"حرية تايهة يا ولاد الحلال".. هكذا أتصور النداء الذي ظهر في ألمانيا وقبلها أمريكا بعد قرارها وقف بث القناة الروسية منذ شهور، وكلما ازداد النداء ازدادت أعداد الدول التي توقف بث القناة الروسية، وازداد النداء فتطور الأمر نحو قرار الاتحاد الأوروبي وقف الآلة الإعلامية الروسية التي قالوا عنها إنها "مضللة"!
لقد تعب قادة أوروبا بعد أن أعياهم التفكير، فكيف يحمون شعوبهم من التعرض للأكاذيب والتضليل الروسى، فهم لا يرضون لشعوبهم أن تتعب أو تتعرض مشاعرهم للكذب، تلك المشكلة الكبيرة لا يمكن السكوت عليها، لذلك بعد التفكير ظهر أمامهم الحل السليم الذي سيريح ويستريح: وهو وقف الألة الإعلامية الروسية؛ وبذلك سيختفى الكذب والتضليل فى الأراضى الأوروبية!
لقد بدأ تيه "الحرية" منذ ٢٠١٨ عندما أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية بث القناة الروسية التى كانت مسجلة ك "عميل أجنبى" ثم منذ شهور فى ألمانيا قبل بدء الحرب الروسية الأوكرانية عندما أجبرت هيئة تنظيم وسائل الإعلام الألمانية خدمة القمر الصناعى الأوروبى على وقف بث قناة أر تى الروسية الناطقة بالألمانية بعد تدهور العلاقات بينهما، وكان العنوان لذلك القرار "لطيفا" وهو عدم التزام القناة ببعض الشروط !
أما روسيا فكانت واضحة ومحددة وأعلنت وقف بث القناة الألمانية رداً على ذلك، وهنا ظهر المارد الأمريكانى الذى لن يقف مكتوف الأيدى، فاعترض وشجب وإدان القرار الروسى!
المفارقة أن الحديث منذ أسابيع عن الحرب الروسية على أوكرانيا والتأكيد على حدوثها، والعقوبات التى سيتم توقيعها مثل منع الطائرات الروسية من دخول الدول، ومنع استخدام الأجواء الأوروبية، والإجراءات الاقتصادية والحرمان من استخدام نظام التحويلات البنكية "سويفت" كلها جاءت بعد مناقشات وجدال ومباحثات، أما منع القناة الروسية فقد سبق كل ذلك وسبق الحرب ذاتها وتوالت قرارات المنع بعد ذلك من دول أوروبا !، وعندما شعر القادة أن القرار غير كافٍ، تم منع الوكالة الروسية ولكن الكلام هذه المرة محدد وواضح وصريح: حتى لا يخضع المواطن الأوروبى لـ "آلة التضليل الإعلامية"!
فقد قلق "البرلمان الاوروبى" من "المعلومات المغلوطة الهادفة إلى زيادة الهيمنة الروسية على حساب الاتحاد الأوروبي"!
أين ذهبت الحرية؟ ما موقع التعبير عن الرأى من الإعراب؟؟ كيف حال حق المعرفة؟؟ أليس من حق الجمهور أن يعرف الأكاذيب ويدرك التضليل ؟
لا تتساءل عزيزى القارئ عن الحرية فقد تحولت إلى طفل ضائع امتلكته أمريكا والدول الأوروبية، ولا تفكر لماذا اعترضت أمريكا على القرار الروسى وكأنها لم تعرف بأنه رد فعل على الألمانى فقد سبق وأن اتخذته، ولا تبحث عن علاقة القنوات والوكالة الروسية بأى شيء، ولماذا تعاملت تلك الدول مع مواطنيها وكأنهم أطفال عليهم ألا يشاهدوا تلك القنوات حتى لا يعرفوا "الكذب " الروسى !
ولا يشغلك البحث عن الخطر الذى تمثله مجموعة من الأخبار والتغطيات حتى لو كانت كاذبة ومضللة.. فقد تناست أوروبا كل ما قيل ويقال عن الحرية الإعلامية وحرية التعبير والمعرفة.
حقاً ما أجمل تلك المجتمعات التى تعرف جيدا مصلحة مواطنيها، وتحافظ عليهم من معرفة أي أخبار خاصة لو كانت كاذبة ومضللة.