يشغلني هاجس يتعلق بمصير المكتبات الخاصة المنتشرة في بيوت المفكرين والعلماء والكتاب والأدباء والفنانين والمثقفين والقراء بشكل عام، آلاف مُؤلَفة من الكُتُب في مختلف فروع المعرفة لعل من بينها ما أصبح أثرًا يزيد عمره على مائة عام، هذه المكتبات تشغل مكانة خاصة جدًا ومميزة في قلوب أصحابها وعقولهم قبل منازلهم وحجراتهم، عمرها في معظم الأحوال من عمر أصحابها أو قد تكون أكبر جيلًا في حالة أن ورثوها عن أبويهم مثلًا، يفرض أصحاب هذه المكتبات عادة حظرًا صارمًا على التماس معها، ويبخلون بمحتوياتها حتى على أقرب المقربين لهم، شغف يزيد مع مرور الأيام فلا يخص بسحره وسره إلا دراويش القراءة والكتابة.
"مصر بتجمع مليون كتاب" مبادرة أطلقها الكاتب أحمد مراد، عضو مجلس إدارة مؤسسة iRead المعنية بشئون القراءة والكتابة على امتداد الوطن العربي، وتستهدف تجميع مليون كتاب على مدار تسعة أشهر من جميع أنحاء الجمهورية، تمهيدًا لفرزها وإعادة توزيعها على المدارس والجامعات ومراكز الشباب بالتنسيق مع وزارة الشباب والرياضة، والفكرة راودت "مراد" بينما يفرز مكتبته تمهيدًا للانتقال إلى بيتٍ جديد، اكتشف وقتها حوزته كُتُب كثيرة تعود إلى صغره وطفولته، فقام برفعها على قسم الكُتُب المستعملة بمتجر iRead لتسويق الكتب، وكانت المفاجأة في نفاد الكميات المعروضة في أيام قليلة، وهو ما جعله يدرك أن فكرة شراء الكُتُب المستعملة لا تزال موجودة بقوة.
في تقرير لـ نبيلة عبد الجواد على منصة iRead الإلكترونية، يؤكد أحمد مراد أن حركة التدوير المجتمعي للكُتُب كادت أن تتوقف مؤخرًا نظرًا لافتقاد المجتمع فكر تبادل الكُتُب، وهو ما دفعه إلى طرح مبادرته لإعادة حركة التدوير المجتمعي للكُتُب، والمساهمة في إحياء القراءة في مصر والوطن العربي، آملًا أن تحقق المبادرة المرجو منها في المدارس والجامعات ومراكز الشباب، وهو ما جعله يهتم بتوقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الشباب والرياضة ومؤسسة iRead وتدشين المبادرة تحت هاشتاج "#باصي_كتاب" برعاية رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وحماس الدولة جاء انطلاقًا من حرصها على إثراء المعرفة وتسليط الضوء على أهمية الثقافة ودورها التنويري في المجتمع.
قبل إطلاق أحمد مراد مبادرته بعدة ساعات، كانت أسرة أيقونة الصحافة العربية الأستاذ "هيكل" تَحل ضيفة على مكتبة الإسكندرية، والمناسبة افتتاح جناح خاص ومعرض دائم بعنوان "محمد حسنين هيكل.. رحلة حياة" في حضور مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي، حيث بادرت أسرة "هيكل" بالتنسيق مع مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية وحرصًا على توثيق مسيرته الحافلة، بإهداء مكتبة الإسكندرية مكتبة "هيكل" الشخصية بمحتوياتها من كتب وأوراق ووثائق نادرة، وكذلك الأثاث الأصلي لمكتبه وأدواته المكتبية الشخصية ومجموعة كبيرة من الخرائط والوثائق التاريخية الهامة، وبحيث يصبح الإرث المهني للراحل الكبير في عهدة مكتبة الإسكندرية، ومُتاحًا في أي وقت لاطلاع الزائرين والباحثين والدارسين.
كلا النموذجين يمثل منهجًا للتصرف في المكتبات الخاصة، يضمن في كل الأحوال مصيرًا آمنًا إلى حدٍ كبير لما تزخر به هذه المكتبات من كنوز المعرفة، أحدهما بادر به كاتب في حياته مثلما فعل "مراد"، والآخر قدمه ورثة على درجة عالية من الوعي بعد رحيل صاحب الشأن كما في حالة الأستاذ "هيكل"، وهو ما يفتح الباب لأفكار متجددة دائمًا في هذا المجال، نتمنى أن تلتف حولها متضامنة دائمًا الجهود الذاتية والرسمية معًا، لا شيء أهم من المعرفة، والأنشطة المتصلة بها هي أقوى صمام أمان، يحمي الهوية المصرية في مواجهة الأخطار المُهددة في كل وقت، فكر من الآن في مستقبل مكتبتك الخاصة.