يقينًا لا بديل عن استكمال الإصلاح الاقتصادى إلى آخره، فمصر مريضة وعلاجها وإن كان مرًا لكن لا بديل عنه، قدر ومكتوب وليس فى الأقدار اختيار، وحظ الرئيس السيسى أنه جاء فى لحظة حاسمة من عمر هذا الوطن، ليس فقط فى حربها ضد الإرهاب أو تطهير جسدها من السم الإخوانى الذى اخترق شرايينها، ولا فى استعادة مكانتها التى كانت شبه غائبة إقليميًا ودوليًا، وإنما أيضًا وهذا هو الأهم فى إنعاش الدولة بكاملها وإنقاذها من الانهيار الذى كان شبحه يخيم على كل أرجاء الوطن.
جاء السيسى فى لحظة تتطلب المفاضلة بين قرارات كلها صعبة بل ومؤلمة فالبلد المريض يئن من الألم الذى لم تعد تصلح معه المسكنات.
«شيلة » ثقيلة وتحملها السيسى راضيًا رغم علمه بمخاطر حملها، كان يمكن أن يشفق منها، ويظل بعيدًا ولو لفترة يتورط فيها من يدعى القدرة ووقتها كان سيصبح السيسى منقذًا للوطن ومقبولا كل ما يفعله، لكن الرجل قبل المهمة ببسالة مقاتل لا يتخلى عن سلاحه ولا يهرب من الميدان ولا يراوغ فى الدفاع عن وطنه، تصدى للمسئولية وهو يعلم ثقلها، وكان حريصًا منذ أول يوم وكاشف الجميع بالحقيقة ولم يخف ولم يجمل الصورة، بل وضع أحوال البلد على المائدة ليعرفها كل من لا يعرف.
وعندما تولى فشلت كل محاولات إقناع الرئيس بأن يمارس ولو بقدر . نفس سياسات من سبقوه، أن يستمر فى المسكنات وأن يرحل المشاكل، كانت كلمة السر فى محاولات إقناعه، أن الشعبية ستكون فى خطر إذا اقترب من ملف الدعم أو بدأ خطط الإصلاح.
كنت شخصيًا ممن انحازوا لهذا الرأى فى البداية، لكن الرئيس كان حاسمًا فى أنه لن يخدع المصريين أكثر من هذا، ولن يعالج مرض البلد بداء وهمى مرة أخرى، بل سيصارح الشعب ويفعل ما يرضى ضميره، فالدين العام يزيد يومًا بعد الآخر، وعجز الموازنة يرتفع عامًا تلو العام، وإذا استمر هذا الوضع سيزيد النزيف ونجد أنفسنا أمام اختيار لا بديل فيه عن الانتحار.
كان كلام الرئيس وموقفه الواضح تسنده أرقام لا تكذب فعجز الموازنة وحده يصل إلى ٣٧٠ مليارا وتكلفة خدمة فوائد القروض تستهلك وحدها ثلث الموازنة سنويًا ووصلت فى الموازنة الجديدة إلى ٣٨١ مليار جنيه.
الأخطر أن تقسيم الدين العام على المصريين يعنى أن كل مواطن مصرى يولد مدينًا بأكثر من ٣٠ ألف جنيه.
هل هذا منطق يمكن السكوت عليه؟.
هل هذا وضع يمكن الاستمرار فيه ولو حتى كان المقابل الاستمتاع بشعبية دائمة؟.
الإجابة من الرئيس كانت واضحة، أن الاستمرار على هذا المنهج خيانة للأمانة وتوريط للبلد لن يقبل أن يمارسه، فلن يدغدغ المشاعر بخطب رنانة وشعارات زائفة وقرارات ترضية.
إذا قبل الرئيس التحدى والتصدى بمنطق المقاتل الصلد.
نعم القرارات ستكون مؤلمة.. نعم التكلفة ستكون غالية.. نعم ستتأثر شعبيته.. وربما تتراجع بشدة، فالمصريون لن يقبلوا المساس بلقمة العيش.
لكن وما البديل.. هل استمرار الخداع للشعب..
لم يقبل السيسى هذا الأمر، بل قرر أن يخوض المعركة بتضحية من أجل الوطن الباقى وليس المنصب الزائل.
قرر أن يتحمل فاتورة الإصلاح مهما كانت تكلفتها، ومهما كانت محاولات الجماعة الإرهابية ومن على شاكلتهم من أرزقية السياسة وقطاع الطرق من النخبة الكارهة لاستغلال التأثيرات غير المباشرة لهذه القرارات لتأليب المصريين ضد رئيس انتخبوه بنسبة تجاوزت الـ ٩٧ بالمائة ومنحوه كل ثقتهم.
لا يبالى الرئيس كثيرًا بهذه المحاولات، ليس عن غرور، فهو ليس كذلك، وإنما عن ثقة بيقظة المصريين وقدرتهم على التفرقة تمامًا بين من يريد لهم الخير ويسعى لتحقيق ما يتمنوه، وبين من يريدها خرابًا، بل ويثق الرئيس أن المصريين يتحملون من أجل بلدهم الكثيربالتأكيد ، من حقهم أن يغضبوا من بعض القرارات التى تطالهم تأثيراتها، ومن حقهم أن يطمعوا فى دعم وإجراءات أكثر، بل وينتقدوا وبشدة ، ولكنهم أيضًا يقدرون حجم ما تواجهه البلاد من مخاطر وأن الاختيارات التى أصبحت متاحة أمام الحكومة لم تعد كثيرة.
يدرك الرئيس هذا بالتأكيد، ويعمل كثيرًا على أن يزيد كل ما من شأنه حماية البسطاء ومحدودى الدخل من تحركات الأسعار وجشع التجار، ولا يكف عن عقد اجتماعات متواصلة مع الحكومة، وتشديدات دائمة على التدخل الواضح والسريع لمواجهة الجشع وحماية المواطن.
لكن الأهم من هذه القرارات التى تستهدف المواجهة العاجلة، هو خطة إتاحة السلع الغذائية التى يستهدف الرئيس الوصول إليها من خلال مشروع الصوب الزراعية أو المزارع السمكية أو مشروع تسمين البتلو، أو المناطق اللوجيستية واسواق الخضار بالمحافظات أو حتى توفير وسائل النقل المجهزة لتقليل نسبة الفاقد فى السلع الزراعية التى تصل بسبب النقل إلى ٤٠ بالمائة، وعشرات المشروعات الصناعية التى تستهدف بالمقام الأول زيادة الإنتاج لتوفير احتياجات السوق المصرى من كل السلع بل وتوفير فائض للتصدير.
يراهن الرئيس على أمل ليس بعيدا، وهو أن نكفى أنفسنا بأيدينا، أن نقلل اعتمادنا على الاقتراض الخارجى وعلى الاستيراد الذى ينهب عملة صعبة نحن أحوج ما نكون لها بل يعمل بجد وطنى على أن يحرك المياه الراكدة داخل مصانع القطاع العام التى انهارت تمامًا خلال السنوات الماضية ليعيد إليها الحياة مرة أخرى لتعمل وتقدم إنتاجًا وقيمة مضافة للاقتصاد المصرى.
إن رهان الرئيس وإن كان يحتاج جهدا حكوميا خارقا، لكنه أيضًا يتطلب دعمًا من كل المصريين وخاصة رجال الأعمال والمستثمرين بل وكل مواطن مصرى يستطيع أن يقدم من أجل البلد، أن نواصل العمل، أن نزيد قدراتنا الإنتاجية، ولا نلتفت لمحترفى الفيس بوك الذين لا هم لهم إلا التصيد وخلق المعارك وتسميم الأجواء والتحريض، فمن الأسف أن هذا الفيس إلى وسيلة تخريب ودمار أخلاقى واقتصادى واجتماعى لمصر وتفريق لشعبها وإفساد للذوق العام، ولم يعد لمن يشغلونه مهمة سوى التشكيك فى كل شىء والضرب فى كل قرار، وتشويه كل إنجاز، وكلنا نعلم من هم الأغلبية المسيطرة على الفيس، إما ميليشيات الجماعة الإرهابية، أو لوبى المصالح، والمجموعات السياسية الرافضة للحكومة الحالية.
على المصريين أن يلتفوا حول قيادتهم ويدعموا توجهاتها التى لا تستهدف سوى تحقيق حلم مصر الجديدة، رغم أنف كل المتآمرين الذين لا يرون جرائم الجماعة الإرهابية، ولا تستوقفهم مخططات ضرب مصر، ولا تغضبهم التحريضات التى تمارسها قنوات عميلة مثل الجزيرة والقنوات الإخوانية ضد مصر، ولا تستفزهم مؤامرات وحملات تشويه وضرب جيش مصر وإنما فقط يريدون ويسخرون كل إمكانيتهم من أجل الانتقام من السيسى لأنه حمى البلد، يستهدفون تدمير كل ما يمكن أن يعيد البناء الذى نحلم به، يترصدون كل خطوة يتخذها الرئيس فى سبيل تنفيذ وعوده، يصرون بكل بجاحة على أن يضعوا العراقيل أمامه كى لا يكمل مشواره ، لكن سيببقى عموم الشعب الواعى هو الدرع الواقى ضد كل هؤلاء من أجل مصر التى نريدها .