الخميس 9 مايو 2024

حديث النفس.. «مبعثرة.. لا أبالى»

مقالات3-3-2022 | 18:41

ونال منا الزمان.. فأصبحت أتمتع بصمت الحكماء.. وتخليت عن ضجيج التافهين.. أصبحت أنا كما هى الآن.. من يرانى يندهش.. لا يرى دموعى ولا ابتساماتى وضحكاتي.. لا يعلم كم بذلت من الجهد والعمر حتى أصبحت لا أبالي.. كم كنت مبعثرة فى الدروب والطرقات.. كم حزنت وانكسرت وتحطمت بعدما تخلى عنى من توكأت عليه حتى سرت وحدى لا أبالي.. من غدرات الزمان لا أبالى.. من كل غدر.. من كل خذلان.. من كل خسارة.. فأصبحت كما أحببت أن أكون لا أبالي.. إذن كل شيء على ما يرام!

هى الحياة التى نسير فى طرقها الوعرة حالمين ظننا أننا سنبلغ ما حلمنا به وأن يصدق توقعنا فى بلوغنا السعادة مع من ارتبطنا بهم.. من أشخاص أو حتى أشياء.. فى سبيلهم فتحنا أبواب قلوبنا على مصراعيها فدخل كل عابر سبيل باسم الحب والتعلق.. وبسببهم أيضا أغلقنا أبوابه ونوافذه.. وتخلينا عن البراءة والحب والتضحيات وأصبحنا لا نبالي.. بعدما استيقظت أنفسنا على درس موجع من الأيام جعلنا نغلق أبواب عقولنا قبل قلوبنا.. فأصبح كل شيء داخلنا مبعثر ومتناثر لتعم الفوضى أرواحنا بعدما جرحت قلوبنا وخاب ظننا فيمن أحببناه واتخذناه ونيسا لنا فى وحدتنا.. جميل يستحق أن نرفعه على عرش قلوبنا يحلو لنا أن نجلس بالقرب منه ولو حتى عند أقدامه.. خلعنا عليه حبنا فرأينا فيه ما بأنفسنا من حب فأصبح بنا لا يبالي.

فسرنا فى فوضى لا نعلم لها مدى سوى حياة مشتتة، واهمين أننا نسير على الطريق الصحيح.. ونسينا أن طريق الحياة واحد نتزاحم عليه ليقضى كل منا على الآخر.. نصيب بعضنا ولا نبالي.. نعافر.. نسقط.. نعاود النهوض.. وقد نسير فوق جثث بعضنا البعض.. نبعد ونعتزل ونصاب بالوحدة.. ثم ما نلبث أن نتعود على الصدمة التى أصبحت جزءا من حياتنا وكياننا.. أى صدمة وأى خذلان نصاب به من قريب أو غريب؟! لا فرق فهى آتية فقط تنتظر الفرصة والاختبار.

تعانى وتخسر وتصاب بالخرس الذى يصمت معه أى كلام فلا تسمع حتى ضحيج من حولك فضجيج نفسك أصمك عن كل شىء.. وقد تصاب بالذهول الذى يجعلك حائرًا عاجزًا.. فلا تستطيع أن تنهض ولا مسموح لك حتى بالموت.. ولا بالبعد ولا حتى بالانتقام.. لا أحد حولك.. فقد فقدت الثقة فى كل شىء وكل أحد.. ويصبح لزاما عليك أنت تتعود أن تنهض وحدك وتسير وحدك لأن من ارتبطت به ومنحته عمرا ووقتا وذوبانا فى داخله أراد أن يتركك تعانى صقيع الوحدة.. قد تقاوم وتنهض وتكتشف نفسك من جديد لأنك لم تعد بحاجة لأن يسندك أو يدفعك أحد بعدما علمت أنك كنت مجرد طفل تعلق بأب أو أم مزيفة وكنت بالنسبة له مجرد خطأ أو خطيئة عليك أن تتطهر منها فتجمع شتات روحك وتستعيد نفسك الممزقة.. صحيح أن الخنجر غرس فى قلبك وترك جرحا قد لا تستطيع أن تداويه، لكنه نفس الألم الذى قد يكون دافعا لأن تكمل حياة فرضت عليك بكل مافيها من قسوة وثمن واجب تتكبده، قد يكون طعنة أو تشوه أو حتى مجرد خربشات.. لكن إحساسك بألم الإصابة سيكون المصل الذى يمنحك اللامبالاة.. فتسعى ولا تنتظر المكافأة.. بل تكون مستعدا أن تقابل من يسرقها منك.. وقد تقابل قاتلك أو طاعنك، لكن يستوجب عليك المسير دون أن تحزن.. لتسأم حتى من الحزن والقلق والخوف مما هو آت وتشعر أنها مجرد مشاعر ساذجة لمن لا يتفهم إمكانية حدوثها فى أى وقت ومن أى شخص دون استئذان.. وتصبح لست بحاجة لأن تتظاهر بعكس ما ترغب أو حتى تجامل أحدا رغما عن إرادتك بشىء تراه فوق طاقتك مهما كان بسيطا.. فلم تعد تبالى سوى بنفسك مع كل مرة سقوط، فتبذل كل ما فى وسعك حتى لا تكون النهاية.

وهل تتوقف الحياة عند هذه الأمور ولا نرى منها سوى هذه المشاعر؟! الحقيقة أن الحياة مليئة بأمور حسنة وأناس من الروعة ما يجعلنا نتمنى أن نقابلهم فى طريقنا لنتخذهم شركاء لنا.. لكن من النادر أن يجود الزمان بهم.. فيصبح ما نمر به من صدمات وأزمات هو الدواء الذى يجعلنا لا نبالغ فى أحزاننا أو حتى فى أفراحنا فلا شيء يستمر.. لذلك علينا الاعتدال فى كل مشاعرنا.. فكم من هزات شوهتنا أو حتى كسرتنا و أفقدتنا براءتنا.. فأصبحنا نضحك على سذاجتنا بعدما فقدنا حماسنا للأشياء، فنقرر ألا نعاود الحماس مرة أخرى.. ونعود أنفسنا على التعلق بالشغف للحياة لنحيا سعداء فى حياة مفروضة علينا، لكن فى هذه المرة بشيء من اللامبالاة حتى لا نفقد أنفسنا بعدما تعلمنا مما أصابنا من غدر الأشخاص والأشياء.!!

وقد نعاود فتح أبواب قلوبنا المغلقة التى أقسمنا أننا سنحيا داخلها كالسجن الذى لا يسمح أن يقتحمه أو يمر به أحد حتى لو اختنقنا داخله.. لكن لا يشفع أو يمنع قسم أصحاب القلوب الجميلة أن تعاود فتح أبواب ونوافذ قلوبها فمثلهم لا يستطيع أن يحيا هكذا.. فيحتاج لمن يفتح أبوب قلبه.. ومن منا لا يحتاج له؟!.. بل لمن يقتحمه ويمر دون أن يجعله يبنى أبواب أخري.. لكن حذار من إصابات القلوب فهى لا تسمح بالتعدد ولا حتى بتكرار مرات الإغلاق والمرور فتصبح معها العودة مستحيلة!! فقد تغلق لأجل غير مسمى يصاب معها القلب باضطراب فى ضرباته.. فتنسحب معه الروح التى تتسارع معها الأنفاس ليختنق ببطء.. فلا هو بالحى ولا بالميت هى حياة ضبابية.

عندها يذهب القلب مسترضيا النفس يقول لها.. سامحينى يا نفسي.. كم جعلتك مبعثرة بين أشياء وأشياء غير مستحقة.. كم أتعبتك ليرتاح غيرى فأعطيت غيرى ما لم يستحق فأهدرت عمرى فى سخف وضياع وهراء فأصبحت فى التيه والندم معلقا.

وهل أصبحت قاسية حتى أننى أصبحت لا أشعر أو أحس بعدما أصبت باللامبالاة؟! لا لقد أصبحت حنونة على نفسى رؤوفة بها.. لدى من الوعى والإدراك ما يجعلنى ألا أنخدع بتصديق أدوار الممثلين فلا صاحب دور الخير يعنى أنه كذلك ولا حتى الشرير.. فقد تتبادل الأدوار المؤقتة لهم التى عليهم أن يعودوا لطبيعتهم مشتاقين للراحة بعيدا عن أضواء المسرح.. ولا أبرئ نفسى فكلنا مثلهم لنا أدوارا نحياها وترهقنا وتزعج من حولنا.. ليصبح لزاما عليك ألا تنفعل أو تتأثر أو حتى تندهش وأنت ترى الممثل الواحد يجيد أكثر من دور على مسارح متعددة أو حتى فى نصوص متعددة على نفس المسرح.

ترى أما زلت تتأثر وتبكى أو تسعد بنكتة بريئة أو تصدم من طعنة فى ظهرك أو مكيدة تكاد تودى بحياتك؟ حتى الحب أما زلت تراه فيمن تحب!

 ونتساءل لماذا تباغتنا الأيام بعقوبات فى لحظات وهننا وضعفنا؟! لأننا ننسى أن للزمان أوقات يحلو له أن يلقننا دروسا إذا ما استسلمنا وفرطنا فى اليقظة المفروضة على أنفسنا ونمنح الأمان لمن لا أمان له.. فنتعلق ونضحى ونهديه مفاتيح قلوبنا ليفعل بنا ما يفعل ونظن أننا بذلك نحافظ على استمرارهم فى حياتنا ونغفل أن كل شخص يسأم من اللعبة حتى ولو كان منتصرا طوال الوقت.. فيحلو له أن يتحرك بين اللعبات ليشعر بمتعة ونشوة النصر فيتركنا بعدما أفنينا ذواتنا داخله.. ويقول ليس ذنبي.. أنت من أعطيت وأنت من فرطت.. وأنت من حاصرتنى بالاهتمام والتملك حتى سئمت والآن تلومنى على أنك أضعت نفسك.. على أن أرحل لم تعد اللعبة تجذبني.. فتنكسر وتضعف.. ليطل الزمان علينا بدرس موجع نظن معه أننا أشرفنا على الموت وقد نتمناه لنتخلص من الألم والشكوي.. وقد نتعلق بالحياة أكثر هروبا من سكرات الموت والرغبة فى فرصة ثانية نصحح ونصوب وننتقم ونثأر لأنفسنا.. وماذا بعد؟!.. نخرج بشيء من الثبات والفرحة بالنجاة التى تجعلنا أكثر قوة وصلابة بعدما وصلنا للامبالاة.. حكمة استمرارنا أقوياء فى هذه الحياة!

ليصبح لزاما علينا أن نهاجر لأنفسنا ونتخذها موطنا وسكنا فالسعادة دائما داخلنا نحن.. فنحن من نخلع على غيرنا ألبسة الملائكة وتعمى أعيننا عن رؤية قرون الشياطين.. ونعود ونشكو أننا بذلنا الجهد والوقت والعمر فى نكسات وانهزامات.. وننسحب وننعزل لنرى فى الوحدة قوة.. نخرج بعدها نسعى ولا ننتظر المكافأة.. نحلم ولا ننتظر تحقيقه.. نحب ولا ننتظر المحب.. نخسر ولا نحزن.. ننتصر ولا نفرح.. فلا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما أوتينا.. لندرك أن لا شيء يستحق.

Egypt Air