الجمعة 31 يناير 2025

مقالات

الوحدة العربية الكروية الإنسانية

  • 5-2-2022 | 21:53
طباعة

ظاهرتان تدعوان للتفاؤل والأمل فى لم وتوحيد الصف والشمل.. فقد صنع فوز المنتخب المصرى على الفرق الكبيرة مثل الكاميرون ووصوله إلى نهائى كأس الأمم الأفريقية حالة عربية من الوحدة والالتفاف حول هدف واحد، هو أن تكون بطولة أفريقيا لمنتخب مصر.. ثم جاء الطفل المغربى ريان ليوحد دعوات وقلوب العرب، حتى يخرج سليماً معافى بعد سقوطه فى بئر على عمق 35 متراً تحت الأرض.. الشعوب العربية فى وحدتها تتشارك الأفراح والأحزان، فهى أمة تحمل مصيراً وهدفاً واحداً.

منتخب مصر والطفل ريان، كانا اختبارين حقيقيين بأن الوحدة العربية مازالت حية تسرى فى دماء وعروق الشعوب العربية.. فما بين الرياضة والإنسانية، نحن فى حاجة إلى إرادة سياسية عربية لتوحيد صف الأمة فى مواجهة التحديات والتهديدات والمخاطر.
 
أبطالها انتصارات منتخب مصر.. والطفل المغربى ريان

فى ظل الجهود السياسية المتواترة لتوحيد الصف العربى واستعادة زخم الوحدة العربية فى مواجهة أصعب الظروف والتحديات والتهديدات وسط حالة من التفاؤل والأمل لتحقيق أهداف العمل العربى المشترك، وأن يصبح العرب على قلب رجل واحد.. تجد أن الرياضة حققت أهدافها، ربما بشكل أسرع من الجهود السياسية، خاصة كرة القدم.. وحالة التشجيع والحب والتأييد والمؤازرة الشعبية العربية لمنتخب مصر لكرة القدم، المنتخب العربى الوحيد الذى نجح فى الوصول إلى نهائى كأس الأمم الأفريقية، والوصول إلى المباراة الحاسمة للفوز بالبطولة إن شاء اللَّه.

بعيداً عن السياسة أيضاً هناك قصة الطفل البريء صاحب الخمسة أعوام، الذى سقط فى غيابة الجُب، على مسافة 35 متراً تحت سطح الأرض.. وعملية إخراجه من البئر معقدة للغاية لصعوبة الطبيعة الجغرافية والجيولوجية، لكن أصبح قاب قوسين أو أدنى من نجاح عملية إخراجه.

الطفل «ريان» أصبح حديث العرب، وجذب تعاطفهم.. ووحد قلوبهم ودعواتهم حتى يخرج سليماً، ويعود لأسرته سالماً غانماً.. ريان وحَّد العرب، بل وحَّد العالم.. فالإنسانية تجمع شعوب العالم، وهو ما يجسد أن الإنسان يعود لأصله، فجميعنا أبناء آدم وحواء.

أستطيع أن أقول وبثقة إن ما فشلت فيه السياسة.. نجحت فيه الرياضة وحالة الإنسانية والتعاطف، وانخلاع القلوب.. وانطلاق الحناجر بالدعاء للطفل ريان، الذى مازال فى قاع الجُب على مدار خمسة أيام.

هذا التشجيع العربى منقطع النظير لأداء وانتصارات وفوز منتخبنا القومى لكرة القدم خلال مبارياته فى كأس الأمم بالكاميرون.. وتجاوزه لمنتخبات كبيرة كانت مرشحة للفوز بالبطولة مثل كوت ديفوار والمغرب، ثم صاحب الأرض ومنظم البطولة منتخب الكاميرون، الذى حاول إقصاء منتخبنا بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة للوصول للنهائي.. إلا أن الإرادة والروح القتالية وعزيمة الفراعنة رجحت كفتهم، وهزموا الكاميرون بركلات الترجيح.

الحقيقة أن أداء المنتخب المصرى فى كأس الأمم الأفريقية جسَّد بشكل قاطع أن المعدن النفيس للمصريين يظهر فى أوقات الشدائد.. فالمنتخب لم يكن على الإطلاق فى حسابات الخبراء للفوز بالبطولة، أو حتى الصعود للمباراة النهائية، أو الصعود للأدوار الـ16 أو الـ8 وقبل النهائي.. وكان الهجوم على كيروش حامى الوطيس.. والانتقادات لا حصر لها، وكنت أحد الذين لا يثقون فى كارلوس كيروش، وقلت: إن المنتخب افتقد لأهم عنصر فى الفوز بالبطولات.. فالأداء المتميز والإرادة والروح الحماسية والقتالية التى كانت كلمة السر فى كونه ملك أفريقيا المتوج بسبعة ألقاب، منها ثلاثية متوالية فى عهد حسن شحاتة.. وبعد أن استعاد المنتخب المصرى بقيادة العالمى محمد صلاح الروح القتالية فى الملعب، ظهرت قوة وقدرة الفراعنة فى الفوز على أكبر وأصعب الفرق التى كانت مرشحة للفوز بالبطولة ومنها صاحب الأرض ومستضيف ومنظم البطولة.

الروح القتالية والإرادة هما أهم ما يميز المصريين، وهما أهم أسلحتهم ليس فى كرة القدم فقط، ولكن فى كل المجالات والمواقف والشدائد والصعاب، وحتى عند مواجهة المستحيل.. ربما لا نكون نحن الأفضل فى المواجهات.. لكننا بالروح القتالية وإرادة النصر والفوز نصنع الفارق، ونتغلب على منافسينا.. فمن أهم الملاحم التى سطرها المصريون على مدار تاريخهم هو الانتصار على التتار الذين أرعبوا العالم، وأفزعوا البشرية.. وانتصروا على الجميع، وتفننوا فى الوحشية والبربرية.. لكن المصريين كان لهم رأى آخر.. دمروا التتار، وأنهوا أسطورتهم المرعبة والوحشية.. وحفظوا للعالم العربى والإسلامى أمنه وسلامته، وحافظوا على سلام البشرية.

هل تتذكرون مقولة الرئيس عبدالفتاح السيسى «السيات.. سبقت المرسيدس» ، لها دلالات ورسائل مهمة.. وتجسد روح وإرادة وإصرار وعزيمة المصريين.. فلم نكن فى أكتوبر 1973 الأفضل فى التسليح من عدونا، الذى روَّج أنه الجيش الأسطورة الذى لا يقهر.. لكن روح وعزيمة وإصرار وبطولات الرجال، جعلتنا الأفضل والأجدر والأقوي، وحققنا النصر المبين والمبهر فى ملحمة العبور، التى أبهرت العالم وغيرت نظرياته العسكرية، وقلبت كل الحسابات وموازين القوة.

بكل ثقة ويقين.. أقول إن كلمة السر فى انتصاراتنا وأمجادنا تكمن فى إرادتنا وإرادة التحدى لدينا، والروح القتالية.. فنحن على مدار التاريخ أصحاب حضارة عظيمة تجرى فى دمائنا جينات المجد والفوز والنصر والندية.

وعندما أربط السياسة بالكرة والرياضة بالحروب، بالقوة والقدرة.. فإننى أقول وباطمئنان: لا تستطيع أى قوة فى العالم أن تخيفنا، أو تجبرنا على ما تريد، ولا نركع إلا للَّه.. ولا أحد يستطيع أن يمارس معنا لعبة الابتزاز أو الإملاءات أو الوصاية.. مصر لا تخاف أحداً، ولا تهتز من أحد.. تقف على أرض صلبة من الحضارة والعراقة والقوة والعبقرية فى كل المجالات، وليست الرياضة فحسب.

فى كرة القدم.. نحن ملك أفريقيا المتوج بسبع بطولات.. والثامنة إن شاء اللَّه جاية.. وأصحاب الأرقام القياسية.. وأصحاب التاريخ العريق، لذلك لا نخاف أحداً.. ولا نخشى أى فريق.. وعلى رأى لاعبينا «شمال يمين.. احنا المصريين» وما أدراك ما المصريون.. ويجب أن تتأمل وتتدبر مقولة: «ارفع رأسك فوق.. أنت مصري».. أنت أقدم دولة فى التاريخ، وأقدم حضارة.. وأقدم جيوش الأرض.

الحقيقة أن حالة اللُّـحْمَة العربية الكروية تحتاج لدراسة ونظر وأهمية، للاستفادة منها، فقد خلفت انتصارات منتخبنا البطل فى كأس الأمم الأفريقية حالة جديدة.. الشوارع العربية.. والمقاهى العربية.. والأسر العربية.. أطلقت العنان للاحتفالات والتشجيع والأغانى لفوز منتخب مصر، فى استوديوهات التحليل الرياضى فى كل الشاشات العربية تسمع كلاماً جميلاً عن مصر.. ودعوات صادقة.. وأفراحاً صاخبة للفوز المصري.. فالشعوب العربية الشقيقة فى الجزائر والمغرب وفلسطين والخليج أعادت لنا الأمل وكانت ومازالت مثل الترمومتر الذى يقيس درجة الوحدة العربية التى مازالت تنبض بالحياة بأفراح ودعوات واحتفالات مدوية فى الشارع العربي.. لقد وحَّد المنتخب المصرى ـ كما هى إرادة ونوايا مصر العربية الكبيرة الشامخة ـ قلوب وحناجر العرب ليقول الجميع بلسان واحد «تحيا مصر».

على الجانب الآخر.. النوم يخاصم عيون الشعوب العربية خوفاً على حياة الطفل المغربى «ريان».. وسط دعوات صادقة تحمل أسمى مشاعر الإنسانية بنجاة الطفل من هذه الشدة وخروجه من البئر.. ويتابعون الشاشات لحظة بلحظة للاطمئنان على سلامة وحياة الطفل المغربى ريان.

هل آن الأوان أن ندرك أننا كأمة عربية.. ودول عربية، أصحاب مصير واحد.. نعيش على نفس السفينة.. بيننا قواسم مشتركة وأهداف واحدة.. أمتنا جميعاً جزء لا يتجزأ، وأن الأمة محاطة وتواجه بأصعب التحديات والتهديدات والمخاطر.. فلماذا لا نكون واحداً.. ولماذا لا تتوحد قلوبنا، ونتعاون على البناء والتنمية واستغلال الثروات والمقومات، وامتلاك القوة والقدرة.. نواجه عدونا معاً.. ونتحد.. ففى الوحدة والاتحاد قوة.. وحتى لا تأكلنا الذئاب «المسعورة» والطامعة فى أراضينا وثرواتنا ومقدراتنا، والساعية لتنفيذ أوهامها.. وانتهاك سيادتنا واغتصاب أراضينا.. إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.. فلا يجب أن نترك فرصة لأعدائنا حتى يأكلونا واحداً تلو الآخر.. فالاتحاد والوحدة العربية هما السبيل الوحيد لدحر الأطماع والأوهام.. فلا يمكن أن نتوقع من عدونا اللدود أنه يريد لنا الخير والقوة والنجاح.. إن قوتنا ووحدتنا هى مصدر أماننا واطمئناننا.. وفى مصر القدوة والمثل والنموذج الشريف، الذى يعمل بشرف وإخلاص من أجل توحيد صف العرب وعلاج وحل أزماتهم ومشاكلهم واستعادة حقوقهم المشروعة ودولهم الوطنية ومؤسساتها القادرة على الدفاع عن أمن واستقرار ورفاهية شعوبها.

صلاح ورفاقه.. وريان ومعاناته منحونا الأمل والتفاؤل فى توحيد قلوب وصف العرب.. وأن الشعوب مازالت حية تذوب عشقاً فى مصر وشعبها وتفرح وتسعد بأمجادها.. وأيضاً شعوبنا العربية، ينخلع قلبها إذا تعرض مواطن عربى لمكروه أو سوء.. ويجزلون الدعاء والتضرع للَّه وتقديم يدالعون والمساعدة للأشقاء حتى عبور المحنة والشدة.. وما أعظم المواقف المصرية التى تجود بالدعم والعون والمساعدة والدفاع عن القضايا العربية.

ما أعظم لحظات الفوز والنصر التى تجمع شمل العرب.. وما أجمل مشاهد أفراح المصريين والعرب بفوز منتخب مصر سواء تجمعت القلوب والحناجر العربية فى الكاميرون وفى كل دول العالم، وفى الشوارع والمقاهى العربية، فرحاً بفوز وانتصارات «الفراعنة».. أصحاب الحضارة والأمجاد.. حصن الأمة وسندها.

ندعو اللَّه أن يفرحنا ويسعدنا بلحظة تتويج منتخبنا المصري، وفوزه بالنجمة الثامنة.. «كأس الأمم الأفريقية» وندعو اللَّه أن يسعد كل قلوب العرب بخروج الطفل ريان حياً سليماً من غيابة الجُب، ويفرج كربه وأسرته، وجميع الأشقاء.

ما بين منتخب الفراعنة صلاح ورفاقه.. وما بين شدة الطفل المغربى «ريان».. وحدة قلوب الشعوب العربية تتجلى فى أحسن صورها.. فهل آن الأوان أن تتوحد الإرادة السياسية لدى العرب.. ويدركوا الخطر المحدق بالأمة من كل صوب وحدب ؟! فنجاح الرياضة والإنسانية يمنحنا الأمل والتفاؤل، ويطمئننا على أن إرادة الوحدة والقواسم والمشاعر المشتركة مازالت فى أوج قوتها وحيويتها.

يا رب النصر لمصر.. والفوز من نصيب الفراعنة.. لتسعد قلوب هذا الشعب العظيم.. الذى عودنا على الأمجاد والانتصارات.. ممكن.. ونستطيع بفضل اللَّه أولاً، وإرادة المصريين وروحهم القتالية أن نفوز على السنغال والحصول على كأس الأمم الأفريقية للمرة الثامنة.. ونؤكد جدارتنا بأننا ملوك أفريقيا، ونتربع على عرشها بجدارة واستحقاق.

إن شاء اللَّه.. وكما يقول التاريخ والحضارة والبطولات والأمجاد والانتصارات فى الماضى والحاضر، الملىء والثرى بقهر المستحيل.. وملاحم الإنقاذ والإنجاز فى «مصر ــ السيسي» من بطولات وتضحيات وإنجازات ونجاحات فى الداخل والخارج، فاقت كل التوقعات.. سنفوز بإذن اللَّه.. بس قول يا رب.. وشجع مصر.

تحيا مصر

الاكثر قراءة