السبت 20 ابريل 2024

مصر للطيران فخر مصر وفخر الطيران

مقالات19-2-2022 | 23:53

ركبت أول طائرة في حياتي عائدة إلى موطني الأصلي مصر في عمر الشهور، حيث أنني من مواليد العاصمة برازيليا، فقد كان إجمالي زمن الرحلة يستغرق نحو الثمانية عشر ساعة من برازيليا إلى مطار هيثرو، ثم من هيثرو إلى مطار القاهرة شاملاً فترة الترانزيت.

وقد سبق وأن اعتادت أمي إخطاري أن كل متعلقاتنا الثمينة شاملة ملابسنا وكل إكسسواراتها من الأحجار الكريمة التي تشتهر بها البرازيل، والأحذية المستوردة، ومتعلقاتي كطفلة وليدة تم سرقتها بمطار هيثرو الضخم، وقد علمنا بعدها أن عصابة متعددة الأفراد من حاملي الحقائب وغيرهم اعتادوا سرقة حقائب الركاب بحرفية شديدة، وبعد قيام أسرتي بالإبلاغ عن الواقعة تم صرف تعويض هزيل بالدولار الأمريكي الذي لم يكن يتعدى الخمسة وستون قرشاً آنذاك، وبالطبع لم يكن ليعوض بأية حال كل ما اكتظت به حقائبنا مع كل أسف.

وتكررت سفراتي على مدار العمر واستخدامي للعديد من خطوط الطيران الإنجليزية، والهولندية، والألمانية، والمجرية، والتشيكية، والإيطالية، والروسية، والإسبانية، والسعودية، والإماراتية، والخليجية، وكذا بعض الخطوط المحلية داخل أوروبا مثل رايانآير وإيزي جيت و آير يوروب ويورو وينجز، وبالطبع كانت الشركة الوطنية "مصر للطيران" شريكي ورفيق سفري في معظم رحلاتي للخارج، ولا يمكنني أن أنكر بالمرة كامل إحساسي بعنصر الأمان في كل رحلاتي التي استقليت فيها خطوط مصر للطيران، التي لطالما اشتهرت بكفاءة وجدارة طياريها، وهو الأمر الذي لا يمكن أبدا أن يكون حتى محل مزايدة أو مناقشة، لأنه أمراً مُسلّماً به ومعروف داخل نطاق مجال الطيران والسفر، وهو الأمر الذي قد يكون أحد أسباب سعي بعض خطوط الطيران الأخرى لتفريغ مصر للطيران من أكفأ طياريها.

على كل حال، ولأن استقلالي لآخر رحلاتي مازال حديثاً في مستهل هذا الشهر، فقد كان الطيار عمرو جرانة، كابتن رحلتي من القاهرة إلى جدة الذي أعلن عن اسمه في بداية ونهاية الرحلة، كفؤاً إلى الدرجة التي أكاد أقسم فيها بأنني لم أشعر بأي مؤشرات للهبوط كما أعتدت في رحلاتي على خطوط طيران أجنبية، حتى أنني وجدت الطائرة فجأة وقد لامست عجلاتها أرض الممر، ولأنه على ما يبدو أن الأمر قد أصبح معتاداً على مستقلي مصر للطيران، بالإضافة إلى أن فِقه التقدير والامتنان قد أصبح عزيزاً وشحيحاً على نفوس أشباه البشر، فقد قمت أنا وأمي وبضعة آخرين بالتصفيق الذي يعكس إحساس الفخر المعتاد، كما قمت أنا وأمي بتقديم كلمات الشكر لكابتن الطائرة ونحن في طريق الخروج.

وليس أدل على ذلك من عدد المواقف التي تحمل صفة الطارئ أو الخطورة أو الأزمة، والتي أثبت فيها طياري مصر للطيران كامل استحقاقهم للاحترام تقديراً لجهودهم، وآخرها تغلب الطيار/ وليد مراد على الظروف الجوية اليوم والمحيطة بمطار هيثرو في لندن مدينة الضباب، وهبوطه بسلاسة شديدة رغماً عن كل عوامل الصعوبة التي جعلت برج المراقبة في حالة ذهول وتعجب، وهو بالتبعية ما جعلنا محل فخر أمام العالم بأسره.

والأمر ذاته يمتد لأطقم الضيافة المحترف، ففي الوقت الذي كنت أسمع فيه تداول نفس الجمل والكلمات السخيفة الساخرة من الشركة الوطنية وأطقم ضيافتها، كنت أجد العكس تماماً في كل سفراتي للخارج، فأطقم الضيافة على قدر كبير من الاحترافية، مهندمين، يتحدثون لغة أو اثنين، تحمل ملامحهم ابتسامة دائمة لا تغادر وجههم، دائماً ما يبذلون أقصى ما في وسعهم لمساعدة المسافرين وتحقيق طلباتهم، بعكس كل أطقم الضيافة الذين تعاملت معهم داخل القارة الأوروبية بشكل خاص سواء رجال أو سيدات.

فإذا كانت كلماتي تحمل الكثير من التحيز، فكن على ثقة ويقين أنه تحيز مشروع وجائز بلغة إحقاق الحق لمستحقيه، فتكرار المواقف مع نفس النتيجة المعروفة مسبقاً لهو خير دليل على موضوعية الرأي ورجاحته القاطعة.

كل ما أرجوه وأتمناه هو نفض صفة الإحساس بالدونية عند البعض الذاهب إلى الانتقاص من قدر كل ما هو وطني وترجيح "عقدة الخواجة" حتى لو كان هذا الخواجة مواليد أول أمس ولا يحمل من خبرات الدنيا إلا القليل، فالناكر لكل شيء وغير المعترف بالجميل هو كائن عليل النفس شحيح الإنسانية يجب علاجه بين طبقات السحاب الغامض المرعب، وأرجح علاج في تقديري هو وضعه في تجربة عملية وحية لها صفة الأزمة ومعايشة الأمر كأنه واقعاً حادثاً، على طريقة السيميوليتور أو المحاكاة التي يطبقها كل الطيارين إجبارياً خلال فترة الدراسة وبعدها، ومن ثم تصور أو توقع حجم التحدي الذي يوضع فيه أي طاقم طائرة في مواقف مختلفة، ومقارنتها بتصرف ورد فعل أطقم الطيران المصريين عن أمثالهم من غير المصريين.

كل التقدير والاحترام والعرفان لشركة الطيران الوطنية الرفيق الآمن في الجو لملايين المسافرين مصريين وغيرهم، أنتم فخر لنا ونحن لكم شاكرون ومقدرون لجدراتكم المستحقة.