خلال أول أيام العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوات الاستراتيجية النووية بالتأهب، وهو ما أثار مخاوف اندلاع حرب نووية، لكن التركيز الكثيف على التصعيد النووي أخفى مشكلة أخرى بنفس الأهمية، وهو خطر اندلاع حرب تقليدية غير نووية بين روسيا وحلف الناتو.
في تحليل نشرته مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية على موقعها الإلكتروني، اليوم الثلاثاء، أشارت إلى أن الغرب وروسيا يدخلان الآن في المراحل النهائية من دوامة انعدام الأمن، مُفسرة ذلك بأنه سلسلة من الخيارات المزعزعة للاستقرار المتبادل، وهو ما قد ينتهي بمأساة ناتجًا عنه اندلاع حرب في أوروبا حتى إن لم تكن نووية.
ورجحت المجلة أن تكون الأسابيع المقبلة أكثر ضراوة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تكون على دراية خاصة بمخاطر التصعيد مع بدء المرحلة التالية من الصراع، كما يجب أن تضاعف جهودها لإيجاد طرق لإنهاء الصراع في أوكرانيا عندما تسنح الفرصة، لكن ذلك قد يتضمن اختيارات صعبة وغير مُحببة مثل إلغاء بعض العقوبات الشرسة المفروضة ضد روسيا مقابل خفض التصعيد، وهو ما يعتبر أكثر الخيارات فعالية لمنع حدوث كارثة أسوأ.
في لغة الدراسات الأمنية، تنشأ دوامة انعدام الأمن عندما تؤدي خيارات دولة ما بهدف تعزيز مصالحها إلى تهديد مصالح دولة أخرى، والتي تستجيب بدورها بقرارات مماثلة، والنتيجة تكون دوامة شرسة من التصعيد غير المُخطط له، وهو أمر حدث في الماضي عدة مرات عندما تؤدي ممارسات الشيء بالشيء إلى نزاعات مسلحة.
وأوضحت المجلة أن بعض المراقبين يرون أن الولايات المتحدة وروسيا اليوم منخرطتان في دوامة مثيلة، لكن بطيئة، منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث تحاول كل منهما إعادة هيكلة الأمن الأوروبي لخدمة مصالحها القومية .
وتُسلط الأحداث الأخيرة الضوء على هذه الدوامة، بداية من قمة بوخارست 2008، التي تعهد خلالها الناتو بضم أوكرانيا وجورجيا إلى التحالف، والتي تبعها العملية العسكرية الروسية في جورجيا عام 2008، وبعد عرض الاتحاد الأوروبي على أوكرانيا اتفاقية الشراكة في 2014، تزايدت المخاوف الروسية من انضمام أوكرانيا إلى الناتو وهو ما دفعها إلى الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في العام نفسه.
ل
كن العملية العسكرية الروسية الأخيرة في أوكرانيا رفعت من تسارع الدوامة بشكل كبير، ففي الوقت الذي تستمر فيه روسيا بالضغط البري والتقدم العسكري على الأرض، فإن الولايات المتحدة وحلفائها بالناتو والاتحاد الأوروبي يرسلون كميات هائلة من الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا ويفرضون عقوبات شرسة ضد الاقتصاد الروسي بجانب تعزيزهم طويل الأمد لقواتهم العسكرية في الدول المجاورة.
ويبدو أن كل طرف ملتزم بتصعيد الضغوط التي يمارسها ضد الآخر، وهو ما يعني أن شرارة واحدة فقط قد تشعل حربا أوسع.
وأشارت المجلة إلى أن الباحثين وجدوا عدة أسباب قد تؤدي إلى اشتعال تلك الحرب التقليدية بين روسيا ودول الغرب، على رأسهم سيناريو الحرب الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الاستثنائية غير المسبوقة ضد إحدى الدول العظمى، وهو ما قد يدفع موسكو إلى استهداف بعض دول الغرب بهجمات إلكترونية ومنع تصدير الغاز إلى أوروبا، لكن إذا استهدفت روسيا إحدى دول الناتو بهجماتها الإلكترونية فإن ذلك سيعني هجومًا على الحلف نفسه، ومع رد دول الحلف إلكترونيًا ستشتعل حربًا إلكترونية قد تتحول إلى أخرى تقليدية إذا لم يستطع الطرفين المساومة.
ومن الأمور الأخرى التي قد تسبب في اشتعال حربًا تقليدية بين روسيا والغرب، امتداد النزاع المسلح إلى خارج حدود أوكرانيا، وبالفعل حتى الآن انتهكت 4 طائرات روسية المجال الجوي السويدي، لكن هذا الانتهاك لن يكن ليمرّ بسهولة إذا حدث هذا الانتهاك مع إحدى دول الناتو.
وفي الوقت نفسه هناك خطر استهداف روسيا لخطوط الإمداد الجوية التي تدفع بها دول الناتو لدعم أوكرانيا بالأسلحة النارية، وهو ما قد يؤدي إلى مقتل أو إصابة أحد مسئولي الناتو، ما من شأنه تصعيد الدوامة.