السبت 23 نوفمبر 2024

أخبار

مؤتمر الأوقاف يصدر وثيقة القاهرة للسلام ويدعو لإصدار ميثاق دولي يجرم الإساءة للمقدسات والرموز الدينية

  • 13-2-2022 | 22:49

المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

طباعة
  • دار الهلال

أصدر المؤتمر الثاني والثلاثين الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وبرئاسة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بعنوان: "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي": وثيقة القاهرة للسلام" دعا من خلالها إلى تحقيق السلام مطلب شرعي ووطني وإنساني يسعى لتحقيقه كل إنسان نبيل، وهو أصل راسخ في شريعتنا الغراء، وإصدار ميثاق دولي يجرم الإساءة للمقدسات والرموز الدينية، ويتصدى لخطاب الكراهية والعنصرية باعتبارهما جرائم تهدد السلم والأمن الدوليين.


وقالت "وثيقة القاهرة للسلام" الصادرة عن المؤتمر: إنه في يوم الأحد 12 رجب 1443هــ الموافق 13 فبراير 2022م، وفي ختام أعمال المؤتمر الثاني والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان: (عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي) الذي عقد بالقاهرة في الفترة من 11 – 12 من رجب 1443 هــ الموافق 12 - 13 فبراير 2022م، بحضور دولي واسع من وزراء الشئون الدينية، والمفتين، والعلماء، والمفكرين، والمثقفين، والبرلمانيين، والإعلاميين، والكتاب، من المسلمين وغيرهم من مختلف دول العالم، أجمع المشاركون على إصدار وثيقة القاهرة للسلام؛ لتحمل رسالة سلام من أرض الكنانة، من على ضفاف نيل مصر من قلب قاهرة المعز إلى الدنيا بأسرها، مفادها: أن تحقيق السلام مطلب شرعي ووطني وإنساني يسعى لتحقيقه كل إنسان نبيل، وهو أصل راسخ في شريعتنا الغراء، وأن الحوار بين الأفراد يعادله التفاهم بين المؤسسات، والتفاوض بين الدول، وتحقيق ذلك على أرض الواقع يدعم السلام المجتمعي والعالمي، كما دعت الوثيقة إلى إصدار ميثاق دولي يجرم الإساءة للمقدسات والرموز الدينية ، ويتصدى لخطاب الكراهية والعنصرية باعتبارهما جرائم تهدد السلم والأمن الدوليين.


وأكدت "وثيقة القاهرة للسلام" الصادرة عن المؤتمر: أن السلام الذي نسعى إليه هو سلام الشجعان القائم على الحق والعدل والإنصاف، النابع من منطق القوة الرشيدة التي تحمي ولا تبغي، فالسلام إنما يصنعه الأقوياء الشجعان، وشجاعة السلام لا تقل عن شجاعة الحرب والمواجهة، فكلاهما إرادة وقرار، وأن السلام لا يعني مجرد عدم الحرب، إنما يعني عدم أذى الإنسان لأخيه الإنسان، فلا بد من أن يحرص كل منا على عدم أذى الآخر بأي نوع من أنواع الأذى المادي أو المعنوي، أو أن يحاول النيل من معتقداته وثوابته الدينية أو الوطنية، وأن يحترم كلٌّ منا خصوصية الآخر الدينية والثقافية والاجتماعية وعاداته وتقاليده، وأن تكف كل دولة عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، أو محاولة إفشالها أو إضعافها أو إسقاطها، من منطلق أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، دون تكبر أو استعلاء، وأن البشرية لو أنفقت على نشر قضايا البيئة والحد من تأثير التغيرات المناخية، ومساعدة الدول المعرضة للمخاطر، والمناطق الأولى بالمساعدة، معشار ما تنفقه على الحروب لتغير وجه العالم، ولأسهم ذلك في تحقيق السلام العالمي للجميع.


كما دعت "وثيقة القاهرة للسلام" الصادرة عن المؤتمر: إلى تكثيف جهود نشر ثقافة السلام، والتحول بها من ثقافة النخب إلى ثقافة المجتمعات والأمم والشعوب، حتى تصير ثقافة السلام قناعات راسخة وقيمًا ثابتة بين سكان المعمورة جميعًا على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم، بما يحقق الصالح الإنساني العام، ويحل ثقافة التعاون والتكامل والسلام محل ثقافات العداء والاحتراب والاقتتال.
 
أكد المؤتمر الثاني والثلاثين الذي ينظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وبرئاسة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بعنوان: "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" ـ أن المواطنة المنشودة لن تتحقق إلا إذا ارتبطت بالقيم والأخلاق الحسنة ليتحقق صلاح الفرد وصلاح المجتمع ، مع إصلاح الاعتقاد ، ونشر التسامح بين جميع البشر، وأن مصر خير شاهد على العصر في تحقيق مبدأ المواطنة بين جميع فراد المجتمع ، ولتحقيق هذا الهدف لابد من التعاون الوثيق بين جميع أفراد المجتمع.


جاء ذلك في الجلسة العلمية السادسة تحت عنوان : "المواطنة والسلام العالمي" برئاسة وكيل مجلس النواب النائب محمد أبو العنين، ومشاركة رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط ،جينور ميجيلور ، ووزير الثقافة الأسبق في تونس الدكتور محمد العزيز بن عاشور، والنائب كريم درويش رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب ، ورئيس الشئون العامة بوزارة الخارجية، زكريا موسى، ونائب المفتي العام لجمهورية كازاخستان، إرشات أونجار، بحضور زير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة.
وفي بداية الجلسة قال وكيل مجلس النواب إن القضية التي يناقشها المؤتمر تدعو إلى غايات سامية، وهي تُشكل قضية أمن قومي بالدرجة الأولى لكل بلاد وشعوب العالم، مشيرًا إلى أن أهل الشر مازالوا يحاولون الطعن في هذه المبادئ وإثارة الفتن ونشر التعصب الأعمى.


وفي كلمته أكد جينور ميجيلور، أن الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط تولي اهتماما كبيرًا بالحوار بين الأديان ، كونه يعزز مبادئ التواصل الفعال والتفاهم المتبادل بين طوائف المجتمعات، مؤكدًا أن الشعوب تحتاج أن ترى قاداتها الدينين والسياسيين يعقدون مثل هذا المؤتمر وهذه اللقاءات والنقاشات حتى ينتقل هذا النقاش إلى الأفراد وينعم الجميع بالسلام المجتمعي، وهذه مسئولية الجميع، مبينًا أنه من الأهمية بمكان تعزيز مبدأ المواطنة ، وأن مصر خير شاهد على تحقيق مبدأ المواطنة بين جميع فئات المجتمع فيها.


وفي كلمته أكد الدكتور محمد العزيز بن عاشور، أنه من الأهمية بمكان الاستناد في موضوع المواطنة إلى كتاب : "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" لصاحبه العلامة الطاهر بن عاشور، الذي سعى إلى إصلاح الفرد والمجتمع والبحث عن تأثير الإسلام في المدنية الصالحة ، والتي لا تختلف في مغزاها عن المواطنة التي نتحدث عنها ، ولكي تتحقق المواطنة ينبغي أن ترتكز على مقاصد الشريعة لرجوعها إلى الاعتدال والتوسط ، مؤكدا أنه لن يتيسر بناء صرح المواطنة المنشودة إلا إذا ارتبطت بالقيم والأخلاق الحسنة ليتحقق صلاح الفرد وصلاح المجتمع ، مع إصلاح الاعتقاد ، ونشر التسامح بين جميع البشر.


وأشار عاشور إلى أن التسامح هو مفهوم إبداء السماحة للمخالفين، وأن دور الدولة هو إقامة تلك المبادئ السامية، ومن أهمها الدفاع عن الوطن وصون سيادته وحماية مجتمعه، فمن مقاصد الاسلام أن تكون الأمة مصونة الجانب منظور إليها نظرة المهابة والوقار من الأمم الأخرى.


وفي كلمته، قال النائب كريم درويش إن مستقبل الدول أصبح مرتبطًا بمفهوم المواطنة وحسن استيعاب هذا المفهوم وتطبيقه ، لافتا إلى المواطنة تؤدي إلى السلام المجتمعي الذي يؤدي إلى السلام العالمي ، وقد فهمنا هذا في مصر وطبقناه حين أرادت جماعة الشر إرهاب الشعب المصري وتغيير هويته وكنيته وثقافته فقام عليهم الشعب المصري بثورة مجيدة في الثلاثين من يونيو ، فأظهرت معدن الشعب المصري وحقيقته وإيمانه بالتسامح والمواطنة ، فالشعب المصري يضرب به المثل في المواطنة ، والحاضر يشهد أن لدينا جاليات متعددة من دول كثيرة كلها اندمجت في الكيان والهوية المصرية ولم يحدث بينهم أي تفريق، وهي رسالة من مصر في تطبيق المواطنة الحقة عمليًا دون ادعاءات أو شعارات لا علاقة لها بالواقع ، فهناك أمور كثيرة تجمعنا مع اختلاف الثقافات، مؤكد أن الرسالة السامية للمؤتمر للعالم كله هي احترام الثقافات، رافضين الفرقة التي تحدثها بعض الجماعات.


وفي كلمته أكد زكريا موسى، أنه بدون تحقيق السلام لن تتحقق التنمية التي ترجوها الشعوب، وأن المواطنة تعكس هوية الشعوب بغض النظر عن الدين والعرق، فالناس متساوون جميعًا، والجميع متحدون، ولا يتم النظر إلى المجتمع كأفراد بل كوحدة واحدة مترابطة، وأن تطبيق مبدأ المواطنة بين أفراد الوطن الواحد يبرهن على قوة وصلابة أفراده.


وفي كلمته أشاد إرشات أونجار، بالأعمال العظيمة التي تبذلها مصر لخدمة الدين الحنيف ، لافتا إلى العلاقة الدينية والثقافية بين كازاخستان ومصر الممتدة منذ عقود طويلة، مضيفا : وما أدل على ذلك من وجود مسجد الظاهر بيبرس بمصر العتيقة ، مع اهتمام مصر بعمارة المساجد لما يمثله من قيمة دينية وتاريخية للشعبين ، كما تم بناء جامعة نور مبارك بكازاخستان والتي تعد نقطة التقاء بين البلدين على مدار أكثر من عشرين عامًا ، وترسل وزارة الأوقاف أساتذتها إليها لتدريب الأئمة ورجال الدين في كازاخستان ، شاكرين تلك الجهود في تدريب أبنائنا وتثقيفهم ، مؤكدًا أن التسامح يعني اللين في التعامل مع الآخرين ، وتقبل ثقافات الجميع.


وفي مداخلته أكد وزير الأوقاف على وجوب استقاء الأخبار من مصادرها الأصلية وليس من مصادر جانبية ، مضيفا: شتان بين من يسمع على البعد ومن يعيش الواقع ، وأن الهدف من هذه اللقاءات والمنتديات هو التقارب وأن يستمع بعضنا إلى بعض عن قرب ولنقل التجارب مما يسهم في عملية حراك فكري كبير ، مؤكدًا على وجوب ترسيخ فكرة أن الدولة أولًا ومن خلالها تُقر جميع الحقوق ، وأنه لا حياة بلا وطن ، ولا وطن بلا أمن ولا أمن بلا قوة تحميه ، ولا يُمكن أن تُقر حقوق أو تُقام حياة دون وطن آمن مستقر ، مشيرًا إلى أنه إذا سقطت الدولة أو أُسقطت فلا مجال للحديث عن حقوق الإنسان ولا غيرها ، وقد شاهدنا مآسي اللاجئين والأطفال يرتجفون من البرد فوق الثلوج ، والمذيع يسألهم : أين الحماية المدنية؟ فيقولون غير موجودة، فهؤلاء فقدوا الأمن وأصبحوا لاجئين داخل بلادهم نظرًا لفقد الأمن.


وقال وزير الأوقاف : "للأسف الشديد نرى بعض من صنعوا جماعات الإرهاب ومولوها وهم يتباكون على أحوال هؤلاء اللاجئين، وهذه وصمة عار يبوء بها كل من دعم الإرهاب وصنعه وموله، فعلينا أن نتيقظ أنه لا وطن بلا أمن ، مؤكدًا أنه لا يمكن لأي دولة أن يكون فيها حقوق إنسان إلا إذا كان هناك وطن آمن مستقر ودولة تحمي هذه الحقوق، ولا يُدرك المعني الحقيقي لحقوق الإنسان إلا بإلقاء نظرة على حال الدول التي أُسقطت".


كما أكد وزير الأوقاف أننا في حاجة إلى النفس الطويل ، وأن وزارة الأوقاف اتخذت سياسة البناء وجعلتها أصلًا ، أما الحروب الجانبية والهدم فلم تتخذه أبدًا نهائيًا ، لأنه في حالة الانسياق خلف المواجهات ربما تحيد بك عن الطريق الذي رسمته لنفسك ، ناصحًا باتخاذ البناء مسلكًا ومنهجًا ، لأنه كلما قويت الدولة تلفظ الظواهر السلبية ، وأنه علينا أن نواجه الجماعات المتطرفة بمختلف أنواعها سواء أكان التطرف يمينيًّا أم يسارًا ، مستشهدًا بقول الإمام الأوزاعي، ما أمر الله في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبالي أيهما أصاب ؛ من جهة الإفراط أو من جهة التفريط ، مؤكدًا أن أهل الباطل لا يعملون إلا في غياب أهل الحق ، وأن المساحة التي يتركها أهل الحق هي التي يشغلها أهل الباطل ، ولو أن أي عاقل عرضت عليه الدين أو الوطنية عرضًا منطقيًا صحيحًا، وجاء آخر وعرض عليه التطرف لا يمكن أن ينساق إليه، لأن الإنسان مجبول على الفطرة السليمة التي فطره الله (عز وجل) عليها ، وينشأ هذا التطرف غالبًا من غياب التيار الوسطي ، وأن أي دولة تعاني من حالة ضعف تتقاذفها كل التيارات المتطرفة ، وكلما قويت الدولة تحدث حالة التوازن ، ولذلك نؤكد دائمًا على مفهوم الدولة أولًا.


وأشار وزير الأوقاف إلى أن سنة الله في الكون أن الصراع بين الحق والباطل قائم ، وأن الخوف كل الخوف من أن تجتذب الجماعات المتطرفة البعض من أهل الحق ، وأن الأصوات المناوئة لا تزيد أهل الحق إلا قوة وصلابة وتمسكًا بالحق ، وفي هذا يقول شوقي: عِداتي لَهُم فَضلٌ عَليَّ وَمِنَّةٌ **فَلا أَذهبَ الرَحمنُ عَنّي الأَعاديا // همُ بَحَثوا عَن زلَّتي فَاجتَنَبتُها**وَهُم نافَسُوني فَاكتَسَبت المَعاليا ، مضيفا : فعلينا أن نتمسك بصوت الحكمة والعقل ، وأن تظل كلمتنا راقية وموضوعية وأن منهجنا أن لا نتعرض للأشخاص ولا للمؤسسات لا تصريحًا ولا تلميحًا.

 

وأشاد البيان الختامي للمؤتمر الثاني والثلاثين الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية وبرئاسة  الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بعنوان: "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي"، بتجربة مصر الرائدة في ترسيخ ثقافة المواطنة والعيش الإنساني المشترك، وبجهود الرئيس الرائدة في العمل على تعزيز السلام الإنساني وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وقد وجه جميع المشاركين الشكر للرئيس لرعايته الكريمة للمؤتمر.

وأشاد المؤتمر في البيان الختامي له بعد انتهاء أعماله مساء اليوم الاحد، بتجربة مصر المتميزة تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية في استعادة الدولة الوطنية والحفاظ عليها، وفي مواجهة الإرهاب وترسيخ دولة المواطنة، وبناء جمهورية جديدة ترتقي بجودة الحياة لكل المواطنين، وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات أيًا كانت دياناتهم أو مذاهبهم، وتفتح أبواب المشاركة واسعة لكل أبناء المجتمع على قدم المساواة.

وأشاد البيان بمستوى تنظيم المؤتمر، وقدرة الدولة المصرية على تنظيم الفعاليات الكبرى بكل كفاءة واقتدار؛ ولا سيما في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العالم كله في مواجهة كورونا، مثمنين التزام المؤتمر بالإجراءات الاحترازية وإجراءات التباعد الاجتماعي.

وقال البيان: "بحضور كوكبة من وزراء الشئون الدينية، والمفتين، والعلماء، والمفكرين، والمثقفين، والبرلمانيين، والإعلاميين، والكتاب، من المسلمين وغيرهم من مختلف دول العالم، انعقد المؤتمر الدولي الثاني والثلاثون للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة يومي السبت والأحد 11 و 12 رجب 1443هـ الموافقين 12و13 فبراير 2022م وانتهى المؤتمر إلى: التأكيد على أن مفهوم الدولة مفهوم مرن متطور، وأن محاولة حصر مفهوم الدولة في أنموذج تاريخي معين وفرضه نمطًا ثابتًا أو قالبًا جامدًا إنما يعني غاية التحجر والجمود والوقوف عكس اتجاه عجلة الزمن، بما يشكل شللًا لحركة الحياة، فالتطور سنة الله في كونه، وإذا كان العلماء يقررون أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الحال فإن المجال الأرحب لذلك هو مجال السياسة الشرعية في بناء الدول ونظم الإدارة، وأن ما أتاحه الشرع الشريف لولي الأمر من التصرف بحكم الولاية في ضوء الحفاظ على الثوابت باب شديد المرونة والسعة، ينبئ عن عظمة الشرع الشريف، وحرصه على تحقيق مصالح البلاد والعباد، فحيث تكون المصلحة الراجحة فثمة شرع الله الحنيف، وأن المواطنة مصطلح أصيل في الإسلام، يتجاوز التنظير الفلسفي إلى سلوك عملي، وأن المواطنة الحقيقية لا إقصاء معها، ولا تفريق فيها بين المواطنين، فالفكر الإسلامي يضمن بثرائه وتجاربه أن نبني حضارات قائمة على مواطنة حقيقية بغض النظر عن العقيدة أو اللون أو العرق".

وأوصى البيان الختامي للمؤتمر بالتأكيد على أن الدولة الوطنية هي أساس أمان المجتمعات جميعها، وأن العمل على تحقيق وترسيخ المواطنة التفاعلية والإيجابية الشاملة واجب الوقت، وأن بناء الدولة والحفاظ عليها واجب ديني ووطني، والتصدي لكل محاولات هدمها أو زعزعتها ضرورة دينية ووطنية لتحقيق أمن الناس وأمانهم واستقرار حياتهم، والتأكيد على أن العلاقة بين الفرد ووطنه هي علاقة تبادلية أيًّا كانت عقيدة هذا الفرد أو عِرقه، وهي علاقة تحترم خصوصية الأفراد من حيث الحقوق، وتحترم حق المجتمع من حيث الواجبات، كما تراعي الحق العام وتحترمه، وضرورة العناية ببرامج الحماية الاجتماعية للطبقات والفئات الأولى بالرعاية، مع تثمين المؤتمر عاليًا لجهود وبرامج الدولة المصرية في برامج الحماية الاجتماعية ، وعلى وجه أخص مبادرة حياة كريمة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية لتنمية الريف المصري.

ودعا المؤتمر، إلى العمل على تنمية ثقافة المواطنة لدى النشء منذ نعومة أظافرهم، وتدريب الكوادر الوطنية وبخاصة الشبابية على خلق حالة من الوعي بأهمية المواطنة واحترام الآخر، والتأكيد على حريته في اختيار معتقده وحقه في إقامة شعائر دينه، والتأكيد على أن أوطاننا أمانة في أعناقنا يجب أن نحافظ عليها – أفرادًا ومؤسسات وشعوبًا وحكومات – وبكل ما أوتينا من قوة وأدوات وفكر، وحتمية تكثيف الخطاب الديني والإعلامي لنشر أخلاقيات التعامل مع المجتمع الرقمي، وتوعية المواطنين جميعًا بعدم نشر أو ترويج الأخبار التي من شأنها الإضرار بالأمن أو إشاعة الفتن، مع تشديد عقوبات هذه الجرائم بما يحقق الانضباط السلوكي والردع اللازم للمنحرفين عن سبل الجادة، وتدريب الأئمة والمعلمين ومقدمي البرامج الدينية والثقافية والإعلامية على غرس قيم التسامح، والتعايش السلمي، والقيم الإنسانية المشتركة.

وطالب المؤتمر بتضافر الجهود العالمية للعمل على تفكيك بنية خطاب العنصرية والكراهية، وتصحيح المفاهيم التي قد تؤجّج الصراعات بين البشر، وتقديم التفسير الصحيح للنصوص التي يستغلها المتطرفون لترويج أيديولوجياتهم، والتأكيد على دور البرلمانات التشريعي والرقابي في ترسيخ دولة المواطنة التي لا تمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللون، وتؤمن بالتنوع، وتحترم التعددية وتعدها ثراءً للمجتمع، والدولة أولاً ومن خلالها تُقرّ جميع الحقوق، فدولة المواطنة هي الأساس الذي يبنى عليه السلام المجتمعي والعالمي، وأي إضعاف للدولة أو المساس بسلامتها واستقرارها هو تهديد للسلم والأمن المجتمعي والعالمي، وإفساح المجال للجماعات الإرهابية والميلشيات الطائفية لتعيث في الأرض فسادًا.

من جانبه، قال الدكتور نظير عيّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إن كلمة "الوطن" ليست كلمة حديثة أو دخيلة على اللهجات واللغات الإنسانية اليوم؛ بل هي قديمة متجذرة في أعماق التاريخ الإنساني والبشري، لافتا إلى أن حب الوطن والإخلاص له وضرورة الانتماء إليه قد وردت فيه نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.


وأضاف عياد - في تصريحات على هامش المؤتمر الثاني والثلاثين الذي ينظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وبرئاسة وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، بعنوان: "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" ـ أن الله تعالى أنعم علينا في بلدنا الحبيبة مصر الغالية بتطبيق هذا المبدأ على النحو المطلوب الوافي الذي يتوافق مع الأصول الدينية والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية المعاصرة، وذلك برغم ما حرصت عليه الجماعات المتطرفة من محاولة زعزعة الاستقرار المجتمعي وتأجيج صراعات الفتنة، مؤكدًا على الدور المحوري الذي تقوم به المؤسسات الدينية في مصر - وفي مقدمتها الأزهر الشريف - على تعزيز قيم المواطنة الشاملة، وذلك من خلال الخطاب الديني والدعوي الوسطي الذي تقدمه في هذا المضمار، وقد ترتب على هذا الخطاب ما نعيشه اليوم من حالة الوئام والتسامح والتعايش بين جميع أفراد المجتمع المصري.


وفي سياق متصل، أشاد مستشار وزارة الأوقاف الفلسطينية، الدكتور جمال أبو الهنود، بموضوع المؤتمر "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي"، مؤكدا أن وزارة الأوقاف المصرية تقدم خدمات جليلة للأمتين العربية والإسلامية وليس مصر وحدها لأنها تخدم المفاهيم الصحيحة والوسطية والاعتدال وتنشر الفكر المستنير.

وأكد مستشار وزارة الأوقاف الفلسطينيةأن هذه المؤتمرات تحمل للأمة المصرية والعربية على السواء عناوين تأتي مكملة لبعضها لخدمة الإسلام والأمة والوطن وما من اختيار لموضوع في هذه المؤتمرات إلا ويصلح أن يكون رسالة دكتوراه، ولموضع المواطنة أهمية، حيث إن الوطن والمواطن تتقاذف عليه فتن من كل حدب وصوب للنيل من أوطاننا وديننا ومقدساتنا وتراثنا، فتحقيق المواطنة للسلام الاجتماعي يواجهه معاول هدم للوطن والمواطنة.

من جانبه، أكد رئيس مركز التسامح في البرازيل الدكتور عبد الحميد متولي، أن المواطنة فضيلة، والفضيلة تكون بين رذيلتين: رذيلة الغلو ورذيلة التفريط والتهاون، وأن وزارة الأوقاف قد حاربتهما وكانت الوزارة بمثابة الصخرة التي تحطمت عليها أفكار المتطرفين، كما ساعدت الوزارة على تثقيف الأئمة داخليا وخارجيا من خلال أكاديمية الأوقاف الدولية، ومن خلال كتب وزير الأوقاف التي وصلت لجميع الناس ، لأنه حارب الفكر بالفكر ، كما نشكر جهود الزير في تثقيف الدعاة بأكاديمية الأوقاف الدولية والتي تخدم جميع دول العالم تدريبًا وتثقيفًا، فأصبح المبعوث الخارجي للأوقاف المصرية يقدم صورة مشرفة لأنه لا يدرس الدين فقط وإنما يدرس جميع العلوم التي تخدمه في حياته العملية، وله دور عظيم في محاربة المتطرفين بكل إصدارات الكتب التي أصدرتها وزارة الأوقاف بأكثر من 12 لغة، مضيفًا أن على المجالس التشريعية دورًا هامًّا بسن القوانين لردع الذين يريدون نشر الفوضى الخلاقة بهدم المواطنة.

وكان المشاركون في المؤتمر الثاني والثلاثين الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، دعوا في وقت سابق، كل المؤسسات التربوية والصحفية والإعلامية إلى العمل على توجيه المواطنين إلى منظومة القيم والأخلاق الحسنة التي تُعَدّ أساس التعايش بين الناس؛ حتى يعيش الإنسان في سعادة ووئام مع مجتمعه.

وجاء ذلك في الجلسة العلمية الثانية لأعمال المؤتمر الذي ينظم بعنوان: "عقد المواطنة وأثره في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وبرئاسة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، اليوم، والتي شارك فيها كل من: أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الدكتور محمد عبدالستار الجبالي، الكاتب الصحفي الدكتور وجدي زين الدين رئيس تحرير صحيفة "الوفد "، والكاتب الصحفي هاني لبيب.

وأكد المشاركون أن الإسلام لا يعارض الوطنية وحب الوطن والمواطنة ، مشددا على أن المواطنة المصرية منذ ثورة 30 يونيو قد رسخت للحقوق والواجبات بشكل يحفظ للدولة مقدراتها في شتى المجالات، مرتكزة في ذلك على منظومة العدل والمساواة بين المواطنين المصريين جميعًا.

ودعا الدكتور الجبالي، كل المؤسسات التربوية والإعلامية إلى العمل على توجيه الناس إلى منظومة القيم والأخلاق الحسنة التي تُعَدّ أساس التعايش بين الناس؛ حتى يعيش الإنسان في سعادة ووئام مع مجتمعه، مؤكدا أن الإسلام لا يعارض الوطنية وحب الوطن والمواطنة بل يجعل كل تلك المعاني والمفاهيم من الدين، وقد دعا إلى ترسيخ أسسها ودعائمها لتحقيق السلام المجتمعي والعالمي؛ فمحبة الأوطان والانتماء إليها أمر غريزي، وطبيعة طبع الله تعالى النفوس عليها، وهي السبيل القويم للتفاعل والتعاون بين أبناء البلد الواحد وبين سائر البلدان لما فيه الخير والسعادة للإنسانية، وهذه هي الوطنية التي جاء بها الإسلام ودعا إليها.

وأضاف الجبالي، خلال كلمته التي جاءت تحت عنوان "أسس المواطنة وأثرها في تحقيق السلام المجتمعي والعالمي" أن أهم هذه القيم: التربية على التسامح بحيث يكون التسامح مرتبطًا بسلوكنا اليومي، فهو وحده الذي يضمن الخير للمجتمع، ويجعله يدًا واحدة، ويضمن للناس مصلحتهم وقوتهم وتماسكهم، ويحقق المواطنة بينهم، فالمواطنة هي ضمانة المجتمع من الانحلال، والتسامح الاجتماعي حينما يصبح سلوكًا تلقائيًّا غير متكلَّف هو أول دعامة من دعائم المواطنة.

وتابع الجبالي قائلا : لا شك أن المواطنة المنشودة لتحقيق السلام بصفة عامة لابد أن تقوم على أساس احترام العقود والمواثيق؛ وذلك لأن نقضها وعدم الالتزام بقواعدها يورث ضعفًا وخللًا داخل الأفراد والمجتمعات؛ ولذلك جاءت تعاليم الإسلام تأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، سواء أكانت عهودًا مع الله تعالى أم مع الناس وأن أيّ تقصير في الوفاء بالعهد يعتبر إثمًا كبيرًا يستوجب المقت والغضب، وأن جميع العهود التي يقطعها الإنسان على نفسه يعد مسئولًا عن الوفاء بها، ويحاسب على تركها، يقول الله تعالى: ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا).

بدوره، قال الكاتب الصحفي الدكتور وجدي زين الدين، إن مفهوم المواطنة ليس حديثًا ولا مستحدثًا في الإسلام، فقد أقام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنبل المجتمعات، وأرسى فيها أرفع القيم، ومنها قيم المواطنة الصالحة التي تجعل كل فرد عضوًا صالحًا في مجتمعه، ولاءً وانتماءً وعملًا وسلوكًا.

وأضاف رئيس تحرير الوفد، أن من قيم المواطنة في العهد النبوي: حب الوطن، وعدم خيانته، والدفاع عنه في أوقات السلم والحرب، وحمايته من الأخطار، وصدّ الشائعات عنه، وحفظ أمنه واستقراره، والتصدي لمن يزرع الفتنة والفرقة فيه، والعناية بمصالحه العليا، وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المبادئ حتى جعل المدينة النبوية واحة أمن وأمان، وتصدى بحزم لكل محاولة مغرضة لزعزعة استقرار المدينة داخليًّا وخارجيًّا.

ودعا رئيس تحرير الوفد إلى بناء العلاقة الإيجابية بين مؤسسات الوطن وأفراده، والتي تقوم على أساس الحقوق والواجبات المتبادلة والمنوطة بكل طرف، من ولاء، ووفاء، واحترام، وتوقير، وجلب المنافع، ودفع المضار، واحترام النظام والقانون، لافتا إلى أن الإسلام قد رَسَّخَ هذا الجانب صيانة للمجتمع من الخلل والفوضى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم على روح القانون والعدالة في المجتمع، فلا ظلم ولا فوضى ولا محاباة، حيث جعل الإسلام المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال والأوطان من الضروريات التي يجب المحافظة عليها، وحرَّم الاعتداء عليها، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم المواثيق التي تحقق السلام في المجتمع، وترسي دعائم العلاقات السلمية بين المسلمين وغيرهم.

من جانبه ، أشاد الكاتب الصحفي هاني لبيب، بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعيين المستشار بولس فهمي رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، مؤكدا أن المواطنة المصرية منذ ثورة 30 يونيو قد رسخت للحقوق والواجبات بشكل يحفظ للدولة مقدراتها في شتى المجالات، مرتكزة في ذلك على منظومة العدل والمساواة بين المواطنين المصريين جميعًا.

وأضاف لبيب ـ خلال كلمته التي جاءت تحت عنوان "استعادة وطن" - أن الاهتمام بقضية المواطنة في إطار المساواة والمشاركة الحضارية والالتزام بالحرية والعدالة يدعم اشتراك كافة المواطنين واندماجهم في تحديد مصيرهم من أجل صناعة المستقبل، وهكذا يجب الاهتمام بترسيخ مفهوم "الدولة المدنية" التي تقوم أساسًا على احترام الدين، وعلى تبجيل الإيمان.

وأوضح لبيب ، أن ثورة 30 يونيو قدمت نموذجًا واضح المعالم يجسد مفهوم "المواطنة" تجسيدًا حقيقيًّا، إذ شارك فيها جميع فئات المواطنين المصريين دون استثناء بهدف استرجاع الدولة المصرية، وقد نجح الأمر بشكل مبهر، وسرعان ما أُعيد تأسيس منظومة المواطنة المصرية بشكلها الحقيقي، وتجلى ذلك في أسلوب الدولة المصرية بعد ذلك، ومن النماذج الدالة هنا هو طريقة التعامل - في إطار منظومة "المواطنة" - مع اختلاف الديانة أو الجنس أو القدرة، ارتكازًا على إصلاحات وتعديلات تشريعية تحت مظلة المبادرات الرئاسية المتوالية التي أعلن عنها الرئيس السيسي منذ 2014م وإلى الآن؛ لتحقيق الأمن المجتمعي تراكميًّا.

 

الاكثر قراءة