نحن على بعد أيام من تحقيق هدفين مهمين للغاية.. الأول: الوصول إلى كأس العالم فى كرة القدم.. وهو ما يتطلب رؤية واستعداداً وتجهيزاً من الآن، وقراءة متأنية وفنية وعلمية لمباراة النهائى مع السنغال.. التى سنواجهها فى المباراتين الفاصلتين لتحقيق حلم الصعود للمونديال.. الهدف الثاني: هو استغلال أشهر الصيف فى إثراء وإنعاش الحالة الفنية، خاصة الغنائية فى المدن الساحلية.. لترسيخ الفن الأصيل، والطرب، والارتقاء بالذوق العام من خلال التوسع فى الحفلات بالمدن الساحلية للمواهب الغنائية من مختلف الأجيال، وفرق الأوبرا، ونجوم الطرب الحالي، وجيل التسعينيات.. وإعادة تقديم أغانى العمالقة الذين أثروا وشكلوا وجدان شعوب المنطقة.. وعلموها الطرب والرُقيّ.. نستطيع أن نستغل هذا الموسم الصيفي، ليتحول إلى موسم ثقافى فنى غنائى سينمائى مسرحي، فى ظل القدرة على التنقل والسفر إلى المدن الساحلية والمصايف والمنتجعات والقرى السياحية.. لنرتقى بالذوق العام.. ويعمل ويستعد الجميع فنانين وجهات إنتاج ووزارة ثقافة.
مطلوب رؤية لأكبر حركة فنية فى الصيف.. واستعداد قوى وعلمى للوصول للمونديال
من أهم عناصر النجاح، الاستفادة من الوقت والتوقيت والمناسبة فى تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا، ومناقشة تحدياتنا وإيجاد الحلول لمشاكلنا.. لذلك من المهم أن ندرك أننا أمام أمرين مهمين للغاية، الأمر الأول وهو الوصول لكأس العالم بعد أن فقدنا بشرف كأس الأمم الأفريقية فى المباراة النهائية أمام السنغال.. وأصبح لدينا أمل كبير فى الوصول للمونديال، خاصة فى ظل هذا الفريق، الذى امتلك الأداء الرجولي، وعانده الحظ فى الغيابات والإصابات.. وقدَّم للكرة المصرية وجوهاً واعدة ينتظرها مستقبل كبير فى السنوات والبطولات القادمة.
لا يجب أن تأخذنا الأيام تلو الأيام مع اقتراب المباراتين الفاصلتين ذهاباً وإياباً مع السنغال، الفريق القوى المتسلح بكتيبة من المحترفين فى أكبر الأندية الأوروبية، يجب أن نجهز لمباراتى النهائى جيداً.. ونستعد بشكل جاد ومنظم لتحقيق أهدافنا وخططنا داخل الملعب، خاصة فى ضرورة زيادة معدل السرعات واللياقة البدنية وقوة الالتحام.
الحقيقة أننا أمام سلبية خطيرة فى أداء المنتخب، وهى نُدرة القدرة أو السيطرة على الكرة، وعدم إتقان التمرير السريع والدقيق، ونعانى من فقدان الكرة والتفريط فيها بشكل ملحوظ، وهو الأمر الذى يجعلنا فى حاجة إلى ضابط للإيقاع، لاعب صاحب مهارات وقدرة على التحكم فى الأداء والسرعات.. والتدريب المركز على ضرورة وكيفية الاحتفاظ بالكرة، وعدم فقدانها، وسرعة التمرير والوصول إلى مرمى المنافس.
مطلوب من الأندية الكبيرة أن تكون مرنة فى التجاوب مع مطالب المنتخب، وأيضاً الإسراع فى إعداد اللاعبين المصابين وتجهيز مَن لم يحالفهم الحظ فى الالتحاق بمباريات بطولة كأس الأمم الأفريقية.. وأن نقرأ النواقص فى تشكيل المنتخب خلال بطولة أفريقيا، ويتم التعويض والاستعانة بلاعبين من أصحاب الخبرات والمهارات، وزيادة معدلات اللياقة البدنية، والحفاظ على الروح القتالية.
فرصتنا كبيرة إذا أحسنَّا الإعداد والتجهيز البدنى والخططي، وحالفنا الصواب فى الاختيارات طبقاً لقراءة المباراة النهائية لكأس الأمم، ولدينا أيضاً فرصة فى عودة أحمد حجازى والشناوي، وإضافة لاعبين آخرين يسدون الفراغ فى بعض المراكز.
لكن بعيداً عن المباراتين الفاصلتين للصعود للمونديال، نحتاج فكراً كرويًا ورياضيًا مختلفًا.. ربما يكون التوسع فى إطلاق العنان لاحتراف لاعبينا فى الدوريات الأوروبية، وكذلك التقليل من الاستعانة بالمحترفين الأجانب فى الدورى المصري، بما لا يزيد على لاعبين أو لاعب لكل فريق، لأن الإسراف فى استقدام لاعبين أجانب يقضى على فرصة اكتشاف وتقديم مواهب جديدة فى بعض المراكز المهمة.
الأهلى والزمالك لهما دور كبير فى إرساء حالة الاستقرار فى الدورى المصري، ولابد أن يلتزم اتحاد الكرة ولجنة التحكيم بالموضوعية والابتعاد عن مجاملة بعض الألوان، لتكون لدينا بطولة دورى قوية، على غرار الدوريات الأوروبية، وبالتالى نساعد اللاعب المصرى على الأداء القوى والاحترافي.
لكن هناك أمرًا مهمًا أيضاً، يتمثل فى خلق قاعدة كروية تبدأ من الصغر، لذلك أطالب الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة باكتشاف واحتضان المواهب الكروية منذ الصغر.. ودعمها ورعايتها من خلال مراكز الشباب، وإيفادها إلى التدريب والاحتكاك، والتعرف على الفكر الخططى فى أكبر الفرق والدوريات الأوروبية.. بمعنى أن يكون لدينا مشروع وطنى لتقديم لاعبين على غرار تجربة محمد صلاح، فى ظل تعاظم القدرات الأفريقية فى مجال اللاعبين المحترفين بما يمتلكونه من إمكانيات بدنية ولياقة غير عادية ومهارية تهدد ريادة الكرة المصرية، خاصة أن تركيزنا فقط على الدورى المصرى والاستعانة باللاعبين الأجانب، وتضييق الخناق على اللاعبين المصريين فى الاحتراف الخارجي.
إعداد مشروع وطنى جاد تُسَخَّر له كافة الإمكانيات لتقديم 50 لاعباً موهوباً فى كافة المراكز، دفاع ووسط وهجوم وحراسة مرمي.. أمر مهم لابد أن نوليه الرعاية والجدية والتقييم المستمر، مع الاستجابة لاختيارات الخبراء الموضوعيين فى الجوانب المهارية والفنية والصحية والبدنية، لأن كرة القدم أصبحت الآن لا تقتصر على الجانب المهارى فحسب، ولكن الجانب البدني.. لابد أن نوفر لكارلوس كيروش كل الإمكانات، والمطالب والقدرات التى فيها صالح المنتخب، وتحقيق الهدف المنشود فى الصعود للمونديال.
طالما أن كرة القدم أصبحت أمراً مهماً يُسعد الشعوب، بل ويقربها ويجمعها، لماذا لا تكون لدينا رؤية كاملة واستراتيجية شاملة لبناء قدرات رياضية فى مجال كرة القدم، وفى مختلف الرياضات.. وهذه الاستراتيجية تبدأ من نقطة مهمة جداً، وهى ضرورة التخلص من الآفات التى ورثناها من تعصب وغياب موضوعية، وفساد الاتحادات والأندية، والمجاملات والمحسوبية، والوساطة فى الاختيارات.. خاصة أن هناك بعض اللاعبين قررت الأندية الاستغناء عنهم، وبعد تألقهم فى الأندية الأخرى أو المنتخب أعادتهم أنديتهم الأصلية.. وهنا تبرز التساؤلات: لماذا رحلوا.. ولماذا عادوا؟.. لذلك هناك غياب للمعايير الفنية، وربما المجاملات والمحسوبية، وربما أن القائمين على الاختيار ليسوا على المستوى الفنى المطلوب، الذى يمكنهم من الاختيار الصحيح بين اللاعبين.
الأمر الثانى المهم.. ونحن فى شهر فبراير، قبل قدوم الصيف بفترة كافية للاستعداد لتنفيذ برنامج ثقافى فنى إبداعى فى جميع المدن الساحلية حيث يتجمع عدد كبير من المصريين فى المدن الساحلية، حيث الشواطئ المصرية فى المصايف والمنتجعات مثل الساحل الشمالي، ومطروح، والإسكندرية، وغيرها.. وإذا كنا نتحدث عن الرديء والمبتذل والتدنى وأغانى المهرجانات.. فهل لدينا التصور لاستغلال موسم الصيف فى تنشيط الحالة الفنية والغنائية بإعداد برنامج غنائي، وسينمائى وثقافي، يرتقى بالذوق العام، ويطرد أغانى المهرجانات والهلس الفني.. ويبنى الوعى الحقيقي، الذى ننشده جميعاً.. خاصة فى ظل الإقبال على المدن الساحلية.
أعتقد أننا مطالبون بأن نحدد المناطق التى ننصب فيها المسارح الغنائية.. والعروض المسرحية التى يقبل عليها الجمهور، بالاتفاق مع كبار الفنانين والمطربين، حتى يتوافد الجمهور عليها، ونحقق هدفين مهمين هما: إسعاد الجماهير والارتقاء بالذوق العام، وإبراز قوتنا الناعمة ومواهبنا.. والهدف الثانى هو أن تكون أسعار التذاكر بسعر متوازن يقل عن الحفلات الخاصة، ويزيد على الأسعار الرسمية، وتستطيع «الثقافة» أن تحصل على دعم وتمويل من هذه الحفلات، ومكاسب للجميع، ويمكنها الإنفاق على عمليات التطوير والتحديث وإضافة موارد جديدة لميزانيتها.
يمكننا أن نقيم حفلات لكبار نجوم الغناء بالشراكة بين الثقافة، وهؤلاء الفنانين مثل: عمرو دياب، وتامر حسني، وحماقي.. وغيرهم من المشاهير.. ويمكننا أيضاً أن نعيد الروح لأغانى التسعينيات ونجومها مثل: مصطفى قمر، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، وحميد الشاعري.. وهناك الكثير من أبناء هذا الجيل، بالإضافة إلى المواهب من العمالقة مثل أغانى أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب والأطرش وشادية وفايزة وعبدالمطلب ومحمد فوزى ورشدى وكارم محمود، لتؤديها مواهب الأوبرا المصرية، وتنظيم حفلات للطرب والصهللة لمدحت صالح وعلى الحجار وريهام عبدالحكيم ومى فاروق.. ويمكن الاستعانة بكورال الشباب والرياضة وجامعة عين شمس، وغيرهما من أصحاب المواهب والتجارب، وتبدأ هذه الحفلات بعروض الفنون الشعبية المصرية مثل فرقة رضا وغيرها، التى تعيد لنا الزمن الجميل، وترسخ فى الأجيال الجديدة الفن المصري، ونعيد إحياء القوة الناعمة المصرية.
أيضاً هناك فرصة لإحياء المسرح المصرى سواء العام أو الخاص.. وتشجيع نجوم ونجمات الكوميديا والاستعراض للمشاركة فى هذه الأعمال، والتى يقبل عليها الجمهور المصرى والعربى والخليجي، لتكون مصر مرة أخرى نقطة انطلاق الفنون والإبداع والغناء والمسرح.. فهى أول دولة فى المنطقة أبدعت وقدمت أرقى الفنون بدلاً من المزاعم والادعاءات والافتراءات والأوهام التى تروجها دول أنها أصل الفنون، وما تقدمه الآن مجرد مسخ، ولا يعبر عن هويتها أو أصلها أو غنائها.
نستطيع أن نقوِّم الحركة الفنية ونعيدها إلى قوتها، بدلاً من الإساءة لفنانينا ونجومنا.. يمكننا تنشيط الحركة الفنية حتى ولو بمساهمات بعض البنوك المصرية فى العملية الإنتاجية خاصة فى مجال الحفلات ونستطيع أن نحقق منها مكاسب كبيرة فى ظل تعطش الجماهير للفن والطرب الأصيل، الذى يجمع بين روح الأصالة والشباب، ويلبى كافة الأذواق، وأعتقد أن الشباب لا يرفض أغانى مطربينا العظام.
لماذا لا تنظم وزارة الثقافة مثلاً أربع أو خمس حفلات للموسيقار المبدع عمر خيرت، وستكون كاملة العدد، سواء فى الساحل الشمالى أو الإسكندرية، أو أى مدينة ساحلية أخري.. وأين الموسيقار ياسر عبدالرحمن وإبداعاته.. الحقيقة أن لدينا ثروة وطاقة عظيمة من المواهب والإبداع والأصوات والموسيقيين، علينا أن ندعم إحيائها وإعادتها.. ويكون الصيف مهرجانًا فنيًا ثقافيًا إبداعيًا، يشهد زخماً وتفاعلاً يعيدنا إلى فنون الزمن الجميل، ربما يكون من الأفضل أن نقدم موهبة جديدة فى بداية كل حفل من حفلات النجوم.. ولماذا أيضاً لا يكون لدينا برنامج كبير أو مشروع كبير لاكتشاف المواهب الغنائية، ودعمها وتقديمها، وسوف نصل إلى «فلتات».. يجب أن نتحرك ولا نسمح بالغث والرديء أن يستشرى ولا نسمح لمن هم محدثو فنون وغناء وإبداع أن يقولوا بجرأة غريبة إنهم بلد الفنون وأصلها.. فمصر هى أصل الحضارة والإعلام والنظم السياسية والفنون والهندسة والطب، فأول كاميرا سينمائية دخلت المنطقة كانت فى مصر.. وأول إذاعة فى عام 1934 كانت مصر.. وثانى سكة حديد فى العالم، كانت مصر.. وأول دار أوبرا كانت فى مصر.. مصر التى صدَّرت الرُقيّ والإبداع والطرب، وشكلت وجدان وأذواق شعوب المنطقة.. مصر التى يُعرَف نجومها ورموزها فى الفن فى كل الدول.
لابد أن ندافع عن حقنا.. فنحن رواد وأصل الحضارة والفنون.. ولا نسمح للأدعياء أن يروجوا الأكاذيب أو يهينوا فنانينا ونجومنا.. وأطالب الدكتور أشرف زكي، والمطرب الكبير هانى شاكر.. بالمشاركة فى تبنى حفلات ومسرحيات وأفلام الصيف، وأيضاً إيقاف سخافة بعض الفنانين المشتاقين، التى تسيء تصريحاتهم للفن المصري، لابد من احتواء هؤلاء وإتاحة الفرصة لهم فى بلدهم من خلال غزارة الإنتاج وأن يشارك الجميع فى الأعمال الفنية والحفلات الغنائية.. بدلاً من مشاهد الإهانة والاستعلاء والإساءة للفن المصرى الرائد والعريق.
الفنان الحقيقى هو مَن يحترم اسمه وفنه، ولا تغريه المهرجانات المصطنعة والاستهلاكية، التى تفتقد لأى عمق أو مضمون، ولكن مجرد استعراض و«شو» للادعاء بأقاويل لا تمت للحقيقة ولا للتاريخ بصلة.. لذلك وجب علينا إيقاف حالة الانتهازية والضعف الإنسانى أمام المغريات.. نستطيع أن نعيد زخم الحركة الفنية المصرية إذا امتلك القائمون عليها الخيال والرؤية والحلول.. لكن تفرغ البعض منهم للمصالح والحسابات والمجاملات، وثقافة «شيلنى وأشيلك» فهذا لا يصلح فى بلد هو أصل الفن والفنون والإبداع، علَّم الدنيا.. وشكَّل وجدان شعوب المنطقة، وعلمها كيف يكون الفن والتمثيل والغناء والطرب.
أتحدث من منطلق غيرتى على بلدى وأن تكون دائماً الأفضل فى كل شيء.. وأعتبر أن تفريط بعض القائمين فى ريادة مصر تحت وطأة المغريات والمجاملات هو خيانة لمجد هذا الوطن الذى يحاول البعض اختطاف وإضعاف قواه الناعمة فى الأدب والإعلام والصحافة والفن والغناء.. تشجيع مطربى المهرجانات و«الهلس» الغنائى فى الوقت الذى نمنعهم فيه، مصرون على الاستمرار فى تصدير الابتذال والتدني.
إن مصر تواجه تحديات كبيرة فى محاولات النيل من هويتها وقواها الناعمة، ولابد أن يلتفت القائمون على الحركة الثقافية والفنية إلى ذلك، ويتحلون بالمسئولية الوطنية واتخاذ الأمور بالكثير من الجدية وعدم الانصياع للمغريات، وأتحدث هنا أيضاً عن دور النقابات الفنية، بل وبعض المؤسسات الرسمية فى مجال الحركة الفنية والثقافية.. لأن تغيير الهوية الفنية، وتجريف العقول، وتبوير الوجدان، وتدنى الذوق العام، يمثل خطراً داهماً على الهوية المصرية، وقوة مصر الناعمة.. من هنا وجب علينا أن نتوقف أمام إعادة النظر فى منظومتنا الكروية، فأداء المنتخب المصرى الرجولى والقتالى وانتصاراته فى كأس الأمم، حقق أهدافاً كبيرة فى جمع الشمل العربى حول الفريق المصري، وأيضاً مطلوب إعادة صياغة المنظومة الثقافية والفنية وفق رؤية وتخطيط ودعم.. لنجذب إليها القلوب والوجدان من جديد، ونطلق العنان للآهات والطرب والصهللة بلسان مصري، وحناجر يخرج منها الإبداع والرقي.. ولدينا من المواهب والأدوات الكثير.. ولا يجب أن نفرط فى ذلك.
تحيا مصر