تمر هذه الأيام ثلاث سنوات على انتخاب الرئيس السيسى رئيساً لجمهورية مصر العربية. ودائماً ما يكون الحكم والتقييم لأى نظام سياسى لابد أن يكون هذا الحكم وذاك التقييم من خلال الظروف الموضوعية وقراءة الواقع السياسى الداخلى والإقليمى والعالمى التى بدأ فيها هذا النظام مسئوليته. ومن المعروف أن نتائج هبة ٢٥ يناير ٢٠١١ وما صاحبها من فوضى حقيقة وانفلات أمنى أصاب هيبة الدولة فى مقتل ، الشىء الذى جاء سلبية على كل المستويات. فعلى المستوى الأمنى غاب الأمن وتوارت الدولة فعمت الف وضى التى كان فيها كل من يريد أن يفعل شيئاً يفعله بلا رقابة وبدون حساب فتم الاعتداء على أراضى الدولة واستنزفت الأراضى الزراعية وتحولت إلى صروح أسمنتية بلا حياة وسقطت القيم وتوارت الأخلاق وزاد الفساد بشكل مرضى.
على المستوى الاقتصادى فقد أصيبت الحركة الاقتصادية بحالة ركود اقتصادى غير مسبوقة ففقدنا احتياطى النقد الأجنبى وتوقفت المصانع وضاعت السياحة. زاد الاستيراد وتضاءلت الصادرات. وفى هذا الواقع استطاعت جماعة الإخوان اقتناص السلطة بكل مكوناتها اعتماداً على عملية المتاجرة بالدين إضافة لغياب القوى السياسية والحزبية التى تمتلك بديل سلطة مبارك. وكان عام النكسة ذلك العام الذى حكمت فيه الإخوان فتحولت مصر من دولة إلى إمارة تابعة لدولة الخلافة المزعومة. تسارعت عملية الأخونة فتم اختراق كل أجهزة الدولة بلا استثناء وكان الهدف الأول اختراق القوات المسلحة والسيطرة على وزارة الداخلية ناهيك عن فرض الإرادة الإخوانية على القضاء الشىء الذى تمثل فى البيان الدستورى فى ٢٣ نوفمبر ٢٠١٢ ذلك البيان الذى كشف تلك التركيبة الإخوانية المستبدة التى لا علاقة لها بدستور أو قانون ولا تعرف معنى كلمة شعب. كانوا يريدون تحويل مصر إلى مستعمرة إخوانية بهوى جماعة لا بهوية مصر التاريخ والحضارة حولوا مصر إلى دولة دينية لا تؤمن بالآخر ليس الآخر الدينى بل الآخر الذى لا ينتمى إلى الإخوان. وكان صراعا بين الجماعة وبين المصريين المسيحيين وليس بينهم وبين الدولة المصرية. أعدوا العدة وأخذهم الغرور وأصابهم الكبرياء فقالوا أننا سنحكم مصر خمسمائة عام على الأقل.
فى هذا المناخ وفى تلك الظروف كانت ٣٠ يونيو ٢٠١٣ فالتحم الجيش مع الشعب وصنعنا المعجزة وأعادا الأمور إلى مسارها الصحيح حفاظا على هوية مصر وتاريخها. وكان مؤتمر ٣/٧/٢٠١٣ الذى أعلن سقوط الجماعة ووضع خارطة طريق كان رئيس الدستورية رئيساً مؤقتاً. وفى هذا العام كان دستور ٢٠١٤ وكانت انتخابات الرئاسة التى حصل فيها السيسى على نسبة غير مسبوقة جاء السيسى وكانت الدولة كما وصفها هو بعد ذلك كانت شبه دولة. هذا إضافة إلى تلك العمليات الإرهابية بعد فض رابعة والتى كانت ولازالت تريد إسقاط الدولة وليس إسقاط النظام كما يزعمون ذلك الإرهاب الذى مازال يهدد سلامة الوطن سواء فى العمليات الإرهابية فى سيناء أو فى الداخل أو على حدود مصر الشرقية والجنوبية كل ذلك إضافة على تلك المحاصرة التى أعلنت فور سقوط مرسى من جانب المعسكر الذى لازال يريد المتاجرة بالإخوان كنوع من المكايدة مع مصير الوطن مثل موقف أمريكا وأغلب الدولة الأوربية وبالطبع ثنائى الشر تركيا وقطر هذا هو الوضع السياسى وتلك هى الظروف الموضوعية التى لايستطيع أحد تجاوزها أو تخطيها عندما نحاول التقييم. ولذلك وعلى ذلك لا نستطيع أن نقول إن كل الأمور على ما يرام أو أن النظام قد حقق كل ما يريده الشعب أو كل ما يبتغيه الوطن. ولذلك نقول إن الشعب يريد. والشعب هنا لا يستطيع أحد الادعاء بأنه هو الممثل الوحيد والمعبر الأوحد عن الشعب. ولكن حسب القاعدة السياسية وهى أن كل طبقة لها احتياجاتها وتسعى إلى تحقيق طموحها. فاحتياجات وطموح الطبقة الغنية غير الطبقة المتوسطة وكلاهما غير الطبقة الفقيرة والمعدمة. فلا أحد يدعى أن مصالح كل الطبقات تتوافق أو تتطابق ولكن هنا التوافق هو دور الدولة والنظام السياسى الذى يحل هذه الإشكالية بكثير من السياسات التى تهدف إلى صالح الوطن الذى هو صالح كل الشعب المصرى خاصة وبوضوح شديد فالطبقة المتوسطة تضاءلت وكادت تتلاشى لتتصارع طبقة الأغنياء والفقراء بطرق مباشرة (صراع طبقى عملى) أو بطرق غير مباشرة حالة حسد وحقد وضغينة تصيب الوطن كله. فماذا تريد بقايا الطبقة المتوسطة والفقراء والمعدمين؟ هم غالبية الشعب المصرى وهم الذين خرجوا فى ٢٥/٣٠ وهم الذين طلبوا من السيسى أن ينحاز إليهم بتحرير توكيلات فى الشهر العقارى وهم الذين انتخبوه ووثقوا فيه ولازالوا يثقون هم من يريد أن يعيش حالة الستر تلك الحالة مصرية الصنع والتى كانت نتيجة للتركيبة المصرية وللجينات المصرية التى تصبر وتعمل وتتحمل وتسعى لرزقها وتتمسك بهويتها وتدافع عن شرفها وشرف أرضها. والستر هنا هو المنزل الذى يؤويها والملبس الذى يقيها قيظ الصيف وزمهرير الشتاء واللقمة التى تقيم الأود والمدارس التى تعلم الأولاد والمستشفيات التى تطببهم ففى الإطار السياسى لابد أن يكون الهدف هو الحفاظ على تكتل ٣٠ يونيو بأى صورة وبكل صورة. فالحفاظ على هذا التكتل وفى ظل هذه الظروف التى يعيشها الوطن هو العاصم والسور الواقى وحائط الصد الذى يواجه كل أعداء الوطن الذين يستغلون كل الظروف أسوأ استغلال لصالح مخططهم الشرير. والحفاظ على التكتل يعنى الحفاظ على وجود وتواجد حياة حزبية وسياسية حقيقية يمارس من خلالها حوار موضوعى يعطى الفرصة للرأى وللرأى الآخر. فلا نظام سياسى بدون معارضة والمعارضة هنا هى معارضة سياسية تعتمد على منهج سياسى وبرنامج حزبى ورؤية سياسية ترى فيها كل المشاكل وتوجد كل الحلول كل حسب رؤيته ومصلحته. وهذا بالطبع غير الظروف الاستثنائية التى نعيشها والتى امتزجت واختلطت فيها الأمور فالإرهابى يزعم أنه معارض ومن يريد إسقاط الدولة يتصور أنه الوطنى الوحيد فالنظام السياسى هو المؤيد والمعارض ولا يجب أن يكون المؤيد مؤيداً على طول الخط وعمال على بطال فهذا التأييد يتحول إلى حالة نفاق تصيب النظام قبل أى شىء آخر. فالنظام يحتاج الرأى السليم والنظرة الموضوعية التى تنير له الطريق حتى لا يتعثر . كما أن المعارض لا يجب أن يكون معارضاً من أجل المعارضة. المعارض الحقيقى هو الذى لا يطلب ما لنفسه ولكنه يبذل نفسه من أجل الوطن والشعب مصلحته الذاتية تتحقق فى إطار المصلحة العامة لكل المواطنين. وهذا غير الادعاء بالمعارضة بهدف تحقيق مصالح ذاتية. المعارضة هى التى تملك برنامجاً بديلاً لبرنامج الحكومة. أما فى الإطار الاقتصادى. لا أحد ينكر ولا أحد يجب أن يتعامى عن المشكلة الاقتصادية بتراكماتها القاسية وأرقامها المفجعة من عجز الموازنة إلى نسبة التضخم إلى ارتفاع الدين الداخلى والخارجى إلى كساد السياحة وكثير غير ذلك. لا أحد يقول إنه لا يريد حل المشكلة الاقتصادية هذا الحل الذى يستوجب تجرع ذلك الدواء المر. ولكن هنا نريد أن تقول إن العدالة والحكمة توجب أن يتجرع الجميع بلا استثناء ذلك الدواء المر وكل واحد حسب إمكاناته المادية ووضعه الاجتماعى. نعم روشتة صندوق النقد تقول إلغاء الدعم. والدعم هذا هو مشكلة قديمة منذ أربعينيات القرن الماضى ولا علاقة لها بنظام اشتراكى ولا نظام رأسمالى . ولكن لها علاقة بإيجاد ذلك التوازن السياسى بين الطبقات حتى يكون هنا توافق مجتمعى فإذا كان ٤٠٪ من الأغنياء يحصلون على ٦٠٪ من دعم الطاقة وإذا كان ٤٠٪ من الفقراء يحصلون على ٢٥٪ من ذلك الدعم. نقول أن الأغنياء عندما نرفع عنهم الدعم فهم لا يتأثرون ذلك غير الفقراء الذين لا قدرة لهم على تحمل أى أعباء وهذا يعرفه ويشيد به دائماً الرئيس السيسى. وإذا كان الدعم هو مشكلة عجز الموازنة الذى نريد أن نتخلص منه فهذا لا يتم بتقليل المصروفات فقط ولكن وهو الأهم بزيادة الإيرادات . فأين الضرائب التصاعدية وأين الضرائب على مخربى اقتصاد مصر الذين باعوا الأراضى الزراعية؟ ولماذا لا يتم ترخيص ملايين التكاتك وأين استغلال الثروة المعدنية؟ ولماذا لا تقلص المصاريف الحكومية؟
نعم هناك قرارات اجتماعية تمت لمحدودى الدخل بزيادة ١٥٪ للمعاشات وعلاوة استثنائية للعاملين وزيادة حصة التموين إلى خمسين جنيهاً. ولكن هل هذه القرارات تكفى لمواجهة رفع الدعم وزيادة أسعار الكهرباء والبنزين والمياه؟ الوضع الاقتصادى خطير والمشاكل متراكمة والتحديات كبيرة والأعداء متربصون والشعب يثق فى القيادة. والحل الشفافية والمصارحة والحفاظ على تكتل يونيو وتطبيق القانون والعدالة الاجتماعية وهى غير الإعانات والعلاوات وفتح الباب أمام الأحزاب وقبول الرأى الآخر الذى يسعى إلى بناء الوطن وشعب مصر قادر بإذن الله على مواجهة هذا الواقع وقادر على تغييره للأحسن. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.