتاب، حتى تتعلم منه الأجيال المقبلة، الرجل قيمة كبيرة، والشباب في حاجة ماسة للتعرف عليها، الأمر لا يقف عند مجرد الفخر بتاريخ بقدر ما هو غرس لقيم ووعي وحفاظ على الهوية الوطنية، والحفاظ على البقاء.

التقيت اللواء عبد السلام المحجوب خلال العام 2006، بمكتبه بمحافظة الإسكندرية خلال رحلة عمل، كان الرجل ذا وجه مبتسم ويعامل الجميع وكأنهم أبنائه، وحينما يلتقي المواطنين يستمع لهم بإنصات باحثا عن حلول حقيقية لهم، كان مؤمنًا بدورهم في تقدم المجتمع لم يكن حديثه معي داخل جدران مكتبه، لكنه أخذنا جميعا في زيارة لمجموعة مدارس في مناطق شعبية متحدثا عن دور الأهالي في تطويرها، قائلا حينما يثق المجتمع في حكومته يساعدها لأنه يري النتائج بشكل فعلي مشيرا إلي مقاعد الدراسة التي ساعد في إصلاحها الأهالي، ويرقبون مدرسة أبنائهم من خلال مجالس الأمناء.

 حينها أدركت لماذا أطلق عليه أبناء الثغر (المحبوب)، كان هذا هو ما يمكن أن تلمح من شخصية الرجل العظيم، لم يكن يتململ مثل بعض المسئولين من كثرة أسئلة الصحفيين، بل كان يرد بمنتهى الود، دون سئم، رغم ما تحمله الأسئلة أيضا من نقد، كان يؤمن بضرورة توعية المجتمع ودعوته للمشاركة في حل المشاكل، ذلك هو ما لمسته عن الرجل.

رحل جنرال الظل الصامت، وترك لنا تاريخًا نفخر به، ونتعلم منه الكثير، رحل بجسده وبقيت قيم وثوابت غرسها في كل من عرف الرجل العظيم.. وداعًا جنرال الظل.