السبت 4 مايو 2024

كفانا كركمين!

مقالات21-2-2022 | 10:59

عندما بدأتُ حياتي العملية بإحدى شركات الأدوية العالمية، خصّصوا للمستجدين - وأنا منهم -، برامج تدريب مطوّلة ومحاضرات عن مواثيق الشرف المُتبعة في عمل الدعاية للمنتجات الطبية والأدوية، ومن ضمن ما كان يتم التأكيد عليه بشدة، خطورة توجيه الدعاية للأدوية بشكل مباشر للمرضى مهما كان نوع الدواء، باعتبار ذلك مخالفًا لمواثيق الشرف التي تعمل تحت مظلتها شركات الأدوية، ولا يجب مخالفتها، حيث إنه من المحظور عمل إعلان تجاري لأيٍ من الأدوية، حيث إنه من المعلوم أن استخدام الدواء يختلف من شخص إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، فلا يجب الإعلان عنه واستخدامه من قِبَل المرضى دون إشراف طبي مباشر.

ليس هذا فحسب، بل إن بعض برامج التليفزيون التي كانت تستضيف كبار الأطباء في فقراتها للتحدث عن بعض الأمراض أو الأمور الطبية، كانت تحظر على هؤلاء الضيوف من الأطباء ذكر أسماء أدوية للأمراض، سواء كانت تجارية أو حتى علمية، حتى لا يتأثر المتابعون من المشاهدين بما يقوله الضيف.

ومع الوقت بدأ الأمر يتغير، وتتملّص بعض الشركات من تلك المواثيق وتقوم بعمل إعلانات عن بعض الأدوية في الفضائيات، خصوصًا بعد ظهور تلك المنشطات الجنسية الشهيرة التي طرحتها بعض الشركات في الصيدليات، ثم بدأت موجات من الإعلانات لبعض أدوية البرد والصداع وتلك الأعراض البسيطة التي يمكن أن يتناول معها المرضى تلك الأدوية دون وصفات طبية.

كل هذا - رغم خطورته ومخالفته لمواثيق الشرف التي كانت تلتزم بها شركات الأدوية قديمًا- كان يمكن التعامل معه والحدّ منه بشكل أو بآخر، حتى بدأ انتشار بيزنس البرامج الطبية المدفوعة والإعلانات الصريحة عن بعض الأدوية والأعشاب.

حيث تحول الأمر في السنوات الأخيرة إلى فوضى بمعنى الكلمة، فكل من يستطيع شراء بعض الوقت على هواء بعض الفضائيات المغمورة، يقوم بنشر إعلانات مضللة عن بعض المنتجات غير المرخصة والمجهولة المصدر من خلال تلك البرامج، ولم يكتف هؤلاء المضللون والنصابون بتلك القنوات التائهة، بل إنهم بعدما ازدادوا في تبجّحهم وصلفهم بعد ما حققوه من أرباح، جرّاء ما قاموا به من عمليات نصب على المرضى الغلابة بتلك الإعلانات التي أقل ما يقال عنها أنها جرائم طبية على الهواء، استطاعوا الوصول إلى القنوات الفضائية الشهيرة التي لها بعض المصداقية لدى المشاهدين، وتحت سطوة المادة والإغراءات المالية، تم شراء الفضاء لأوقات طويلة لتلك الإعلانات والبرامج الطبية الدعائية لبعض الأشخاص الذين ينتمون للحقل الطبي أو حتى لا ينتمون له؛ لعمل دعاية مدفوعة ومضللة لبعض المنتجات والمراكز الطبية التي لا يرتادها أحد لضعف الخدمة وقلة خبرة من يعملون بها، حتى يمكن جذب العملاء لها وبيع تلك المنتجات التي معظمها غير مرخص من وزارة الصحة، وله من الأعراض الجانبية ما يجعل استعماله خطيرًا.

لقد آن الأوان أن يتوقف هذا الهراء، وأن تقوم الهيئة الوطنية للإعلام بالاشتراك مع وزارة الصحة وهيئة الأدوية، بمراجعة كافة تلك البرامج المسماة بالطبية ومحتوى ما تقدمه من معلومات، كما أنه يجب الترخيص لأي دعاية طبية متلفزة أو إعلانات عن أدوية لعلاج الأمراض من وزارة الصحة، حتى تتوقف تلك المهزلة الإعلانية والتضليل المستمر.

إذا كنّا نتابع ما يقوم به الإعلام من صناعة للوعي لدى المواطنين في شتى المجالات، فإنه ينبغي أن نوقف ما ينتشر كذبًا وتضليلًا دعائيًا لأعشاب ضارة وأدوية غير مرخصة، وأشخاص غير مؤهلين من خلال هذا الإعلام فورًا، ومنع ظهور أي مادة طبية أو إعلانية إلا بإشراف الجهات المختصة وموافقتها.. كفانا كركمين.

Dr.Randa
Dr.Radwa