السبت 18 مايو 2024

"إله الأحياء" لغراتسيا ديليدّا تصور الصراع الباطنيّ ما بين الجشع وصحوة الضمير

غلاف الرواية

ثقافة4-3-2022 | 13:51

دعاء برعي

 ترصد رواية "إله الأحياء" الصادرة عن عام 1922 للأديبة الإيطاليّة غراتسيا ديليدّا، التغيّر الذي يطرأ على شخصيّة زيبيديو في طوايا نفسه، وتصور الصراع الباطنيّ ما بين الجشع وصحوة الضمير، حيث يتعرّض بطل الرواية لإشاراتٍ غامضةٍ يجدر به التقاطها وإدراكها ليتحوّل إلى فعل الخير الذي خُلِقنا من أجله. لذا تواصل الرواية على الخطّ الرفيع الذي يفصل ما بين العقلانيّة والإيحاء، وما بين العلم والإيمان، ومن هنا تأتي أهمية الرواية.

ولم تكشف غراتسيا ديليدّا، عن موقفها، لكنّها ترغم القارئَ على إرجاء أحكامه، وتمنحه فرصةً ليشكّ بالنهاية التي ستفضي إليها الشخصيّات، والتي تفتح تساؤلات جديدة بدورها.

ترسم لنا الرواية التي نقلها إلى العربية معاوية عبد المجيد، وراجع ترجمتها الدكتور عز الدين عناية، وصدرت عن مشروع  "كلمة" بأبوظبي، معالم المجتمع الريفيّ في جزيرة سردينيا، حيث تصوير العائلة من الداخل وإبراز منزلة كل فردٍ فيها وتأثُّره بمحيطه في اتّخاذ قرارٍ مّا أو في رؤيته لحدثٍ مّا. وتعرّج الكاتبة على تجذُّر الخرافة في ذلك المجتمع، وتصادم العلم والمنطق فيها وما ينجم عن ذلك من حيرةٍ وتردُّدٍ في حسم الموقف، في حين يبقى الإيمان الحقيقيّ ساميًا متعاليًا على البلوى والاتّقاء منها بتلك الأشكال المتخلّفة.

كما ينال المكان في الرواية حصّةً كبرى من التأمُّل والتفصيل: الطبيعة في أدب ديليدّا جوهريّةٌ وأساسيّة، ولا بدّ من توصيفها بدقّةٍ شديدة: فمن المراعي إلى الحقول مرورًا بالمروج والأنهار، تحكي لنا ديليدّا عن لوحةٍ زاخرة بالأزهار والنباتات والألوان والطيور والعناكب والأشجار وإلى ما هنالك ممّا تجود الطبيعة به على سكّان تلك الجزيرة، ووصولًا بالبحر نفسه، فهو الذي يعطي للجزيرة فرادتها، وهو الذي يداوي العلل، وهو المكان الساحر الذي يحدّ اليابسة، هناك حيث يتكوّن عمقه من صفوة الأساطير التي تعالج الهذيان.

اهتمّت ديليدّا بمعالجة ثيماتٍ أدبيّة كبرى في حكاياتها، فهي تركّز على أخلاق المجتمع الأبويّ في جزيرة سردينيا وما يتمحور حولها من عواطف مكثّفة وحادّة. كما تطرّقت إلى موضوعة القدر، والخطيئة والذنب، والخير والشرّ، وبرز إحساسها الدينيّ جليًّا في رسم مسارات بعضٍ من شخصيّاتها التي تختار خطورة الإيمان وولوج اللغز الإلهيّ على أن تظلّ مثقلةً بالحسرة والندم ممّا ارتكبته من آثام.

أمّا من حيث الأسلوب فهو متنوّع بفضل التباين في المدارس السرديّة التي انتهجتها الكاتبة والتأثُّرات الفكريّة التي عملت على صقلها. وعلى الرغم من استنادها الراسخ إلى بيئة سردينيا وطقوسها وثقافتها فقد سعت جاهدةً إلى جعل الجزيرة مكانًا أسطوريًّا وأرضًا بلا زمن ومجالًا أنثروبولوجيًّا يطرح مسائل الوجود ويتعمّق فيها.

وُلدت غراتسيا ديليدا (1871-1936) في جزيرة سردينيا التي كرّست مسيرتها كلَّها من أجل الكتابة عنها وعن مجتمعها وطبيعتها، وباتت تُعرَف بناقلة العالم الساردينيّ إلى دنيا الأدب. وظهر نبوغها الأدبيّ واللغويّ منذ طفولتها، وما إن بلغت سنّ الشباب حتّى أرسلت قصصها لتُنشَر في المجلّات الأدبيّة في روما وغيرها من المدن الإيطاليّة. فاكتسبت بفضل غزارة إنتاجها شهرةً واسعة في الأوساط الثقافيّة الإيطاليّة والأوروبيّة، وكان مكسيم غوركي وديفيد هربرت لورنس من أشدّ المعجبين بقلمها.

ازداد الاهتمام حول رواياتها من كبار النقّاد، بل وأثارت بعض رواياتها إشكاليّاتٍ كبيرة وأصبحت محلّ جدلٍ ونقاش استمرّ عقودًا. حصدت جائزة نوبل للآداب عام 1926 بفضل مقدرتها على الكتابة، واستنادها إلى مثاليّاتٍ سامية، والتقاط أشكالٍ فنيّةٍ للحياة في الجزيرة المعزولة مسقط رأسها، ومعالجتها العميقة والدافئة لإشكاليّاتٍ تهمّ البشريّة عامّةً.

درس معاوية عبد المجيد، المترجم السوريّ درس الأدبّ الإيطاليّ في جامعة سيينا للأجانب، وحاز درجة الماجستير في الترجمة الأدبيّة من جامعة بولونيا في إيطاليا وجامعة الألزاس العليا في فرنسا. صدرت له عدّة ترجمات في العالم العربيّ، أبرزها "ضمير السيّد زينو" لإيتالو سفيفو، "الرسائل الأخيرة لياكوبو أورتس" لأوغو فوسكولو، "الشعلة الخفيّة للملكة لوانا" لأمبرتو إيكو، "تريستانو يحتضر" لأنطونيو تابوكّي، ورباعيّة نابولي لإيلينا فيرّانتي. حصد عدّة جوائز وتكريمات عالميّة في مجال الترجمة الأدبيّة.

الاكثر قراءة