قال عضو المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" د.أوري ديفيس، اليوم /الثلاثاء/، إن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ليس له مُستقبل، وسينهار نظام الفصل العنصري في إسرائيل كما انهار "الابارتهايد" في جنوب إفريقيا.
وأقر نائب المفوض العام لمفوضية "فتح" للعلاقات السياسية - في حوار مع مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله - بوجود مشكلات لدى الجانب الفلسطيني، واستدرك قائلا"لكن هناك أيضا تناقضات بل ومصائب لدى المؤسسات الصهيونية ودولة إسرائيل القوية عسكريا إلا أن هيكلها السياسي، وأتوقع انهيارفي المستقبل المنظور".
وأوضح ديفيس - المولود قبل قيام إسرائيل لأبوين يهوديين والمُتزوج من المُناضلة الفلسطينية ميسر أبو علي وأشهر إسلامه قبل أن يعقدا قرانهما- أن ما يعكس هشاشة الوضع السياسي في إسرائيل هو أنه خلال عامين ونصف العام أضطرت إسرائيل إلى إجراء الانتخابات أربع مرات، والحكومة الأخيرة التي أنهت هذا التسلسل الذي أعتبره "صفة ضعف" وليس صفة قوة، هي حكومة ائتلاف يعلم الجميع كم هي حكومة ضعيفة وهشة مبنية على المصالح والتناقضات الفكرية والسياسية والاستراتيجية.
وأضاف ديفيس: إنني محظوظ بتربية والدي الإنسانية للغاية والتي كان أساسها مقولة أخلاقية بسيطة وهي أنه "لا يجوز التعميم" وأن هناك أناس طيبون من جميع الأديان وجميع الأعراق وأن تربية والديه نمت في قلبه ضميرًا حيًا وعندما يرى ظلمًا لا يدير له ظهره خاصة عندما يُمارس باسمه كشخص مجنس بالجنسية الإسرائيلية.
وقال ديفيس، الناشط ضد الصهيونية، إنه يحمل جوازي سفر، أحدهما بريطاني والآخر إسرائيلي، وأن والده كان بريطانيًا أما والدته فمن تشيكوسلوفاكيا السابقة والتقيا في القدس وتزوجا عام 1939 قبل أن يولد هو في القدس عام 1943 أي قبل قيام دولة إسرائيل بخمسة أعوام.. وأنه خريج الجامعة العبرية في القدس وحاصل على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من الولايات المتحدة، وأنه كونه يحمل جواز سفر إسرائيليا فهو يدلي بصوته للأحزاب المناهضة للصهيونية ويعطي صوته إلى "القائمة المشتركة" المعارضة في الكنيست والتي يرأسها السياسي العربي أيمن عودة وقبل ذلك كان يعطي صوته للحزب الشيوعي المعارض.. وانضم ديفيس إلى حركة فتح خلال تواجده في بريطانيا بتنسيب من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وخليل اوزير "أبو جهاد" في عام 1984.
وأردف يقول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية يدعي أن حكومته تتحدث باسم كافة الشعب اليهودي وهذا امر مغلوط وهذا ادعاء صهيوني، مُضيفًا "أرفع يدي وأصيح بأعلى صوتي.. ما يُمارس من جرائم لا يُمارس باسمي.. وهذا ما أفعله منذ 60 عامًا.. وهذا ما أوصلني إلى حركة فتح".
العودة إلى فلسطين:
وعاد د.أوري ديفيس إلى فلسطين عام 1994 عبر اتفاقية أوسلو ويبلغ من العمر 79 عامًا.. ويقول عن ذلك انه كونه يساريا فالساحة السياسية الفلسطينية التي كانت متاحة له هي الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية وكلها "ماركسية" وهو اشتراكي ليس ماركسيا فما كان أمامه إلا حركة فتح وهي الحركة الوحيدة الليبرالية التي تقبل كل شخص ملزم بالبرنامج السياسي لها وهو العمل من اجل تحرير فلسطين من الاحتلال ومن الصهيونية الاستيطانية.
وقال: إن جزء من التعليم الثانوي الإسرائيلي هو تدريب عسكري خفيف لكن والده بثقافته الليبرالية كان يرى أن التدريب العسكري في المدرسة صفة فاشية وبحث عن مدرسة له لتعفيه من التربية العسكرية ووجد مدرسة في تل أبيب وكان ذلك في أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات.
وأشار إلى أن والده كان مجندًا بالجيش البريطاني وأصيب بغاز الخردل في الحرب العالمية الأولى نتيجة استخدام الجيش الألماني لغاز الخردل.. وظلت بقايا غاز الخردل موجودة في نسيج الرئة لديه إلى أن توفي وهو في العقد السادس من عمره نتيجة انعدام النسيج الرئوي بسبب غاز الخردل ولما كانت وفاة والده نتيجة جريمة حربية تم إعفاؤه هو من التدريب العسكري الثانوي.
ورفض أوري ديفيس الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي عندما بلغ عمره 17 عامًا على أساس فلسفة أبيه السلمية (باسيفيسزم)، وفي ظل إصراره على رفض الخدمة الإجبارية، تم تحويله إلى خدمة مدنية بديلة إلا أنه تركها قبل أن يُكملها..وقال ديفيس إن والده جاء إلى فلسطين لتتربى ابنته الأولى في كنف عائلته التي هاجرت إلى القدس في العشرينيات بعد أن انفصل عن زوجته الأولى ووجد نفسه أبًا وحيدًا.
وتابع: إن التطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية مورست في أمريكا وأستراليا وإفريقيا ولكنه لا يزال مستمرا في فلسطين ويحدث الآن في منطقة النقب.
ونوه ديفيس إلى أنه ظل يتبع منهج "السلمية" إلى أن وصل إلى أمريكا لدراسة الدكتوراه في تخصص الأنثروبولوجي وهناك تطور فكره وكتب استقالته من مؤسسات الحركة العالمية ضد الحروب والمبنية على أساس فلسفة "غاندي"، حيث وصل إلى قناعة أن فلسفة "غاندي" يمكن تطبيقها في غالبية حالات الحرب إذ أنه في غالبية حالات الحرب ليس هناك مُبررًا وهناك بدائل سياسية واجتماعية وفكرية، ولكن في بعض الأحيان يكون الكفاح المُسلح ضروريًا كما حدث في فيتنام التي بدون المقاومة كشرط ضروري ما كان للجيوش الأمريكية أن تنسحب.
وقال أوري ديفيس إن شهرته تراكمت لسجنه في إسرائيل في الستينيات عدة مرات بسبب قيادة احتجاجات مدنية ضد مشروع صهيوني إجرامي اسمه "تهويد الجليل" وكان ذلك في فترة الحكم العسكري في الداخل مُشيرًا إلى أنه نقل إقامته من "كفار شمرياهو" وهي المنطقة الراقية في شمال تل أبيب - والتي بُنيت على أراضي بلدة عربية اسمها الحرم (سيدنا علي) - إلى دير الأسد بمنطقة الجليل حيث نادى للتضامن مع أهالي دير الأسد وبعنة ونحف التي وضعت تحت الحكم العسكري - وصودرت أراضيها الخاصة من أجل إقامة مدينة استيطانية باسم "كرميئيل" - قبل أن يقوم الاحتلال بسجنه ثم نفيه بعد ذلك إلى خارج "الجليل" لمدة عام.
وفي فترة إبعاده عن الجليل، ازداد إصرار ديفيس ليتقرب من المجتمع الفلسطيني بشكل أكبر، فقرر تعلم اللغة والأدب العربي في الجامعة العبرية بالقدس.
وقال أوري ديفيس إن الحل العادل والثابت للقضية الفلسطينية لا يقوم فقط بالاعتراف بـ "حق العودة" بل وبتطبيق حق العودة وإعادة حقوق الملكية للاجئين والمهجرين الفلسطينيين ممن انتزعت منهم ملكيتهم أو لورثتهم، وأن يعيش اليهود والمسلمون والمسيحيون بعد ذلك على قدم المساواة وألا يحظى اليهود بأي امتيازات استيطانية.
وأضاف بصوت يعتصره الألم "لا حل عادل وثابت حتى أشاهد ورثة عائلات قرية الحرم يستعيدون حقوق الملكية في كفار شمرياهو".. معربًا عن أمله أن يحتفل بعيد ميلاده التسعين وهو يشاهد هذا الأمر يتحقق.
وقال الدكتور أوري ديفيس وهو نائب المفوض العام لمفوضية فتح للعلاقات السياسية إن قرار التقسيم نص على دولة عربية ودولة يهودية ومنطقة خاصة وهي القدس مثل "الفاتيكان" وتكون تحت سيادة فلسطينية وإدارة الأمم المتحدة، إلا أن التفسير الصهيوني لهذا القرار أن الدولة اليهودية تكون دولة ذات سيادة وعلى هذا الأساس أعلن بن جوريون إقامة دولة إسرائيل وادعى أن هناك شرعية لذلك بقرار التقسيم.
وأضاف ديفيس "إسرائيل تدعي انها استوفت القرار 242. النص الرسمي لهذا القرار باللغة الإنجليزية ينص على انسحاب إسرائيل من (أراض) احتلت عام 67.. ولكن النص الفرنسي ينص على انسحاب إسرائيل من (الأراضي) وهنا الفارق (ال) التعريف.. إسرائيل اختارت النص الإنجليزي". وأردف ديفيس يقول "فلنعمل بنفس المبدأ.. قرار التقسيم كذلك لم يذكر دولة ذات سيادة.. فلتكن دولتين عربية ويهودية تحت سيادة فلسطينية وكذلك القدس تحت سيادة فلسطينية وأن تقع تحت إدارة الأمم المتحدة".
وقال ديفيس إنه سأل نفسه ذات مرة "كيف نجحت إسرائيل في تسويق نفسها كواحة ديمقراطية في الشرق الأوسط" وهي بالجوهر دولة فصل عنصري كجنوب إفريقيا سابقا، مُشيرًا إلى أن تخصصه هو المقارنة بين (أبرتهايد) إسرائيل وجنوب إفريقيا وفي عام 1987 نشر في بريطانيا كتابًا بعنوان "إسرائيل دولة أبرتهيد" وسعى التيار الصهيوني إلى أن يُسمى ما يحدث في إسرائيل بـ "العزل" وليس "الفصل العنصري" حتى لا يتم محاكمة إسرائيل بالفصل العنصري بموجب الاتفاقية الدولية الملزمة لقمع جريمة الفصل العنصري والمُعاقبة عليها لعام 1973.
وأضاف ديفيس إنه بعد 30 عامًا من كتابه وصل تعريف إسرائيل كدولة فصل عنصري لمنظمات هيومان رايتس ووتش الدولية و"بتسيلم" الإسرائيلية ومُنظمة العفو الدولية وفي المُستقبل المنظور إلى "الجمعية العامة للأمم المتحدة".. مشيرًا إلى أن عام 73 كان بداية تدهور نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وبعدها بنحو 17 عاما تم الافراج عن نيلسون مانديلا.. مشيرًا إلى أنه بمجرد تعريف إسرائيل دولة فصل عنصري في الجمعية العامة سيبدأ تدهور الفصل العنصري في إسرائيل.
وبسؤاله عن وجهة نظره في مشاركة القائمة الموحدة ذات التوجه الإسلامي في الحكومة الائتلافية في إسرائيل، قال ديفيس إن هناك تيارين في الساحة العربية في أراضي الـ 48 وهما تيار وطني فلسطيني وتيار "أسرلة" تنازل عن الهوية النضالية الفلسطينية، وقال إنه يرى أن القائمة المشتركة بعيدة عن الأسرلة وتلح على الخطاب الفلسطيني الوطني في حين أن من يعاكس هذا التيار يمثل الأسرلة.
وقال ديفيس إنه يرى أن الحق "يُنتزع" ولا "يُعطى" وقال إن خطاب القائمة الموحدة هي أنها تذهب للحكومة الإسرائيلية وتقول لها "أنا إسرائيلي مثلك.. لي نفس الحقوق.. أريد حصتي في الكعكة الاقتصادية المبنية على غنيمة النكبة كغيري" لكن خطاب القائمة المشتركة مختلف فهي تقول "أنا فلسطيني.. مجنس إسرائيلي.. ولي حقوق كفلسطيني.. مجنس إسرائيلي.. وأنا أقلية في بلد (أبارتهايدي) وأريد أن انتزع منك حقي" وهذا هو الفارق بين القائمتين وهو فرق استراتيجي.